23 ديسمبر، 2024 11:03 م

سلم الرواتب تصعيد جديد للازمة

سلم الرواتب تصعيد جديد للازمة

لم يعد المواطن العراقي بحاجة إلى من يبصره بما انتهت إليه أوضاع البلد في شتى مناحي حياته فالاقتصاد منهار والصحة انتهت بكارثة الكوليرا وسوء الخدمات وشحة الأدوية وما خفي كان أعظم وفي التعليم اخرج العراق حتى من احتمال المشاركة في القياس ضمن المستويات العالمية لبعده الكبير عن الحد الأدنى والجانب السياسي بلغ فيه الصراع ذروته حتى أصبحت شريعة الغاب تتحكم بغرائزنا لذلك فنحن لا يمكن أن نعتبر دولة وربما قريبا سنستنجد بمن يدير لنا حياتنا اليومية رغم أننا عرفنا في دراساتنا الأولية إن في العراق قامت أقدم الحضارات المدنية في الكون وان من سكن بلدنا قبل آلاف السنين أول من كتب وأول من سن القوانين وأول إنسان نظم حياته وأول من دون التاريخ وهكذا فان أجدادنا كانوا الأوائل في كل شيء وان أرضنا شهدت توطين أول بشر فماذا جرى لنا نحن اليوم نعيش في ظلام التخلف تتجاذبنا صراعات لا نهاية لها حتى في طريقة تعبدنا إلى الله العزيز الحكيم الذي وحدنا بقرآنه الكريم رغم إن فينا رجال حكماء يتسابقون في فعل الخيرات لوجه الله لا يريدون جزاءا ولا شكورا وهم والله يمدون يد العون في كل وقت ولكل من يقصدهم فما بالنا لا نستمع إلى توجيهاتهم ونصائحهم وإرشاداتهم بينما نهرع إليهم في كل ضائقة ونستنجد بهم في كل شدة ثم نعود فنتقاطع معهم إذا استوت إلينا الأمور فنميل بالباطل على الحق وعلى ذلك شواهد كثيرة .

ولا أريد أن امجد في دور المرجعية الدينية الرشيدة فهي في غنى عن ذلك واكبر من أن تشيد بها بضع سطور يخطها احدنا بل أشير إلى ما نبهت إليه قريبا عن ظاهرة استفحلت وفجوة بين الحاكم والمحكوم يزداد أثرها نتيجة الاختلاف الكبير في رواتب الموظفين كأحد المطالب التي نادت بها التظاهرات الأسبوعية في يوم الجمعة ودعت إلى معالجتها وطرحت الخطوط العريضة لذلك فكانت واحدة من حزم إصلاحات رئيس الوزراء السيد حيدر ألعبادي الأخيرة أن طرح سلم جديد للرواتب وبدلا من أن تتم معالجة مشكلة مهمة في البلد زاد هذا السلم في الطين بله فالتظاهرات التي كانت تكتفي بيوم الجمعة فقط في الأسبوع وتقتصر على مراكز المدن الكبيرة اتسعت وانتشرت في كل المدن وشارك فيها حتى من كان يقف على الرصيف متفرجا لأنها طالته في الصميم في رزقه ورزق عائلته وتجاوز توجيهات من كان يمنعه عن التظاهر وهذا لا يدلل إلا على اتساع عمق الهوة بين الشعب وحكومته التي يفترض انه انتخبها لتلبية مصالحه وتصعيدا جديدا في المواجهة بينهما وطبيعي أن هذا يعني إن خلالا ما قد أصبح واقع حال يحتاج إلى معالجة جديدة وجدية أما من الحكومة بالتراجع عن سلم الرواتب أو من الشعب الذي أعاد ممثليه في البرلمان النظر في تفويض السيد ألعبادي .

