18 ديسمبر، 2024 6:51 م

سلوكيات المواطن والشرطة في تعزيز الامن المجتمعي

سلوكيات المواطن والشرطة في تعزيز الامن المجتمعي

تفرض التغيرات والتطورات التي تشمل كافة نواحي الحياة خاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحتى الصحية، نفسها على قيم المجتمعات وسلوكيات افرادها، ومن الضروري ان لاتترك مثل هذه التغيرات تمر دون ضبط ايقاعها من المعنين في ادارة الدولة وقيادة المجتمع، الا بفلترتها واحكام صمام امانها، لان بناء المجتمعات يعتمد على الاسس والثوابت القيمية.
وعلى الرغم من كل ما تحققه هذه المجتمعات من تقدم علمي وتكنلوجي لان العلوم نفسها تعتمد و لا تقوم الا على الثوابت والمنطلقات والقواعد القيمية خاصة في المجتمعات الحية وكل هذه التغيرات والاصلاحات والقيم والمثل تعتمد منطلقاتها على عمليات الضبط الاجتماعي لسلوكيات افرادها .. ويعد جهاز الشرطة احد اهم الاجهزة التي تشكل صمام الامان للضبط الاجتماعي وسلوكيات افراده، لذا يعتمد استقرار الامن الاجتماعي على العلاقة الايجابية بين الناس والشرطة، وان اي تصدع او تضعضع في هذه العلاقة سوف تنعكس سلبا على حياة الناس وامنهم، ومن هنا ياتي التاكيد المتواصل دائما على دعم وترميم هذه العلاقة وتقوية اواصرها من اجل تحقيق استقرار وامن المجتمع وهذا يؤدي في نفس الوقت الى الحفاظ على هيبة الدولة كون الشرطة، بل اجهزة الامن كافة، تشكل جزء اساسي ومهم من السلطة التنفيذية وهي التي تمثل اهم اداة من ادوات الدولة في فرض القانون وحفظ الامن لان اي اضطراب وتخلخل في الامن والسلم الاهلي يؤدي بالنتيجة الى ضعف صورة الحكومة واهتزاز ثقة الناس بها وينعكس هذا بالضرورة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وياكل من جرف الدولة وهيبتها، وتقدم والشعوب ورقيها وتعزيز ثقتها بالدولة يعتمد ويتأتى من مساحات الامن والاستقرار الذي يشعر به الناس وبدون تميز.
كل هذه الفعاليات والعمليات والمهام وتحقيقها ينطلق من قوة الدولة وفرض القانون والمعني بتطبيقه الاجهزة الامنية في مقدمتها اجهزة الشرطة بكل صنوفها فهي اداة الدولة في حفظ الامن واقرار النظام وتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة ومواجهة التحديات التي تهدد سلامة المجتمع واستقراره في الداخل الوطني وان تحقيق مثل هذه العمليات والواجبات والمهام تتطلب الحزم والحسم في تطبيق الانظمة والقوانين بشكل عملي في الميدان وعلى الناس احترامها حتى وان ادت مثل هذه الاجراءات الى بعض المضايقات البسيطة للناس. والحقيقه طالما تحدث مثل هذه المضايقات في ارقى الدول والشعوب والمجتمعات ويحدث شيئ من التوتر في العلاقة بين الشرطة والناس اثناء فرض القانون.
بعد كل هذه المقدمة ، من المهم الاشارة الى ان التوترات والاضطرابات والاحتكاكات الساخنة التي حدثت بين المتظاهرين والشرطة في ساحات التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات منذ تشرين العام 2019 وحتى الان، وما تخللها من استخدام لوسائل العنف والقسوة سقط على اثرها مئات الشهداء والاف الجرحى ، افرزت الكثير من المواقف السلبية وتزعزعت الثقة بين الناس واجهزة الشرطة، و ظهور بعض ردود الافعال من قبل بعض ضباط الشرطة والمنتسبين انفسهم ادت الى احجامهم من اداء عملهم بعد ان تسرب الخوف من المحاسبة الى نفوسهم بسبب سقوط اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى في ساحات التظاهرات، وبات الناس يتهمون اجهزة الشرطة بأتباع وممارسة اساليب العنف وعدم احترام حقوق الانسان معهم، والحقيقة اقول ان من غير الانصاف التعميم بأطلاق الاتهامات جزافا على جميع اجهزة الشرطة بالمطلق، لان فيها فروق فرديه كثيره وكبيره، و حدوث بعض الممارسات المدانة من قبل بعض الضباط والمنتسبين التي تتقاطع مع حقوق الانسان والانظمه والقوانين لا تعبر بالضرورة عن اخلاقيات جميع العاملين في جهاز الشرطة من ضباط ومنتسبين، كما لايمكن القول بأن سياسة وزارة الداخلية بنيت وقامت على هذا النهج والسلوك العنفي وان مثل هذه السلوكيات اللامهنية المدانة تعبر عن سلوك مرتكبيها الذين خرقوا شرف المهنة والمسؤولية وقيمها واهدافها الانسانية .
