اذا ذُكر (سوار الذهب) يُذكر بالتبجيل والتقدير ، ذلك انه سلّم السلطة فور انتهاء مدته ، ولم يتشبث بها على الإطلاق .
هذا في المسلمين العرب ، وهذا ماجرى في السودان تحديداً قبل أعوام …
لقد التقيتُه عام (2000) في طهران، في المؤتمر الدولي الكبير الذي أقيم بذكرى مرور 20 عاماً على استشهاد مفخرة العلم والنضال ، الامام الشهيد آية الله العظمى المرجع الاسلامي الكبير السيد محمد باقر الصدر –رضوان الله عليه –.
ولقد وجدتُه رجلاً يفيض أدباً وخلقاً وتواضعاً، فادركتُ سرّ مبادرته السريعة لتسليم السلطة، ذلك ان بواعت حب البقاء في السلطة، تبقى بعيدة عن الحسابات الأخلاقية الدقيقة .
واذا ذُكر (نيلسون مانديلا) برزت قضيةُ رفضِهِ وامتناعه عن الترشيح لولاية ثانية ، جليّة واضحة ، واعتُبرت من أكبر مناقبه ومزاياه .
والسؤال الآن :
اذا كان التشبث بالسلطة أو الرغبة العارمة في الوصول اليها ، مما لايُمتدح عليه الرجال فلماذا نرى جمهرة كبيرة من السياسيين العراقيين، يُصرون على إبعاد أنفسهم عن الحصول على هذا الوسام ؟!
أليست هذه المسألة مُلفِتَةً للنظر ، وباعثةً على التأمل العميق في الأسرار الكامنة وراءها ؟
يقول الشاعر العربي :
النفس راغبةٌ اذا رَغّبْتَها
واذا تُرّدُ فَعنْ قليلٍ تَقْنَعُ
ان الذين يٌطْلِقُون العنان لشهوات أنفسهم ، لن يُرضيهم أبداً ان يكون الأمر والنهي ، والنفوذ الواسع ، والجاه العريض، والامكانات السلطوية الضخمة، لغيرهم .
لذلك فهم يتهافتون، ويلهثون وراء السلطة، وما توفره من مغانم ومكاسب وامتيازات …
وهم يغلفون رغبتَهُم المحمومة تلك بغلاف آخر .
يغلفونها بغلاف مصطنع لايخفى على اللبيب .
ما هو هذا الغلاف ؟
انه حبُّ الوطن والمواطنين ،
والتوق والشوق للنهوض بشرف الخدمة العامة ، لما يلمسونه في أنفسهم من مهارات ، وقدرات ومواهب …!!
نعم انهم يلمسونها في انفسهم ، ولكنّ المصيبة أن الشعب لايلمسها فيهم ، بل يلمس شيئاً آخر، يلمس الإغراق في نسيان مصالحه العامة ، وحاجاته الضرورية ، وقلة الاصغاء لنداءاته ، وكثرة الحواجز بينه وبينهم ..!!
وهكذا يتجلّى الفرق بين حساباتهم وحسابات الناس ، والفرق بين الحسابيْن بعيدٌ بُعْدَ المشرقين …!!
إنّ من يُفتن بصفاتٍ وسماتٍ يتحلّى بها العظماء ، لايجوز له ان يتجه في مساراته العملية الى ما يتقاطع ويتضاد مع تلك السمات والصفات .
إن عليه ان يُجهد نفسه للاتصاف بها، وحينئذ يحق له ان يتوقع الثناء والتقدير على الصعيدين الاجتماعي والاخلاقي .
ان المواطن الصالح ينبغي ان يكون سعيداً للغاية بما يؤديه المخلصون لوطنهم من خدمات في مختلف الحقول والمجالات .
أما اذا اشترط ان تكون تلك الخدمات على يديه فقط ، دون ان يكون للآخرين فيها نصيب ، فان معنى ذلك انه يُريد ان يكون الزعيم المطلق ، رضي الآخرون أم أبوا …
وهذه هي الطامة الكبرى .
لماذا يُمتدح الجندي المجهول ؟
لماذا يُخفي الكثير من الأبرار أسماءهم حين يُنفقون في مضامير البر الاجتماعي ؟
لماذا يأنف العظماء من اللهاث وراء الأضواء ؟
انهم يُريدون ان يمارسوا أدوارهم الخطيرة بصمت وهذه دلائل اخلاصهم وعظمتهم .
ولقد امتدحت السماء صنيع أهل البيت (ع) الذين صاموا وآثروا بطعامهم المسكين واليتيم والأسير .
(ويطعمون الطعام على حبهِ مسكينا ويتيماً وأسيرا
انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءً ولا شكورا ) الانسان / 8-9
[email protected]