22 نوفمبر، 2024 6:58 م
Search
Close this search box.

سمسار المليارات الستة: القصة الكاملة

سمسار المليارات الستة: القصة الكاملة

بغض النظر عمَّن يكون السبب: يعتبر الفشل في تأسيس علاقة بناءة ومنتجة بين بغدادواربيل من ابرز اخفاقات العملية السياسية بعد ٢٠٠٣، إنْ فيما يتعلق بتنفيذ ما ورد فيالدستور من اشتراطات ومتطلبات أو ان الدستور نفسه، وقبله قانون ادارة الدولة المؤقت الذيوضعته سلطة الإحتلال، لم تتم فيهما صياغة مرنة وسهلة وقابلة للتنفيذ، بحيث وصل الأمرالى ان شن الجيش عملية عسكرية للسيطرة على كركوك المتنازع عليها، ولولا تعاون وتنسيقطرف كوردي بارز مع بغداد لربما كانت مآسي الحملات العسكرية التي قامت بها مختلفالحكومات العراقية الأجنبية والوطنية على الكورد منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

قبل معركة كركوك، في تشرين الأول/٢٠١٧، فرضت بغداد منذ منتصف ٢٠١٣ حصارا ماليا قاسيا على اربيل وقطعت حصته من الموازنةالعامة بشكل كامل واوقعت الإقليم في ازمة مالية طاحنة فقد فيها الموظفون الكورد رواتبهم التي يحميها الدستور والقانون وهو مصدر دخلهمالوحيد. بغداد تقول ان السبب هو انفراد اربيل بعقود نفطية خارج سيطرة بغداد بينما تقول اربيل ان الهدف هو اخضاع الإقليم وتجريدشعبه من المكتسبات التي نالها عبر سنوات طويلة من الدم والمعاناة، وهو على كل حال نزاع كان يمكن ان يقبر في مهده لو تمكنت بغداد مناصدار قانون النفط والغاز القابع في ادراج البرلمان منذ عام ٢٠٠٦.

بعد قطع موازنة، واصلت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي سياسية سلفه المالكي فِيْ بذل كل الجهود الممكنة لإحباط انتاج وبيع النفطالكوردي. هددت الشركات العالمية وطاردت الشحنات في اعالي البحار واقامت الدعوات امام المحاكم الدولية والمحلية لإثبات عدم شرعية قياماربيل ببيع النفط مما اضطر الأخيرة الى ابتكار اساليب خاصة للإلتفاف على بغداد. هذه القصة واحدة من تلك الأساليب التي تكبد البلدخسائر فادحة بمئات الملايين، ان لم تكن بمليارات الدولارات. فالنفط لا يباع ضمن حصة العراق في السوق الدولية والسعر السائد، وانمادونه بالتأكيد لأن العملية اشبه ما تكون بالتهريب والسوق السوداء، والوسيط يأخذ حصته والحبل التحويلات المالية محفوف بالمخاطر والكلفالزائدة، وزير الثروات الطبيعية السابق في اربيل، يعترف بأنه لازالت لحكومة اربيل حوالي ٢٥٠مليون دولار محجوزة في البنوك اللبنانية فينهاية هذه القصة.

بلومبيرغ، الموقع الأمريكي الرائد في بيانات المال والأعمال، ومن خلال ملفات دعوى قانونية كشف كيف ان اربيل لجأت الى سمسار دوليينوب عنها بالتمام والكمال. انتاج وتسويق وايرادات ومصاريف. حسب بلومبيرغ:

ملفات المحكمة تبين ان سمساراً اسمه مرتضى لاخاني أدار أموال النفط الكوردي بالنيابة وان كبار تجار النفط في العالم قبلوا بإستخدامهكممر جانبي مظلم للشراء ودفع الملايين والمليارات عبر سلسلة من التحويلات البنكية التي تعتبر نموذجا لإختراق النظام المالي العالمي دونانتهاك القوانين والتشريعات.