وهناك من يرى ان بعض اليات بناء اجهزة الدولة وسلطاتها تلوثت بفساد المحاصصة و شملت اهم مفصل حيوي وهي اجهزة الامن والدفاع، حيث اصبحت الولاءات في هذه الاجهزة الامنيه للاحزاب وبعض القادة السياسيين وليس للدولة و للمهنة والصالح العام، والمشكلة ان اي خلاف يحدث بين القوى السياسية واحزابها في البلاد ينعكس فورا وباسرع من الضوء على هذه الاجهزة الامنية بكافة صنوفها ، وبالنتيجة تدمير السلم الاهلي وتدمير وتشويه صورة المهنة والاجهزة والوزارة نفسها، ونجد على الطرف الاخر عدد كبير من ضباط ومنتسبي الشرطه يتمسكون بثوابت واخلاقيات مهنتهم ويحترمونها ولا يتجاوزون عليها وهناك حالتان لابد ن التفريق بينهما، الاولى هي تجاوز بعض الضباط والمنتسبين باستعمال العنف المفرط حد القتل كما حدث مع المتظاهرين السلميين في ساحات التظاهرات، اما الحالة الثانية هي الدفاع المشروع والمطلوب والذي يتمثل في دفاع بعض الضباط والمنتسبين عن اقسام الشرطة ومؤسسات الدولة التي اراد بعض الاشخاص مهاجمتها و الاعتداء عليها وحرقها اثناء التظاهرات.. وامثال هؤلاء ارادوا باعمالهم هذه تشويه صور التظاهرات والمتظاهرين السلميين حيث نشخص ونجد في الحالة الاولى هؤلاء الضباط والمنتسبيين الذين خرقوا الانظمة والقوانين وتجاوزوا على اخلاقيات المهنة والانضباط باعتدائهم على المتظاهرين وقتلهم وامثال هؤلاء لابد من احالتهم الى المحاكم المختصة واما في الحالة الثانية نشاهد الضباط والمنتسبين الذين تمسكوا بحقهم الشرعي واستخدموه في الدفاع عن ممتلكات الدولة والنظام والدفاع عن انفسهم وامثال هؤلاء اعتقد لا تقع عليهم المسؤولية بل تقع المسؤولية على الضباط والمنتسبين الذين تخلوا عن واجباتهم و هربوا فاسحين المجال للمندسيين لاحراق مرافق الدولة المدنية والامنية وتهريب السجناء والاستيلاء على ما موجود في مراكز الشرطة ومؤسسات الدولة.
واليوم لابد من عودة جهاز الشرطة بشكل فاعل من اجل عودة النظام والامن ووعودة هيبة الدولة وتطبيق القانون من غير تجاوز او تهاون من قبل وزارة الداخليه لحماية المواطنين وسلمهم الاهلي واعادة بناء هيبة الدولة وقوتها من خلال بناء الجوانب الثقافية والمهنية لاجهزة الشرطة لان علاقة الشرطه بالناس هي من اهم وادق واعقد العلاقات لما لها من ابعاد متعددة وكثيرة، واحداث تشرين اكدت هذا المفهوم بسبب الانحرافات التي ظهرت.

