تعج الساحة العراقية حاليا بعدد کبير من اللاعبين من مختلف المشارب و الاتجاهات، وهناك الکثير من الطروحات و الرؤى و الافکار المتباينة بشأن مايمکن أن تنجم عنه إنتخابات 30 نيسان، لکن لحد الان ليس هناك من يمکن أن يمسك بالخيوط و الحبال کلها و يلعب بها و يوجهها کما هو الامر مع قاسم سليماني قائد قوة القدس و اللاعب الاکبر في الساحات العراقية و السورية و اللبنانية.
الاوضاع الحالية التي أعقبت الانتخابات، والتي لم تفرز غالبا کبيرا و لاخاسرا کبيرا، وانما بين الامرين، هو في الحقيقة ذلك السيناريو الذي تم وضع خيوطه الاساسية و طبخه في غرفة العمليات للمندوب السامي للنظام الايراني في العراق سليماني، ويبدو أن واحد من الاهداف التي يرمي إليه هذا السيناريو هو إجهاد و إنهاك معظم الاطراف و القوى العراقية دونما إستثناء و جعلهم يصلون الى حالة من الاحباط و اليأس و عندها يتدخل صاحب العصا السحرية سليماني فيحل العقد کلها ببضع ضربات متتالية من عصاه.
في خضم هذا التلاطم على إيقاع فصول و مشاهد سيناريو سليماني، إنبرى مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الاعلى في العراق لزيارة إيران، وهناك تم إستقباله من جانب مختلف المسؤولين الايرانيين و من ضمنهم نظيره آية الله صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية في إيران، في هذا اللقاء طالب لاريجاني نظيره العراقي المحمود بتسليم أعضاء منظمة مجاهدي خلق لطهران من أجل تقديمهم للعدالة، وقد وعد المحمود بدراسة الطلب و إنجازه على الرغم من علمه مسبقا بإستحالة ذلك لأنهم لاجئون معترف بهم دوليا و أجرت المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة لقائات مع عدد کبير منهم ناهيك عن إصدارها لأکثر من بيان تطالب فيه الحکومة العراقية بالحفاظ على حياتهم ضمان أمنهم و حمايتهم، مما يدعو للعجب کيف أن مسؤولا عراقيا على رأس السلطة القضائية يدلي بهکذا تصريح إعتباطي فيه تناقض شنيع؟
مصادر عراقية مطلعة، أکدت بأن مدحت المحمود الذي لعب دورا”قضائيا و قانونيا”مميزا في تهيأة الارضية للولاية الثانية للمالکي عام 2010، حينما بادر الى إصدار قرارا يتيح تشکيل الحکومة من الکتلة الاکبر بعد إعلان نتائج الانتخابات، قد تم إرساله الى طهران من جانب المالکي نفسه في مهمة من أجل إيجاد مخرج قانوني جديد يسمح للمالکي بالعودة ممتطيا على صهوة جواد الولاية الثالثة.
المحمود الذي إلتقى کبار المسؤولين في النظام الايراني، تم تسليمه شروط من ضمنها تثبيت هادي العامري في وزارة النقل و تسمية رجل مغمور ذو تبعية إيرانية کوزير للداخلية، في حين ترى هذه المصادر أن إثارة قضية تسليم أعضاء
منظمة مجاهدي خلق في العراق و على الرغم من الخطر الفعلي القائم ضدهم لإعتبارات مختلفة، فإنه کان مجرد حاجز دخان او ضباب من أجل التمويه على المهمة الاساسية التي سافر من أجلها المحمود خصوصا إذا معلمنا بأن الاخير قد جعل السلطة القضائية طوع أمر المالکي خلال الولاية الثانية تحديدا و قطعا سيجعلها مجرد آلة في يده للولاية الثالثة لو قدر له الامر.
مهمة المحمود، لها أکثر من علاقة بسليماني الذي يحکم العراق وقد تمت بعلمه و موافقته أيضا، وانه جزء و جانب من السيناريو الحقيقي الذي يجري الاعداد له من أجل إعادة المالکي لکرسي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة، أما کل مايحدث دون ذلك فإنها مجرد فقاعات او زوبعة في فنجان!
*إقتبست عنوان المقالة من کتاب”الشيطان يحکم” للکاتب المصري مصطفى محمود، لأنني لاأرى في سليماني إلا شيطانا يعبث بالعراق و سوريا و لبنان.