سلسلة التحويلات بدأت من فرع البنك المركزي الروسي في زيورخ، شطحت من خلاله ٨٠٠ مليون دولار عبر سيتي غروب المحدودة فينيويورك، قبل ان تحط رحالها لدى بنك صغير في لبنان.

الدفعة جاءت من عملاق النفط الروسي روزنفت بي جَيْ.أسْ.سي، كقرض لحكومة كوردستان العراق، الخالية الوفاض من السيولة، على انيتم تسديده لاحقا بالنفط.

كانت تلك دفعة افتتاحية من قرض اجمالي لسيل من الكاش قدره ٦ مليار دولار، اكمل رحلته بنفس الطريقة خلال السنتين اللاحقتين. دون انتأتي السجلات بأي شكل على أسم حكومة كوردستان.

المال تدفق الى شركة مسجلة تحت سقف ضريبي ميسر في بيلايز بأمريكا الوسطى (هندوراس البريطانية سابقاً)، اما عنوانها البريديفموجود في قبرص، يسيطر عليها رجل اعمال باكستاني المولد اسمه مرتضى لاخاني.

تعليمات سلسلة التحويلات المالية (السويفت) تبين ان دفعة ٨٠٠ مليون دولار متاجرة من روزنفت للحساب الذي يعود الى شركة مرتضىلاخاني آي.أم.أم.أس المحدودة في بنكميد(مجموعة البحر المتوسط) اللبنانية عبر سيتي بنك في نيويورك. لاخاني، المخضرم المحنك والذييشكل تحدياً حقيقياً للمنظومة العدلية الضابطة لصناعة النفط، يستخدم حساب شركته في بنكميد سال اللبناني (بنك البحر المتوسط) كمركز تجميع وتسوية لأموال الثروة النفطية الجديدة لكوردستان.

كجزء مما ترشح عن دعوى قانونية، مليارات الدولارات التي تدفقت الى الحساب وخرجت منه، وفرت نافذة نادرة لإستكشاف بواطن تجارةالنفط العالمية. انها حكاية البيترودولار والسلطة في الشرق الأوسط تربط بين تجار السلعة الأكبر في العالم مع السياسيين المحليين والكرملينمرورا بعائلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري الذي ارتبط اسمه بمجموعة البحر المتوسط وانه يمتلك حصصا فيها.

الدعوى عبارة عن نزاع بين شركة لاخاني وبنكميد، فيها مئات الصفحات من مراسلات التحويل المالي ورسائل البريد الإلكتروني وسجلاتالمحاسبة، تقدم نظرة فاحصة على اسلوب الدفع مقابل الدفع الذي احترفه لاخاني في قلب واحدة من اكثر تجارات النفط سخونة فيالسنوات الأخيرة: بيع النفط الخام الكوردي.

بالنسبة للعلاقة بين فرد وكيان حكومي تعتبر علاقة لاخاني مع حكومة اقليم كوردستان، شيئاً فوق العادة. من خلال شركته آي أم أم أسالمحدودة، أدار لاخاني المدفوعات من روزنفت وتجار النفط الدوليين مثل فيتول غروب وترافيغورا غروب. كان يدفع الى الشركات الأجنبيةالقروض المترتبة على حكومة الإقليم مباشرة وقام في ذات الوقت بتحويل مئات الملايين من الدولارات الى وزارة المالية في كوردستان. هذاالترتيب ربما يدفع المتابعين الى رفع اصواتهم للدعوة الى المزيد من الشفافية في صناعة النفط. ليس من الواضح مقدار الارباح التي جناهالاخاني من ادارة اموال النفط الكوردي. استخدام حسابات بنكميد ايضا فاقمت من بلاوي اقتصاد المنطقة ككل، لأن ازمة البنوك القائمة فيلبنان منذ مدة مثلا وضعت بعض الاموال الموجودة بحساب شركة لاخاني في خطر.

