منحت وزارة التربية فرصة ثراء لكوادرها العاملة في مراكز النشاط المدرسي ببغداد والمحافظات عبر اقامة الدورات المتتالية للمهرجان المسرحي السنوي لفرق التربية والتي وفرت فيه مساحة من الحرية في اختيار المضامين وما يجري رسمه من ابعاد جمالية تستدعي استخدام التقنيات التي جعلت عروض المسرح متمتعة بفرادتها0
وفي دورة المهرجان الرابعة التي عقدت مؤخرا في مدينة البصرة استعدنا فرحنا ونحن نرفل بعافية المسرح العراقي وما اسس فيها من علامات فارقة ازدهى بها هذا المسرح بكتابه ومخرجيه وممثليه وتقنييه ونقاده0
وفي ( سمفونية التحرير ) العرض المسرحي الذي قدمته فرقة تربية صلاح الدين تلمسنا الزهو بذلك الجهد الابداعي الذي ظهر عليه العرض بكل جوانبه
• خطاب النص
برز غودو كرمز مستعار من مسرحية بيكيت ( في انتظار غودو ) بعد ان تناثرت حوارات هذه المسرحية بين ثنايا نصين مسرحيين اعدا نص العرض فاستثار التأويل الميتافيزيقي لنصي سقوط هبل لهناء الساعدي وطبول تحت الوسادة لعبد الرحمن القيسي حقيقة شاعر راودته الرؤى والاصوات الخفية عبر عالم تم ابداعه بما لا تقوى الالفاظ الغريبة عن وجوده الفذ في جو مكفهر مكهرب ملعون ، اعني جو الحروب وما بعدها وجو العقائد والمبادئ المعروضة في سوق النخاسة ، جو المكارثية العابثة بالفكر الخائضة في الاثم ، حيث تكون اللغة قد فقدت مبرر وجودها بفقدان حملها لمعانيها ويكون الواقع بصفته كيان قائم على اسس معروفة محال الى نوع من العرض المسرحي يغور باللاشعور ويطفح بالرموز والاحلام والكوابيس والرؤى الخيالية البشعة والصور الشيطانية الغريبة في اطار فضاء جهنمي ينحدر متهاويا الى دهاليز نفسية عفنة مجسدة بأحداث صورية مبهرة لمسرحية (سمفونية التحرير) التي اعدتها هناء الساعدي عن النصوص المسرحية التي تم ذكرها0
الحدث في المسرحية يجري في مكان من بلاد الرافدين وفي ساحة التحرير حصرا ،ولكنه مكان مفنطز اسفله عالم من موتى واعلاه فضاء بلون الدم تتحول فيه شخوص من بيكيت الى شياطين بهيئة مصاصي دماء وشخوص مستلبة بل ضحية لسلطة العنف تصنع قصة انتظار غير واضح المعالم لمخلص بهيئة غودو
• خطاب العرض
توفر لعرض مسرحية ( سمفونية التحرير ) يقين معياري لتجربة مخرج ساحر ( جواد الساعدي ) بقدراته المعرفية والتقنية ليصنع اشكالا حركية بصرية سمعية مصنفة من حيث الزي والايقاع والضوء والمنظر ورسم اتجاهات فضائية بمكان وزمان يصفان استبصاراته الادراكية بمنبهات صورية احالت النص الدرامي الى سينوغرافيا عرض يحمل بصماته المتفردة مستعينا بقدراته كممثل لا يقل اهمية عنه عبد حبيب عبد ( الشاعر ) وعبد الرحمن القيسي (مصاص الدماء ) وميادة الباجلان ( نصب الحرية ) وكرار عدنان ( الطفل المجنون ) والآخرون الذين رسموا ادوارهم بآلية صارمة تحكمت بأدائهم لأدوار آدمية وحيوانية ما جعلت النص المسرحي ينتقل الى عرض يتخذ مجرى سلوكيا ابداعيا رسمته حدوس المخرج ودوافعه وساعدت في ابرازه تلك الطلاقة والحيوية التي ظهرت عليها الموسيقى التصويرية المعزوفة بشكل حي بأصابع احمد جاسم عمران الذي عزف ايضا وبمهارة فائقة مع مشاهد البانتومايم والرقص الايمائي ، كما ساهمت اضاءة محمود عبد حسين وديكور سعد صالح وناجح عياش وازياء اعتماد ادهام في خلق الفتنة البصرية التي ظهر عليها العرض وهو يعبر عن مأساة الانسان في زمن رديء مقابل اصراره على انتظار غودو كرمز لمخلص سيزين بقدومه وجه الانسانية بعد تلك الحياة الغريبة التي لا يستطيع المرء ان يعيشها او يضع حدا لها