العلاقة بين الشرطة والمجتمع
ان اي تصرف يصدر عن الشرطة سواء كان ايجابي او سلبي له مردوداته وتاثيراته الكبيرة على العلاقة بين الشرطة والناس، كما الحال مع اي انحراف في سلوك الضابط او المنتسب والذي من شأنه التاثير سلبا على هذه العلاقة والعكس هو الصحيح، والمقصود هنا بالانحراف السلوكي اي المماراسات التي لا تنسجم او تتماشى مع القيم والمقاييس والاعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية، لان السلوك المنحرف هو الذي يجلب السخط الاجتماعي وهناك العديد من الانحرافات لرجل الشرطة وان مثل هذه الانحرافات لانجدها في رجال الشرطة العراقية فقط، بل هي ظاهرة عالمية، واخرها قتل الشرطة الامريكية لاحد المواطنين الزنوج وهذا حدث في دولة تعتبر من الدول الديمقراطية و المتحظرة فكيف الحال في دول العالم الثالث والدول التي تحكمها الفوضى، والعراق(للاسف) احد هذه الدول، ناهيك عن الصلاحيات التي منحها القانون لاجهزة الشرطة كونها الاجهزه المفوضه لحفظ القانون وخدمة المجتمع وهذه السلطة مخولة قانونيا بعمليات الاعتقال والايقاف والاحتجاز والقبض على المواطنين لاسباب يحددها ويفرضها القانون، لكن المشكلة تكمن ببعض رجال الشرطة الذين يسيؤن استخدام هذه الصلاحيات واستعمال العنف والقوة المفرطة في اثناء تطبيق الانظمة والقوانين وهذا ما يسيئ للعلاقة بين الشرطة والمجتمع ويشكل عائقا قويا في هذه العلاقة.
وهنا لابد من الاشاره الى دور النظام السياسي في التاثير على العلاقة بين الشرطة والناس علما ان بعض الانحرافات التي تحدث من قبل بعض الضباط والمنتسبين في اجهزة الشرطة لا يمكن فصلها عن السياقات السياسية وهذا ما شهدناه ظاهرا في ساحات التظاهرات والاحتجاجات خلال العشر سنوات الاخيرة في العراق واصحاب الاختصاص يصفون مثل هذه الاحداث والعلاقات والانحرافات بالجزء المتكامل من التفاعل بين الصفوة الحاكمة والجماهير ومن هنا تاتي نظرة الخبراء بان مشكلة جهاز الشرطة الرئيسية تكمن في ان رجاله لا ينظرون الى انفسهم على انهم مهنيون بعد ان تم تسيسهم بدرجة كبيرة بفعل المحاصصة السيئة التي لبست الدولة، وهي من حققت هذه الفكرة وجعلت الاجهزة الامنية، اسيرة بيد الكتل والاحزاب السياسية وباتوا يتحكمون في تعين العديد من ضباط الشرطة وقادتهم في المناصب العليا، وهذا ينسحب على تنقلاتهم ومكافاتهم وجزاء ذلك عليهم حماية مصالح الكتل والاحزاب والقادة والسياسيين.
وكل هذا وما يجري اثر ذلك ينصب سلبا على المصالح العامة وهيبة وبناء الدولة واستقرار المجتمع، وهي عوامل واسباب تزيد من الانحرافات والخروقات والتجاوزات من قبل بعض رجال الشرطة وتزيد من سوء معاملتهم للمواطنين وهذه السلوكيات المنحرفة ما هي الا مظهر من مظاهر الاستغلال السيئ للسلطة وهي اسباب وعوامل اسهمت في توسيع الفجوة بين الاجهزة الامنية وبين المواطنين لان الشرطة جهاز يتعامل مع كل الناس على اختلاف ثقافاتهم واخلاقياتهم وهذه نقطة لابد ان يقف عندها المعنيين في وزارة الداخلية ومن المهم التاكيد على المهنية والثقافة العالية التي يجب ان يتمتع بها افراد الشرطة ليتمكنوا من اداء رسالتهم، والا اصبحوا اداة بطش بالناس وحقوقهم ومثل هذه الاعمال تحول الدولة الى دولة بولسية.
اذا لابد من ان يكون رجل الشرطة في غاية الحرص على تصرفاته وتعاملاته مع كل المواطنين من كافة الطوائف والمذاهب والاعراق، لا بل يتوجب عليه التعامل حتى مع الخارجين على القانون عند الامساك بهم والقاء القبض عليهم ضمن الضوابط وملتزما بكل معاير العدالة معهم اذا كيف اذا تم الاعتداء والتجاوز على الابرياء والامنين من المواطنين واهانتهم وجرح مشاعرهم.
