و نحن علی أعتاب ذكرى اغتیال اللواء قاسم سلیمانی بأمر مباشر من الرئیس الإرهابی ترامب , لابد أن نعي أننا أمام مدرسة وطریق الشهيد سلیمانی التي لمسناها منذ نجاح الثورة الأسلامية وتبلور خط المقاومة والممانعة أمام خط القوى الأستكبارية التي تحكم العالم وتسيره وفق مصالحها مع كل من يدور في فلكها فكانت حركته منذ بداية الثمانينات في التواصل مع الفصائل المقاومة و دعمها و مساندتها لصناعة قاعدة من الدول و الفصائل المقاومة للمشاريع الشيطانية في المنطقة, ومن أبرز هذه المشاريع الشيطانية هو مشروع تنظيم الدولة الأسلامية الذي صنعته المخابرات ألأمريكية كما صنعت القاعدة من قبله من المجاهدين العرب في أفغانستان لمحاربة الأتحاد السوفيتي و كما أشار لذلك ترامب لدور براك اوباما واعتراف كلنتن بأنهم هم من أوجدوا داعش الذي بدأت زراعته في السجون الأمريكية في العراق بعد 2003 من بقايا قوات صدام المختلفة وخاصة المخابرات و الحرس الخاص والجمهوري و قيادات البعث بعد تزاوجها مع الحركة السلفية في العراق لتنجب مخلوقاً مشوهاً ووحشاً متمرداً سموه الدولة الأسلامية ولتندمج فيه كل التنظيمات الأسلامية الأخرى ,
ما يميز تنظيم داعش وظهوره القوي في سوريا و العراق و من ثم أنتشاره و البيعة له في كثير من البلدان الأفريقية والأسيوية وجذبه للمقاتلين من كل دول العالم هو الجانب العقائدي بالدرجة الأساس و أسلوب القتال بواسطة الأنتحاريين و الأنغماسيين و قتال الشوارع وتخويف عدوه بقسوته و شراسته بالأضافة الى الدعم الذي تلقاه من بعض البلدان وتسهيل أمر ألتحاق المقاتلين بالتنظيم لهذا أستطاع داعش أن يتغلب على قوات الجيوش النظامية في سوريا والعراق حيث أنهارت القوات النظامية بشكل دراماتيكي سريع ولم تستطيع الصمود بوجه هذا التكتيك الذي لا تعرفه هذه الجيوش ولم تتدرب عليه سابقاً فكانت إستراتيجية القائد سليماني الذي قاد الجبهات في العراق وسوريا لمواجهة هذا التنظيم هو أيجاد (الضد النوعي) لهذا التنظيم وهو تكوين قوات غير نظامية وعقائدية تتمتع بالتدريب العالي على قتال الشوارع و تفكيك المفخخات و الملغمات والقنص البعيد وغيرها من اساليب القتال التي غير موجودة في الخطط التدريبية للجيوش النظامية, وفي الحقيقة فأن هذا المشروع وجد قبل ولادة داعش عندما ولدت المقاومة الأسلامية لمقاومة الأحتلال الأمريكي في العراق فوجدت عدة فصائل مسلحة تستعمل أساليب غير نظامية لمواجهة الأمريكان وقواتهم المحتلة وفعلاً أذاقت الأمريكان الويل و العذاب حتى أجبرتهم على الأنسحاب من العراق ولكنها اي (الامريكان) عملت على أيجاد تنظيم داعش من خلال تنظيم خلايا سلفية وبعثية في السجون التي تديرها في العراق وأدخلتهم دورات خاصة بعضها كان في تل ابيب ومنها تخرج البغدادي فكانت مسؤولية القائد سليماني عظيمة و مستعجلة لأيجاد التدريب و التسليح السريع للمقاتلين بعد أن حصل على الجيش العقائدي جاهزاً بعد فتوى المراجع بالجهاد الكفائي