“تبقى تجارة النفط من الأسرار في العديد من الدول، وتثير الكثير من الجدل المحتدم كما هو الحال في هذه القضية”، تقول، الكسيندراغيليز، احد مستشاري معهد حوكمة الموارد الطبيعية. وتضيف: “يجب على الشركات التجارية والحكومات المنخرطة في هذه العملية ان تظهرالمزيد من الشفافية وتتِّبع اسلوب عملياتي قانوني يضمن حق الجميع.”

في بيان، قالت وزارة الثروات الطبيعية الكوردية: “انها وافقت على استخدام حساب آي أم أم أس عام ٢٠١٧ لانه لم يكن لديها خيار آخر وانشركة لاخاني كانت مجهز الخدمة الوحيد القادر على انجاز مثل هذه الأعمال وقد تم دفع الأجور من قبل حكومة اقليم كوردستان بموجب عقداصولي”. ناطق باسم لاخاني صرح ان جميع التحويلات البنكية التي قامت بها شركت آي أم أم أس نيابة عن الحكومة الكوردية كانتبتعليمات منها ومصادق عليها ووقعها عن الطرف الثاني وزير الثروات الطبيعية الكوردية وأضاف: “هذه العمليات كانت دائما تجرى طبقاللقوانين والتشريعات المحلية وبكامل الشفافية بين كل الأطراف”،

بالنسبة للشركات التجارية التي تعاملت معه، كان لاخاني نقطة مربكة وقلقة في المنحى الحديث للتنصل العلني من مسألة الوسيط او العميلالتجاري. فيما بينهم، في الحوارات الخاصة، كان التجار يقولون ان لاخاني ليس رجلهم: انه عميل للكورد، وانهم مضطرون للدفع من خلالهلأن السلطات الكوردية تطلب منهم ذلك. حجم الصفقات يشير الى انهم ، مع ذلك كانوا قلما يشعرون بتأنيب الضمير. خلال ثلاثة أشهر فقطمن العام الماضي، دفعت فيتول وترافيغورا وبيت تجاري صغير اسمه بيتراكو اويل غروب، مليار دولار الى حساب شركة لاخاني، وفق وثائقالدعوة. ترافيغورا وبيتراكو رفضا التعليق بينما قالت فيتول انها كانت لديها مؤشرات سيطرة حازمة للتأكد من مطابقة القوانين والتشريعات.

بالنسبة للاخاني، لعب دور الوسيط لصالح الحكومة الكوردية اعاد الحياة الى دور طالما اجاده بإتقان في مهنته. سبق لرجل الأعمال البالغمن العمر ٥٨ عاما ان عمل في المناطق الساخنة بتجارة النفط لعقود من الزمن. معروفا بشبكة اتصالاته الواسعة، فإن تواجده في العالمالسري المتحفظ للمال السويسري كان بمثابة تواجده في بيته، يعمل فيه بحرية واطمئنان، وكما هو تواجده في حقول النفط العراقي. قبلسنوات، عندما سئل عن دوره في صناعة النفط من قبل الفاينانشيال تايمز، قال لاخاني: ” لقد لوّثتُ يداي” (الناطق بأسمه اوضح لاحقا انهيقصد انكبابه على العمل الثقيل بيديه مباشرة بفرق عمل صغيرة)، ولكنه بالرغم من دوره الكبير في صفقات النفط في المناطق الأكثر سخونةفي العالم، فأنه تجنب وهج الإعلام، وحرص على الحديث لماما بمناسبات قليلة ويتفادي التصوير تماماً.

