لعل الخوض في غمار السلوكيات العشائرية في المرحلة الراهنة تحتاج إلى وقفة وإستطلاع لموروث متأصل بني على أساسيات النسيج الإجتماعي المتنوع دينياً ومذهبياً وقومياً وإثنياً وقبلياً، حيث شكلت القبيلة في هذا النسيج محوراً عاماً في الطبيعة الجغرافية والتأريخية للوطن وأحد أهم المرتكزات في الحياة الإجتماعية.
الموروث العشائري بقالبه النوعي إمتاز بخصال حميدة تصل إلى حالات من الرقي والسمو في العلاقات الفردية والجمعية وحددت من خلال هذه الخصال مساراتها ضمن القيم والقواعد والتقاليد والأعراف المعتبرة يسودها إطار عام من النبل الأخلاقي المتنامي لدى أفرادها وخصوصاً للمتصدين لإدارة شؤون عشائرهم الذين غالباً ما يكونون من ذوي الحنكة والدراية ومن وجهاء القوم ممن يستطيع من خلال خبرته صياغة وتنظيم القوانين العرفية السائدة بإعتبار هذه القوانين هي الأداة الأولى والرئيسية للضبط الإجتماعي والسلوك العام داخل العشيرة وخارجها.
جرت الأمور على هذه الشاكلة في السلوكيات العشائرية الأصيلة وإمتدت تأثيراتها الإيجابية وإنعكاساتها على مجمل الحياة العامة إقتصادياً وسياسياً وعقائدياً فضلاً عن الأوضاع الإجتماعية ، وما ندونه ليس من وحي الخيال بل هي حقيقة الموروث الأصيل لأغلب عشائرنا النبيلة المتجذرة في هذا البلد وما حوله من البلدان .
غياب الحكم الرشيد في أي بلد له آثار سلبية على تماسك النسيج الإجتماعي وعلى مجمل الأوضاع المعيشية للمواطن وعندها لابد أن تأخذ العشائر دورها الحيوي والفاعل وإلا سوف تكون عاملاً مساعداً سلبياً في تمزيق السلم المجتمعي ، وبالتأكيد الصورة ليست وردية فهناك أفراداً وربما جماعات داخل عشائرنا الكريمة لم ترعوي بسلوكيات تتناسب وقيم وأخلاق عشائرها فتبنت خصال ذميمة أدت في أغلبها إلى خلق شرخ واضح في المفاهيم والأعراف العشائرية النبيلة وباتت تأثيراتها واضحة سلباً على البعض من رؤساء العشائر وحولتها إلى سياقات تنتهجها للترهيب والتهديد أو للكسب المادي والمصالح الشخصية حتى وصلت بعض السلوكيات العشائرية إلى حد إدراجها ضمن الجرائم المنصوص عليها وبالتالي سنت قوانين لردعها والمعاقبة عليها بأشد العقوبات وهذا ما لا يليق بعشائرنا الأصيلة .
المرجعية الرشيدة هي البوصلة التي ترشد والفنار الذي يستنير به الجميع ، دأبت المرجعية في مسيرتها على أن تتابع وترصد كل سلوك سلبي مؤثر داخل المجتمع و تشير اليه وتؤكد على ضرورة التوقف عن ممارسته وتشدد مراراً وتكراراً بضرورة التخلص منه ، والأمور التي أشارت إليها المرجعية كثيرة ندرج أمرين مهمين يتعلق بسلوكيات مذمومة لبعض العشائر للأسف ، أحدهما ما يسمى بالــ ( الدكة العشائرية) التي زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة وأدت نتائجها إلى أن تسن قوانين أدرجتها ضمن العمليات الإرهابية لما لها من تأثير سلبي على السلم المجتمعي وترهيب المواطنين وإرعابهم ، والأمر الآخر مايسمى بالــ ( الفصل العشائري) حيث أصبحت بعض العشائر تتعاطى بالفصل العشائري بشكل غير مسبوق وتتعامل به لاتفه الأسباب وأقرفها مادام فيه ربحأً مادياً وتعتبره منهجاً سلوكياً لكسب المال بدون وازع للضمير أو إستدراك للقيم والمبادئ العشائرية .
على ضوء هذه المعطيات لابد من وقفة جادة ومخلصة لكافة عشائرنا الكريمة التي لم تحيد عن منهج الحق والأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة أن تضع حداً لهذه السلوكيات الدخيلة التي يمارسها البعض من المحسوبين على العشائر العراقية الأصيلة وأن تتصدى بكل حزم وقوة لهذه الممارسات التي لا تمت بأي حال من الأحوال بتأريخها المشرف .