فهبت الجموع للقتال بدافع وشحن عقائدي كبير ولكن النقص كان في أيجاد القادة الميدانيين الذين يقودون و يوجهون هذه المجاميع المتقدة عنفواناً و شجاعة في المعارك فالشجاعة وحدها لا تكفي إن لم تكن مرفقة بذكاء وفن و تدريب لهذا خسرت بعض الفصائل التي كانت خارج دائرة تأثير اللواء سليماني عدد كبير من الشهداء والجرحى وكانت لقمة سائغة لداعش , فكان أن يمم سليماني وجهه صوب لبنان ليستعين بخبرة ابطال حزب الله في مواجهة داعش حيث يذكر السيد حسن نصر الله في سؤاله عن مشاركة حزب الله في مواجهة داعش في العراق أنه عشية دخول داعش الى الموصل جائه القائد سليماني الى بيروت و طلب منه مائة من القادة الميدانيين يرتحلوا معه صباحاً الى العراق لقيادة عمليات المعارك ضد داعش وكان له أن عاد بيوم واحد بأكثر من ستين قائداً ليقودوا المعارك ضد التنظيم
الذي أحتل مناطق شاسعة من العراق وسقطت محافظات ومدن خلال يومين و أنهارت قطاعات الجيش و أنسحبت قوات البيشمركة و حرس الاقليم من مواقعها وأصابت الألوية والفرق خيانات و أنكسارات و هددت داعش أسوار بغداد فأنتفض الأحرار ملبين نداء المرجعيات برجال أشداء في العزيمة و العقيدة والشجاعة ووقفوا بوجه هذه الموجة الصفراء ولكن كان ينقصهم التدريب و التسليح فقد كان العدو يفوقهم تسليحاً و مهارة في أساليب حرب الشوارع وهنا كان دور الجمهورية الأسلامية في نصرة الشعب العراقي على يد القائد سليماني عندما فتحت مخازن السلاح وأتصلت مواكب الشاحنات عبر الحدود تنقل الأسلحة و الذخيرة و أتى الخبراء و المدربون و القادة الميدانيون ليوقفوا زحف الجراد الداعشي الأصفر , و يبدأ مسلسل الأنتصارات المتعاقبة كما لم يغفل عن الخطط العسكرية في هذه المواجهة والتي يجيدها مع رفاقه بجدارة فكانت أستراتيجية مدروسة و محنكة وفاعلة
لتبدأ مرحلة الصمود ثم الأنتصارات المتعاقبة في جميع الجبهات والمدن والقرى حتى تحقق النصر على داعش و القضاء على أكذوبتها بأنها باقية وتتمدد ليسجل التاريخ أكبر ملحمة عراقية في أنقاذ بلد من الأنهيار بعد أن تخلى عنه أشقائه و أصدقائه و لم يقف معه الا جار واحد فقط هو الجمهورية الأسلامية و فارس هذا الدعم هو القائد سليماني ,
وفي شأن المواصفات الاخلاقية للشهيد الذي کان يتمتع بشعبية ومکانة خاصة لدی الشعوب العربية والاحرار کما کنا نشهد کيف يمدحه الأعداء
حيث تميز القائد سليماني بمسحة أخلاقية وربما عرفانية سامية جداً شهد بها كل من عرفه وتواصل معه وشهد بها أعدائه قبل أصدقائه برزت هذه الصفة في الحب الجم الذي ألفه من المقاتلين الذين رافقوه و قاتلوا معه و من القادة الذين تعاملوا معه فكان لا يرى الأ مبتسماً تلك الأبتسامة التي رافقته حتى في أحلك الظروف مع طمأنينة عجيبة وسط المعارك المحتدمة و في أقسى الظروف و أصعبها ذكرتنا بتلك الطمأنينة التي أتسم بها الأمام الخميني حتى أستغرب منها الصحفي الفرنسي في رحلتهم من باريس الى طهران فكانت النيران محتدمة في الأرض و الأمام يأخذ قيلولته في السماء فليس مستغرباً عليه هذا الخلق فهذا التلميذ من ذاك الأستاذ فكيف يكون خلق من رباهم الولي الفقيه ولهذا كان سليماني أخلاق تمشي في ساحة المعركة وأيماناً مطلقاً بالنصر وهزيمة العدو,