ولد لاخاني في كراتشي عام ١٩٦٢ ولكنه نشأ وترعرع في انكلترا وكندا. بدأ العمل في تجارة السلع لمساعدة عائلته في تجارة الرز والقطنوالقمح. على صفحة قديمة له في الإنترنيت قال انه غيَّر اهتمامه الى تجارة النفط في ثمانينيات القرن الماضي وبالذات ركز على اكثرالاسوق تحديا في العالم. كان ذلك يعني اول ما يعني سوق نفط العراق تحت حكم صدام حسين. اصبح لاخاني وكيلا لشركة غلينكورالمساهمة، اكبر شركة عالمية لتجارة السلع والبضائع وكان يقول عن نفسه انه رجل غلينكور في بغداد ووصل مرتبه الى ٥ الاف دولار شهرياًلتمكين الشركة من شراء النفط الخام العراقي.في ذلك الوقت كانت الطريقة الوحيدة المتاحة للعراق لبيع نفطه هو البرنامج الأممي: النفطمقابل الغذاء والدواء. مع تزايد الطلب على النفط ابتكر نظام صدام حسين فجوة في جدار البرنامج يجبر الشركات على دفع مستحقاتاضافية لحكومته التفافاً على النظام الأممي. اثبتت التحقيقات في برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء لاحقا ان لاخاني دفع مستحقاتاضافية لحكومة صدام حسين بقيمة تربو على المليون دولار فقط من خلال كميات النفط التي اشترتها غلينكور، وذلك بالرغم من التحذيراتالمتواصلة للتجار من ان الامم المتحدة تعتبر هذا العمل غير شرعي ولا تحمد عقباه. لاخاني قدم بنفسه قوائم الأموال التي دفعتها غلينكورالى المحققين. كان المبلغ في احد المرات ٤١٥ ألف دولار وتم دفعه لبعثة العراق في جنيف من خلال البنوك السويسرية. قال الناطق بأسملاخاني ان الأمريكان طلبوا من السيد لاخاني حضور لقاءات مشتركة مع الحكومة العراقية لاحقا للمساعدة في التحقيقات وانه فعل ذلكتطوعاً لغاية ٢٠٠٦ ثم انقطعت علاقته بالأمر منذ ذلك الحين بينما امتنعت شركة غلينكور عن التعليق. على كل حال لم توجه اية تهم بارتكاباعمال غير مشروعة لا الى لاخاني ولا الى شركة غلينكور.

وسّع لاخاني تجارته النفطية بعد ان عين بعض الشخصيات المرموقة في مجالس ادارات شركاته، مثل سايمون موري، الرئيس السابقلغلينكور نفسها التي كان لاخاني اجيرا لديها، ثم جارلس غوري، واحد من كبار جنرالات الجيش البريطاني. ثاني نطاق ساخن لعمله كانفنزويلا. لعدة شهور خلال سنتي ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ ساعدت شركة لاخاني على شحن ونقل النفط الفنزويلي في مسارات غير معروفة. كانتناقلاته تستلم النفط في منتصف الطريق، تسليم واستلام من ناقلة الى ناقلة مباشرة على الساحل الغربي لأفريقيا. كانت احدى شركاتالنقل الخاصة بلاخاني قد اصبحت الناقل الرئيسي لنفط فنزويلا ولكن بعد ان فرضت واشنطن عقوبات صارمة على روزنفت الروسية، خافتواعلنت انها بصدد انهاء عملها مع تلك البلاد. هنا ايضا اكَّد الناطق بأسم لاخاني ان كل اعمال شحن ونقل النفط الفنزويلي كانت متوافقةمع القانون الدولي.

ثمّ، جاء الدور على كوردستان العراق.

