18 ديسمبر، 2024 9:10 م

سلوكيات اجتماعية مرفوضة

سلوكيات اجتماعية مرفوضة

اتذكر جيدا عائلة “ابو صدام” التي قدمت لحينا في زمن الحصار, كانت عائلة قذرة بكل ما للكلمة من معنى, فكان اولاد العائلة لصوص وشاذين, وبنات العائلة عواهر, والام تنظم اعمالهم اي انها “قوادة”, كانوا يشعرون بسعادة اذا انظم شخص لأعمالهم, وبدأوا يستدرجون الفتيات الصغيرات كي يتحولن مثل اخواتهم “عواهر”! واصبحوا تحت مظلة حزب البعث بعد الخدمات الكبيرة التي قدموها لرجال الحزب, وتحولت تقارير اخواتهم الى تقارير مهمة جدا للحزب والثورة, كانت العائلة تستمتع بإيذاء الناس, والغريب كان لهم فئة من اهل الحي منسجمون مع انحرافات عائلة ابو صدام, ومع الايام اصبح هناك بيوتات تقلد بالحرف ما تفعله العائلة القذرة.

كان جل اعمالهم ايذاء الناس عبر الاعتداء والسرقة ونشر الدعارة, في حي كان قبل وصولهم هادئ ينعم بالسلام.

المجتمع العراقي عاش طويلا تحت ضغط وقهر الحكومات، والحروب المتوالية، والاعمال الارهابية، وعسكرة المجتمع عبر (الدفع بالأجيال لمطاحن الحرب قبل 2003, وتشكيل الجيوش المتعددة بعد 2003)، بالإضافة لخبث السلطات المتعاقبة في دعم عوامل الجهل والتخلف الاجتماعي، مما كان سببا في انتاج عادات وسلوكيات غير صحيحة سائدة اجتماعيا، سلوكيات سلبية تمثل اعتداء على الاخر! لكن يفعلها الانسان العراقي (للاسف) من غير ان يشعر بالذنب، بل تجده سعيد ويفتخر بسلوكياته الخاطئة، وهو دائما ما يجد المبررات لكل سلبياته، والاغرب ان البعض يجدها سلوك حميد يجب القيام به، رغم تناقضه مع ثوابت العقل والدين.

وهنا سنذكر ثلاث سلوكيات سلبية, والتي يمارسها البعض وبشكل يومي:

· اولا: سلوك الايذاء:

كان هيثم طفلا عدوانيا لم يهتم ابواه بتربيته فتركاه للشارع, كان يحاول دائما الاعتداء على الاخرين, فلم يسلم شباك للجيران من حجارته, وفي الليل يخرج ليبعثر النفايات, وعندما كبر اصبح شاذا يتلذذ بالاعتداء على الاطفال, ولا يقبل اي نصيحة, عندما كبر اختفى سنوات, الى ان امسكت به الشرطة ضمن عصابة للقتل والخطف والدعارة.

بحسب التركيبة الغريبة للشخصية العراقية نجد فئة من الناس تتلذذ بإيذاء (الاخر), ويجده عملا طبيعيا لا يصاحبه وخزة للضمير او ندم, مثلا عندما يرفع صوت الموسيقا بهدف ايذاء جاره! او يدخن في الباص بقصد ايذاء الاخرين, او يرمي النفايات وسط الشارع بهدف الايذاء, او يستمتع بتحطيم زجاج الشبابيك بهدف التخريب, او (يمارس النميمة ) بين اثنين, بهدف احداث مشكلة بينهما, او الطعن في شرف الاخرين بهدف الحط من كرامتهم.

واذا وجد شخص ضعيف لا عون له عمد على ايذائه, فهو لا يرتاح الا عبر ايذاء الاخرين, و يبرر افعاله بان من يقوم بإيذائهم يستحقون ذلك, وهذا السلوك متفشي في مجتمعنا, وهو نتاج عقد نفسية وانحراف في اسلوب التربية, وعوامل الحروب والقهر والفوضى.

ويحتاج لوقفة من قبل مؤسسات الدولة التعليمية والاعلامية, ومن قبل منظمات المجتمع المدني.

· ثانيا: سلوك الاستهزاء:

كان هنالك شخص يكنى بالعكيد في المنطقة بأطراف بغداد الفقيرة, ومهنته سباك الحي, مهنة جعلته غير محترم بين الناس, لذلك كان يحاول الثأر لنفسه عبر ايذاء الاخرين, فما ان يجد شخصا ضعيفا حتى يجعله نكتة عبر السخرية منه ومن كلامه, وكان يتوجس ان يقدم على هكذا افعال امام الاقوياء ذاتا وجسما, وهذه دلالة على جبنه ومحاولاته سد ثغرة في تركيبة شخصيته, وكان هنالك من يتناغمون مع افعاله ويقلدوه في الاستهزاء بالضعفاء.

بعض افراد المجتمع لا هم لهم الا الاستهزاء من الاخرين, فتراهم يبحثون عن الاخر الضعيف ليقوموا بالاستهزاء من شخصه, والضحك عليه واضحاك الناس, وجعله مثال للسخرية, فلا يهتم عندما يحط من كرامة الاخرين ويتسبب بأحراجهم, بل يجد لذة في ممارسة هكذا افعال مشينة! والغريب انه يجد مؤيدين كثر لفعله, حيث يشعر البعض بالسعادة عندما يجدون شخص يستهزئ بالضعفاء.

انه سلوك مخالف لقيم الدينية والاخلاقية والانسانية, فهو خروج عن كل شيء والتحول لصفة حيوانية.

· ثالثا: سلوك الاغتياب

كنا في مقهى ومعنا زميل في العمل, كان معروفا بداء الغيبة, لم يصبر ربع ساعة حتى اغتاب احد الغائبين, ثم اغتاب موظفة مخطوبة قبل فترة, حاولنا كبح جماحه بعدم التفاعل مع كلامه, فعدل مسار الحديث ليغتاب صديقنا الذي اعتذر عن القدوم, وخلط حقائق بأكاذيب حتى صدقه احد الحاضرين, كان محترفا في فن صياغة الغيبة بحق الاخرين بحيث يتم تصديقها.

الاغتياب: هو الكلام بسوء عن شخص غائب, وهو داء خطير متفش بشكل مخيف في المجتمع, حيث اصبح كما يقال :” فاكهة المجالس” ومن دونه لا شيء جميل، فما ان يجلس اثنان او اكثر حتى يكون للغيبة حضور قوي, ولا يسلم منه احد, فالكلام بسوء عن الشيخ عن رجل الدين, وعن المرأة (الطالبة ، الموظفة، الارملة، والمطلقة) وعن الزميل في الدراسة او العمل او الكلام بسوء عن الجار او الجارة.

وهو سلوك للحط من كرامة الاخر في غيابه, وهو فعل الجبناء الذين يخشون المواجهة و يشعرون بالنقص.

الغريب ان المغتاب يجد جمهور يفرح به ويثمن جهوده, بل ويقلده وهذا دليل اختفاء قيم الدين والاخلاق عن واقع حياة المجتمع, فلا رادع للمغتابين بل نجدهم ينجحون في وسطهم, ويتم تقريبهم من قبل المسؤولين, وهذا السلوك المعيب متفش, وكان بابا للمشاكل والتنافر في المجتمع.