23 ديسمبر، 2024 10:15 ص

سمفونية ألم بعنوان: “يا ولي العافية”

سمفونية ألم بعنوان: “يا ولي العافية”

الأنين.. أبلغ تأثيرا في الطبيب.. من السلاح
 خيط إنساني يصل ألم المريض بمهنية الأطباء، الذين واجهوا تحديات الإرهاب، خلال سنوات 006 و007 و2008، التي شاعت أثناءها إغتيالات مجانية؛ بغية حثهم على الهجرة، وتصفية من يمكث في العراق؛ كجزء من خطة لإخلائه من العقول!

 حضرت الإجابة، قبل السؤال: أيهما أنفذ تأثيرا، في وجدان الطبيب؟ أنين المريض؟ أم السلاح الذي يشهره ذووه؟

 الإجابة مستوفاة سلفا.. الرأفة، والإيمان بأن حق الحياة فوق كل شيء، رد أمثل… الطبيب يفلسف الأنين الى أنواع.. يستشعرها؛ لأنه يحس بالمريض كبشر، والآهات مجسه لتحسس معاناة أسلافه الغابرة.. يوم كانت “العطابة” أحدث إكتشافاتهم الدوائية! مع دعاء صادق لله: “يا ولي العافية”.

 فهو يلتمس سبيله الى تخفيف وجع آبائه وأجداده وعموم أهله وناسه ومجتمعه، الذين عاش معهم، متمتعا بفراسة مكنته من تصنيف الآهات الحرى، النابعة من ألم عميق، وتمييزها عن تلك السطحية أو البين بين، او حتى تلك المصطنعة، التي يراد بها هدف ما يبغيه المتمارض.

 

مشهد 1

دراية المتخصص بفهم الالم، من خلال إصغائه للأنين وترجمة تعابيره؛ تمنحه فرصة تقدير مستوى الالم، وطبيعته وأسبابه ومحتواه، وتبين صدقه من عدمه، أثناء إندفاعه.. هابا.. يلبي لهفة المستجير بعلمه الرحوم.

بداهة.. من دون تفكير، يتخذ اللازم، فاعلاً ما يجب، في سبيل تهدئة الألم وتسكين الوجع، ليقطع شوط الشفاء، كهدف أمثل.. إنها ساحة عمل وسيناريو إجرائي.. يهيء الساحة، للدكتور كي يمسك زمام المبادرة، بإعتباره القائد.. إنها معركة ضروس ضد المرض! تصوير لمشهد العملية العلاجية بشكليها الباطني والجراحي، يبدأ بصوت الأنين، الذي يشجي الطبيب؛ بإعتباره أباً مستوفٍ شروط الابوة، التي تحرك في أعماقه فضولا علميا.. يقننه منهجيا لتحدد نوع المعاناة وعمقها، بغية تحريك “مواهبه العلمية” و”مهارته المعرفية” وكلاهما مضمختان بإنسانية ترسم نوطة اللحن المناسب وتوزعه موسيقية لمايسترو يحيل الأنين الى سمفونية مرهفة الرخاء.. يزول السقم وتحل العافية.. عمل فني مريح، ينقل المريض الذي جيء به مأزوما، الى الفرج والراحة والأمل والمتعة.

 

مشهد 2

بالمقابل، ثمة مشهد يجري.. موسيقاه التصويرية.. صياح ونياح وعويل وتهديد، بل حتى إطلاقات نارية وتهديدات مستفزة، تثير روحا مغايرة للجانب الأول تماما.

هذا الهوج المجترئ على رفعة القيم، ماذا يثير في النفس؟ وماذا يبقي من علم في العقل؟ وعاطفة في القلب؟ كي يتحدان من أجل نتاج إنساني وعمل خلاق.

بالتاكيد يحصل العكس فلا علم يبقى ولا عاطفة تدوم ولا يد يربط جاشها ليحصل مالا يريده الشريكان الطبيب والمريض بسبب تصرفات المرافقين الهوجاء.

المقارنة بين المشهدين، من حيث تأثير كل منهما على عطاء الطبيب.. الأول يستثمره المخلص في تحقيق نتائج مشرفة تنقذ المريض من أساه، ويستغله آخر في مكاسب مالية لا تمت لمثالية الطب بصلة؛ فثمة متاجرون بالمهنة، يبيعون أنينا ويشترون صياحا، وهناك من يرد الاساءة بمثلها او باكبر منها؛ عامدين او كسلا! الله يزكي الأنفس، لكن النتيجة واحدة.. مريض (يلوع) وطبيب لم يحقق رسالته، وذويه سادرون في عالم الشغب والمعارك.

الإنموذج الأخير من الأطباء، يستغل ربكة المكان، الذي يكتظ بلهفة العائلة، حول المريض.. القلوب والعقول معلقة بإيماءات الطبيب، وإلتفاتاته.. يحاولون قراءة ملامحه؛ كي تطفئ قلقهم المرهون بهفهفة السماعة ودقة تحرك المشرط وزرقة الإبرة في العضل.. هؤلاء الأطباء يعملون بقسوة لا تصغي لرفيف أجنحة الملائكة، يردون هستيريا الصياح والتهديد الموجهة ضدهم بموقف سلبي يسيء لبقايا أمل يترجاه الغارق في الأنين مستنجدا.

إن إطلاق عنان العنف وبويهيمية الحيوان تربك الفكر، وتشتت إلانتباه، مسيئة الى رفعة أداء العمل المطلوب، وبالتالي تنحدر المنظومة كلها؛ لأن بلوغ أرقى النتائج الطبية، او حتى الحد الأدنى منها، يحتاج عاطفة متوهجة وصفاء نية، يفوق بياض الصدرية نصوعا.. على الطبيب أن يتعاطف مع مريضه “كأخ اصغر او ابن” بروح الابوه الصميمية ،يقيم أودها ويحسن تقدر الالم، وفق فهمٍ نابع من عمق إنسانية المهنة العزوم، المبنية على إرادة تقهر النفس الأمارة بالسوء.. “ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه” فجهاد النفس أعظم من ساحة الوغى.. حيث الرماح النواهل وبيض الهند تقطر دما.

دم المشرط يسقي الجسد العليل حياةً، يبعث فيه نبض تجدد، يسعد الطبيب.. يمنحه لذة الأنجاز؛ فـ “من أحيى نفسا، كأنما أحيى الناس جميعا”.

حضور مستلزمات الإحاطة بأقاصي مديات المهنة، وأغوار عمقها.. هي شروط الإحتراف النبيل، الذي يوفر متطلبات لا يجيد توظيفها في أداء حسن، إلا من أوتي حظا عظيما من الهمة، مستجمعا إمكانياته.

فالمهنية تتشظى، ولا تجدي همة الطبيب نفعا في درء الخطر عن المريض، إذا لم يرشق ذووه تصرفاتهم! من دون أصوات زائدة، في أماكن لا يحق لغير الملاك الطبي التواجد فيها.. عليهم الابتعاد؛ ليؤمنوا فسحة من مزاج لتأملات الطبيب، يصبها على موضع الداء.. فيشفيه.

وسوى ذلك مجرد إنفعالات تعيق العمل، يتوجب على الإنسان المتحضر تشذيبها؛ كي لا يشغل الطبيب عن مريضه.. خلال لحظات أحوج ما يكون فيها لهدوء الملائكة وصفائهم السماوي.