دور الاعلام
لابد من تسليط الاضواء على الدور الفاعل والكبير للاعلام وتاثيره على الراي العام في جميع الاحداث والقضايا سواء كانت في الازمات والتظاهرات الشعبية التي تتعلق بعدة اسباب وظروف سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية، وقد يكون لدور الاعلام في بعض الاحيان جوانب سلبية على علاقة الشرطة بالناس خاصة عندما تتحيز اجهزة الاعلام الى جانب معين، والسؤال الان كيف اذا مارس ضابط الشرطه او المنتسب الوسائل الغير مشروعة في ادارة عمله؟؟ هل سيكون له الاعلام بالمرصاد وينشر كل الخروقات والتجاوزات والاعتداءات؟ وهل سينشر الاعلام اي تجاوز على الشرطة وافرادها والاعتداء غير المبرر عليهم؟؟.
البعض يرى ان للاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، دور كبير في فضح العديد من الممارسات التي ترتكب من قبل بعض افراد الشرطة على المتظاهرين يصل حد القتل احيانا وبشكل يرعب الناس ويهدد حرياتهم لان انتهاك حرمات الناس بدون رادع قانوني او ضمير جريمة، وليس من الانصاف القول ان هذه السياسة هي المعيار لمهام جهاز الشرطة .
ان دور الاعلام هو الوصول الى الحقائق وجمع المعلومات والتدقيق والنقد وتسليط الاضواء على الاحداث والجرائم التي يرتكبها البعض، وله دور ايضا في عرض شجاعة ومهنية جهاز الشرطة في الكشف عن الجرائم وكيفية التعامل معها ومعالجتها بمهنية وشجاعة ونزاهة ، ونشر مثل هذه الاخبار وتناقلها من قبل وسائل التواصل الاجتماعي مثل تبرع بعض الضباط والمنتسبين بالدم لانقاذ جريح او الحديث عن دور شرطة مكافحة المخدرات او تسليط الاضواء على نزاهة وامانة بعض الضباط والمنتسبين في رفض الرشوة ومكافحة التهريب ناهيك عن الكثير من العمليات التي تقع بين الخارجين على القانون ورجال الشرطة والتي تؤدي الى استشاهد الضباط والمنتسبين اثناء الواجب.. كل هذه المواقف المشرفة للشرطة لابد من ان تعمل بها اجهزة الاعلام وتسلط عليها الاضواء في كل نقطة وفي كل مكان والنطق بالحقيقة ،كما ان على اجهزة الاعلام الامني تحليل الاحداث وشرحها والتعليق عليها وتقديم البرامج واقامة الحملات الاعلامية المنظمة التي تبرز جهود ودور ومسؤوليات رجل الشرطة، وليس بصفته الامنية فقط، بل بتسلط الاضواء على خصوصياتهم المهنية والانسانية كمواطنين عراقيين يؤدون مهامهم بكفاءة واقتدار كأي مواطن يعمل في اي وزارة او مؤسسة من مؤسسات الدولة.
وهنا لابد ان يدرك كل العاملين في العلاقات والاعلام الامني اهمية دور التنسيق مع المؤسسات الاعلامية الوطنية بكل وسائلها والقيام بعقد الندوات والحوارات والمؤتمرات والعمل على لقاء الناس بالمباشر والحضور على منصات التواصل الاجتماعي وتشكيل مجاميع لايصال نشاطات وعمل وزارة الداخلية وجهاز الشرطة بشكل خاص من اجل تعريف الناس بدورهم الحقيقي ونشر الوعي والثقافه لدى المواطنين لاشعارهم بان الوظيفه الامنية هي وظيفة ومهمة اجتماعية من اجل خدمة الوطن و المواطن، ومثل هذا العمل حتما سينعكس على تعزيز العلاقة الايجابية بين الناس واجهزة الشرطة ومد الجسور وتوثيق العلاقة فيما بينهم، وهذا يعتمد ايضا على الثقافة الخاصة والعامة لضباط ومنتسبي الشرطة، ومن المهم القول بأن على وزارة الداخلية الاستفادة من احداث تشرين المؤلمة والتعجيل في تطوير وسائل التدريب والتاهيل العلمي والمهني للضباط والمنتسبين ليكسبوا المهارات العالية في مجال العمل الميداني لان من الضرورة بمكان التركيز على مهارة اجهزة الشرطة في تطبيق الانظمة والقوانين والاجراءات الجنائية بدون اي تجاوز او تهاون من خلال تحقيق العدل والانصاف والتوازن بين مبدأ حق المجتمع في عقاب المجرم وتبرئة المتهم.