نعرف إن بداية التظاهرات كانت تطالب بتحسين واقع الكهرباء وتقليل ساعات القطع ولكنها كانت ارض خصبة وفرصة لان يعبر كل صاحب مطلب عن مطلبه وإذا بنا نجد سيل كبير من اتهامات عن عجز الحكومة في أداء واجباتها لا حصر له ولا نهاية وإذا بها تنبه الغافل إلى ما كان يغفل عنه فانكشفت ملفات جديدة كانت مستورة أصبحت مطالب ملحة سقفها في تصاعد مستمر لم ينجو منها مفصل من مفاصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وارتفعت الأصوات بحدة رغم محاولات إسكاتها والأدهى والأمر إن أركان السلطات ذاتهم يتقاذفون الاتهامات فيما بينهم والكل يسعى وبجد لإثبات بعده عن دائرة الفساد من خلال تسقيط الآخرين فيزيد من هلع الشارع وتخوفه من المستقبل المظلم الذي ينتظره وطبيعي إن هذا الوضع زاد من التفاف عامة الناس الذين لا حول ولا قوة لهم حول المرجعية الدينية الرشيدة كرمز من رموز الوطنية المؤثرة وأكثرها حرصا على الشعب ولكنها وهذا جزء من تكليفها الشرعي تسمو بنفسها عن الولوج في السياسة بشكل مباشر فكان السيد حيدر ألعبادي الملاذ الآمن للشعب المتظاهر فمنحه الصلاحيات المطلقة التي يحتاجها للإصلاح ولكنه الآخر اصطدم بصخرة لا حول له ولا قوة في مجابهتها لأنها تخرج عن حدود الدولة والإقليم بل هي مشكلة عالمية فماذا يمكن للعبادي أو لغيره أن يقدم مع انخفاض أسعار النفط وما يترتب عليه من تدني في واردات الدولة العراقية الذي يؤدي حتما إلى عجز في التزامات الحكومة اتجاه شعبها .

إن إدارة دولة مثل العراق بحاجة إلى البناء والتطور واللحاق إلى مصاف الدول الأخرى المجاورة وليس المتقدمة يخضع لنفوذ وتجاذبات العديد من القوى العظمى ليس بالأمر الهين والسهل وليس في متناول اليد وإذا كان المسئول الأول فيه جادا في الإصلاح لا يعيبه الاستنارة بأهل العقل والحكمة وأهل التأثير المباشر والقوي لإقناع الشارع الملتهب كما لا يعبه الاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص في التخطيط المسبق حتى ولو للأسبوع الواحد المقبل ويتوجب على الكتل التي تشترك معه في حكومته إسناده من خلال تثقيف قواعدها الشعبية وتشاركه التقشف المطلوب أيضا وتجاوز الخلافات البينية لتخطي الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمس الجميع في نفس الوقت الذي يتوجب عليه فرض هيبة الدولة والقانون ويضرب بشدة على كل يد تمتد بسوء إلى المال العام ويكشفه للجميع ويمشي بخطوات شفافة جدا وما أكثر وسائل الإعلام الوطنية التي تساعده في ذلك .

صحيح إن الحكومة في ظرفها الحالي بحاجة إلى التقشف ولكن ليس على حساب الموظف فسلم الرواتب الجديد لم يسعى إلى إزالة الفوارق العالية بين المعنيين به والذي أشارت إليه المرجعية الرشيدة لأنه حسب تصريح المتحدث الرسمي لمكتب رئيس الوزراء السيد سعد الحديثي لم يتطرق إلى المخصصات وهي بيت الداء فليس من حق احد أن يساوي بين من يمتلك مؤهل دراسي عالي أو خدمة كبيرة وبين من سنوات خدمته لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وتحصيله الدراسي بسيط فهذا ليس هو مدار الجدل بل ما يجب الحد منه هو الامتيازات الخاصة للدرجات الوظيفية  العالية مثلا وعلى التقشف أن يذهب إلى أبواب الإنفاق والهذر الرهيبة التي تنفقها السيارات الحكومية خارج الاستخدام الرسمي مثلا وما تبذره دوائر الدولة في الآثاث والكماليات المكتبية وحتى في الورق واليات التعامل الروتيني مع المواطن أثناء المراجعة ناهيك عن البيروقراطية التي تتعامل بها شريحة كبار الموظفين مع الناس .