وفي الجانب السياسي فمن المعروف أن بصمات القائد قاسم سليماني في العراق لم تكن وليدة لحظة أحتلال داعش لبعض المدن العراقية فقبلها كانت واضحة في أرشاد اللاعبين السياسيين و تقريب وجهات النظر بينهم و كان (رجل الأطفاء ) بحق لما يتمتع به من مقبولية وحكمة لدى جميع الأطراف والمكونات شيعية أو سنية أو كردية فكلمته مسموعة لدى الجميع و هو محل ثقة عندهم وهذه الثقة لم تكن نابعة من فراغ بل أستحصلها بمرور الوقت عندما وجدوه وسطياً و معتدلاً غير منحاز لأي جهة أو مكون على حساب جهة أو مكون أخر لهذا كان أغتياله علامة فارقة ولدت فراغاً كبيراً في المشهد السياسي العراقي بمجمله وبان التخبط والصراع و أرتفاع و هبوط في مقومات مختلف الكتل مما أثر سلبياً على المواطن العراقي و معيشته كون الواقع هو أنعكاس للمشهد السياسي المرتبك , ولكنه كان بارزاً بشكل واضح على البيت الشيعي الذي أرتكز في كثير من مفاصله بالأستناد على رؤى القائد سليماني في تقريب وجهات النظر بين أطراف هذا البيت وأطفاء المشاكل مهما كانت مستعصية بمجرد حضوره فكان بمثابة الأب الذي يجمع أولاده تحت خيمة واحدة فكان فقده خسارة عظيمة للمكون الشيعي و فرصة للتناحر والصراع بين كتله فضعف التمثيل الشيعي وهانت قوته رغم أغلبيته و كان هناك ما قبل سليماني و ما بعده ,
وطبعاً هذا الفراغ لا يقتصر على العراق فقط و انما على المنطقة كلها فتأثيره و ما أمتلكه من مواصفات قيادية و وسطية وقوة الشخصية جعلت تأثيره عابر للحدود و ممتد في أغلب أرجاء المنطقة ولهذا أستهدفته الولايات المتحدة الأمريكية لأنه شكل خطر على مصالحهم الأستبدادية وخاصة في مرحلة ما قبل الأغتيال في التقارب مع المملكة السعودية حتى أن السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق صرح بعد حادثة الأغتيال أن لقاءاً كان مزمعاً مع القائد سليماني صباح يوم الجمعة لتسليمه رسالة من السعودية مفادها تصفير الخلافات بين ايران والسعودية وحل جميع المشكلات العالقة وليس مستبعداً أن يكون الأغتيال كان من أهدافه وأد هذا المشروع لأن ليس من مصلحة أمريكا أن يحدث أي أستقرار في منطقة الشرق الأوسط بل يجب أن تكون المنطقة مشتعلة النيران لمصلحة أسرائيل وأبقاء التوتر مستعر لتبقى سوق بيع الأسلحة رائجة وأشعار العرب التخوف الدائم وأن عدوهم الأول هو ايران ليقتربوا أكثر من أسرائيل وهذا ما يحصل اليوم من تطبيع بعض دويلات الخليج وأفريقيا وهرولتها ذليلة بأتجاه عدوهم الحقيقي أسرائيل المحتلة للاراضي العربية و المقدسات الأسلامية و ليحشدهم بأتجاه العدو الوهمي الجمهورية الأسلامية والمستفيد الأول هو الكيان الصهيوني وبدفع أمريكي وتأمر بعض الدول العربية .