لقد عمل لاخاني لسنوات عديدة في شمال العراق. مرحلته الفاصلة كانت في عام ٢٠١٤ عندما استولت الدولة الإسلامية-داعش على الكثيرمن الاراضي العراقية بضمها مدن استراتيجية مثل الموصل وتكريت واجزاء واسعة من كركوك وديالى. الا ان المقاتلين الكورد حموا كركوكوصدوا زحف داعش واصبحت حقول كركوك الغنية بالنفط تحت سيطرتهم، وبدا ان الحلم الكوردي بالاستقلال في نظر البعض اقرب الىالواقع بعد الاستحواذ على المزيد من حقول النفط. المشكلة الاولى التي واجهت السلطات الكوردية كانت ايجاد مشترين لنفطهم، خصوصاوان الحكومة المركزية في بغداد اطلقت تهديدات صارمة للمتعاملين مع الكورد بمعزل عن بغداد واعتبرته عملا غير شرعي. لاخاني تقدم ودخلفي المعمعة. حسب الناطق بأسمه، آي أم أم أس بدأت العمل مع السلطات الكوردية عام ٢٠١٤ وساعدتها في تصدير النفط من خلالالأعمال اللوجستية والنقل وإدارة خدمات الموانئ. في ذلك الوقت كان هناك عدد محدود من التجار الراغبين في النفط الكوردي لا يتجاوزوناصابع اليد الواحدة، بضمنهم فيتول وترافيغورا وبيتراكو. آشتي هورامي وزير الثروات الطبيعية الكوردي قال لرويترز عام ٢٠١٥: “كانيعرف بالضبط من يريد التعامل معنا ومن لا يريد”.

بسرعة، جذبت خيرات كوردستان عملاق النفط الروسي، روزنفت، يقودها، إيغور سيتشين، واحد من ابرز حلفاء الرئيس فلاديمير بوتين. فيشباط ٢٠١٧، اعلنت روزنفت صفقتها الاولى لشراء النفط الكوردي. لاحقا في حزيران وقّع الطرفان صفقة اكبر، مع ذلك فإن حكومة العبادي،واحد من اكثر رؤساء الوزارة في بغداد خصومةً مع الكورد بعد ٢٠٠٣ ، لم تعترض وتحتج، ربما بضغط من العلاقة القوية التي تربط بينطهران وموسكو، ولكنه في الوقت كان يلاحق شحنات النفط الكوردي في اعالي البحار ويقيم دعاوى لدى القضاء الدولي والمحلي لإثباتعدم شرعية العمليات النفطية للكورد.

رمزيا، أشرفت شخصيات من عائلتي البارزاني والطالباني على ابرام وتوقيع الصفقة، العشيرتان الأهم، المهيمنتان على الإقليم، الا انهورامي وسيتشين وضعا حبر توقيعيهما على الأوراق، وفي خلفية المشهد وقف كل من نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم حينها ونائبهقوباد طالباني، مبتسمين. وعندما سئل بارزاني، الذي اجرى محادثات مباشرة مع بوتين قبلها، فيما اذا كنت الصفقة مثيرة للإعجاب قال: “عندي أمل”. وصول روزنفت كانت نقطة تحول في عمل لاخاني ايضا. مع شروع الشركة الروسية بتسليم اول مدفوعاتها المالية الى الكورد،كانت حكومة الإقليم تواجه صعوبات متصاعدة في توفير السيولة النقدية لإدارة اعمالها. لغاية منتصف ٢٠١٧، كنت الايرادات تصل الى بنكفي اربيل مباشرة، له تفاهمات مصرفية مع بنك كوميرزبنك أي جي في المانيا، عبر خلقبنك التركي. المشكلة ظهرت عندما بدأ الأمريكانتحقيقا حول انتهاك خلقبنك التركي للعقوبات المفروضة على ايران، وكانت النتيجة تجميد ٢٠٠مليون دولار كوردي ضمن الإجراءات، واصبحطريق كوميرزبنك غير آمن، حسب هورامي بسبب مخاوف من النظام المصرفي العراقي. هنا اضطر الكورد مرة اخرى للدوران نحو لاخاني. رجل الأعمال المحنك وجد ضالته في البنك اللبناني بعد مقدمة وافية من احد حاملي الأسهم فيه، وذلك حسبما أفادت شركة لاخاني بإقرارخطي. البنك اللبناني له صلات جيدة: البنك مملوك جزئيا لرئيس وزراء البلاد، سعد الحريري وعائلته، الا ان ناطقا بأسمه نفى ان يكون هواو احد افراد عائلته قد رشح البنك للسيد لاخاني بالمقدمة الوافية. بحلول آب ٢٠١٧، فتحت آي أم أم أس حسابا في بنكميد. بعد شهر فقطكانت الايميلات بين الطرفين تدخل في حالة طوارئ. كبير موظفي آي أم أم أس كتب في ايميل بتاريخ ٢٧ ايلول: ” اعرف انكم تناقشتمموضوع فتح حساب آي أم أم أس مع السيد لاخاني. ماذا تحتاج لكي تفتحون الحساب رجاءاً. انا اتوقع تحويل اموال عاجلا”.

في عام ٢٠١٧، بدون خيارات بديلة ممكنة، وبمواجهة المزيد من صعوبات توفير السيولة النقدية لإدامة الواجبات الحكومية، اضطرت حكومةاقليم كوردستان الى الإتفاق مع آي أم أم أس، صاحبة حساب مصرفي في بنكميد، وطلبت منها فتح حساب فرعي، حسب قول وزير الثرواتالطبيعية الكوردي والذي اضاف: “الترتيب مع آي أم أم أس وبنكميد، كان في نظر حكومة الإقليم ضروريا ولكن كوسيلة مؤقتة لحين توفرخيارات بنكية مستدامة وطبيعية”. هكذا بدأت الأموال تتدفق. تم الكشف عن رسالة تحويل – سويفت في قضية امام محكمة امريكية تعيدالتذكير بدفعة ٨٠٠ مليون دولار بتاريخ ١٣ ايلول ٢٠١٧ من حساب روزنفت التجاري في بنك غازبرومبنك جَيْ أس سي بزيورخ، تدفع لصالححساب آي أم أم أس في بنكميد عبر ستي بنك الموجود في نيويورك. الرسالة كانت تشير ان المبلغ دفعة مقدمة حسب متطلبات “عقد شراءوبيع النفط الخام، عقد/٢٠١٦، حكومة اقليم كوردستان، آرْ أنْ ٠٠١”، وتؤكِّد ايضاً للبنوك المعنية ان الأمر متوافق كلياً مع نظام العقوبات. بعديومين فقط وضعت آي أم أم أس وديعة قصيرة الأمد في حسابها لدى بنكميد بقيمة ٧٣٥ دولار امريكي.

ورغم ان الفرق بين المبلغين ربما تكون عمولة لاخاني الا ان ناطقا بأسمه قال لا توجد اية علاقة بين ٨٠٠ مليون دولار المستلمة من روزنفت فيكانون الأول ٢٠١٧ وبين الوديعة البالغة ٧٢٥ مليون دولار، وأن ذلك لا يعني ابدا حدوث اي تضارب مصالح او مستحقات معينة. من جانبهاقالت روزنفت ان مدفوعاتها لحساب آي أم أم أس تمتاز بشفافية مطلقة وتتمشى مع التشريعات المحلية وأضافت انها مصادق عليها وموقعةمن قبل وزير الثروات الطبيعية الكوردي. غازبرومبنك ايضا اكيد تحويل كانون الأول ٢٠١٧ واثنت على تأكيد روزنفت بان التحويل يتماشىبصرامة مع حكم القانون في كل الأنظمة القضائية التي تعمل في ظلها. مع الزمن، تدفق الأموال الى حساب آي أم أم أس راح يزدادويزداد. بين كانون الاول ٢٠١٧ ونهاية ٢٠١٩، نفذت آي أم أم أس اكثر من ٦ مليار دولار من التحويلات البنكية خلال بنكميد، لم تكن كلهابشكل مباشرة، وانما ايضا عبر حسابات اخرى يحتفظ بها البنك اللبناني في نيويورك مع البنك المراسل سيتيبنك و جي بي مورغان جاسوبنك مجموعة نيويورك ميلون وبنك ستاندرد تشارترد. كل هذه البنوك رفضت التعليق على الموضوع.

بحلول تشرين الثاني، في العام التالي، ٢٠١٨ وضعت آي أم أم أس وديعة بقيمة مليار دولار لمدة ٣ سنوات في بنكميد بفائدة ١٠%، اي١٠٠ مليون دولار سنويا، تدفع من قبل البنك الى حساب منفصل، تشير مدة الوديعة بوضوح ان الأموال لا تعود الى حكومة كوردستان التيتنتظر وصول المدفوعات أولا بأول ولا يمكنها وانما، قد كان اموال خاصة بلاخاني ، وقد، مرة اخرى خلاصة اجور تعامله مع اربيل ارادالمتاجرة بفوائدها، الا انها الرياح لم تحرِ كما تشتهي سفن الخاني. هذا التعامل السلس بين الطرفين سقط في مأزق بعد ان ضربت لبنانازمة البنوك المعروفة منذ سنة. مع شحة المال في النظام النقدي اللبناني، ارادت آي أم أم أس سحب وديعة المليار دولار الا ان بنكميد جمدها. وعندما لجأ لاخاني الى القضاء ضد بنكميد، سارع الأخير الى الى انهاء علاقات العمل معه والغى بعض حساباته.

هذا النزاع القانوني بين الطرفين، كشف عن دور لاخاني في كوردستان، والقى الضوء في نفس الوقت على كيفية تمدد عمله في صناعةالنفط العالمية. طبقا لأحد سجلات الأستاذ (سجل المحاسبة العام) التي تغطي شهور آذار ونيسان ومايس/ ٢٠١٩، دخل اكثر من ٢،٨ ملياردولار الى حساب في بنكميد. الاسم الاكبر وراء تحويلات تلك المدة القصيرة كان فيتول من خلال شركتها الفرعية أرخام. كذلك ضخت ارخام٤٤٣ مليون دولار اخرى في حساب آي أم أم أس، وذلك حسب الحسابات التي قامت بها بلومبيرغ من وثائق المحكمة. بقية التجار المعنيين لميقصروا كثيرا. أيجووتر فوولز، وهي شركة منافسة على علاقة ببيتراكو دفعت ٤٣٦ مليون دولار، ترافيغورا دفعت ٣٣١ مليون دولار، روزنفتدفعت ١٨٢ مليون دولار. من جانب آخر كانت آي أم أم أس تتحمل مصروفات الحكومة الكوردية. تفاصيل حبل التحويلات المالية الىالحسابات البنكية تبين ان الشركات التي تضخ النفط الخام في المنطقة تشمل ايضا دي أن أوو- أَيْ أس أَيْ النرويجية وجينيل إينيرجيالتركية.

اضافة الى دفع مصروفات حكومة اربيل، قامت آي أم أم أس بتحويلات مالية مباشرة الى وزارة المالية الكوردية. حوالي ٧٦٥ مليون دولارخلال ثلاثة أشهر. امتنع الجميع عن التعليق عند الاتصال بهم. لاخاني، الحكومة الكوردية، تجار النفط. جينيل فقط قالت ان كل مبالغالدفوعات التي جاءتها من الحكومة الكوردية كانت مقابل الأعمال التي قامت بها الأخيرة. دي أن أوو رفضت التعليق مثل الآخرين.

حسب اوراق الدعوة فإن المبلغ الذي قام البنك اللبناني بتجميده كان بالفعل مالا خاصا للسيد لاخاني، مودّع بحساب يعود الى آي أم أمأس. تجميد المبلغ وتوقف التعامل المصرفي بين لاخاني وبنكميد اوقع الحكومة الكوردية في ازمة مالية من جديد وعجزت عن دفع ما عليها منمستحقات. حسب احد المدققين من شركة ديليوت المسؤولة بعقد عن مراجعة وتدقيق واردات نفط حكومة اربيل: الحكومة الكوردي لديها ٣١٨مليون دولار مصادرة في حساب بلبنان منذ نهاية ٢٠١٩.

من الواضح أن آي أم أم أس هي التي تتداول الأموال نيابة عن الحكومة الكوردية. ملفات الدعوة تضمنت أوامر دفع لصالح بنكميد موقعة منقبل هورامي مع تأكيد كل من الناطق بأسم لاخاني ووزارة الثروات الطبيعية الكوردية ان كل دفعة نيابة عن حكومة اربيل مخولة من الوزارة. الا ان الملفات القانونية اقل توضيحا في مسألة أين تنتهي اموال الكورد واين تبدأ اموال لاخاني الخاصة، وكم هي الارباح التي جناها منتداول مليارات من دولارات النفط الكوردي، وما اذا كان هناك رابح اخر من اية منافع في هذا العمل. آي أم أم أس واحدة من عدة شركاتيمتلكها لاخاني، قامت بفتح حسابات لدى بنكميد. هناك مجموعة خدمات ادارة النفط والغاز المحدودة. كيان مسجل في الجزر البريطانيةالعذراء. ميركنتايل وميريتايم إينيرجي المحدودة المسجلة في سنغافورة. الفضل الآن للمليار دولار التي أودعتها آي أم أم أس في بنكميد،حيث تبين ان لاخاني نال ٨٠٠ مليون دولار عن طريق الاعتمادات البنكية جرّاء القيام بنشاط اخرى. بالفعل، الناطق بإسم لاخاني أكَّدَ انالحكومة الكوردية ليست جزءا من وديعة المليار دولار” وأضاف: “هناك أمناء محاسبة وقانونيون لضمان الفصل بين اموال آي أم أم أسوأموال حكومة اقليم كوردستان”. اما الحكومة الكوردية فقالت: “حسب معلوماتنا”، الحساب الفرعي الذي وضعت فيه ايرادات نفطها هونفس الحساب الذي لا تتأتى منه اية فوائد الآن.

اوائل نيسان الفائت، تمت تسوية الدعوى القضائية بين شركة لاخاني والبنك اللبناني خارج المحكمة. حسب بيان صادر من الطرفين: “انهمااتفقا بالتراضي على حل كل المنازعات والتخلي عن كل الإجراءات القضائية بينهما”. البيان لم يتضمن سحب اية ودائع او اية تحويلات ماليةخارج لبنان. مع ذلك لا زالت التداعيات محسوسة في كوردستان وعليها ان تدفع حفنة من القوائم كمستحقات للشركات النفطية التيتستخرج النفط للفترة من تشرين الثاني/٢٠١٩ الى شباط/٢٠٢٠.

وزير الثروات الطبيعية الكوردي قال لبلومبيرغ ان هناك حوالي ٢٥٠ مليون دولار من اموال الحكومة الكوردية محجوزة في الحساب الفرعيلدى البنك اللبناني ويجب أن تدفع للشركات النفطية التي تشغل النفط الكوردي للفترة من تشرين الثاني/٢٠١٩ الى شباط/٢٠٢٠ وقد فاقمانخفاض الأسعار من وطأة المشكلة الآن. تبرأ الناطق بأسم لاخاني من المسؤولية وقال من الخطأ تحميل آي أم أم أس ازمة السيولة لدىحكومة كوردستان. على كل حال، اصابت المعركة القانونية تأثير لاخاني في كوردستان بلطخة، حيث قامت الأخيرة بداية ٢٠٢٠ بفتح حسابلدى سيتي بنك لمداولة ايرادات نفطها حسبما افادت به وزارة الثروات الطبيعية وصرحت بأن آي أم أم أس لازال عليها ان تحرك بعضالتحويلات المالية لصالحها.

أحدث المقالات