23 ديسمبر، 2024 11:27 ص

التظاهر والإعتصام “السلمي ” له مستلزماته وقواعده الواجبة لحفظه  في إطاره القانوني وإطاره السلمي (وهذه هي أصل فكرة السلمية  حينما لا يكون أمام الشعب الذي يواجه سلطة غاشمة متجبرة ولا يمتلك أدوات لردعها وتغولها وتعجز الأدوات الديمقراطية المتاحة و تفشل أجهزة الدولة ومؤسساتها المدنية الأخرى عن كبح جماح الإستبداد وحمايه الشعب وتحقيق العدالة الإجتماعية له ) فيكون الإعتصام والتظاهر والإحتجاجات السلمية وسيلة من وسائل تمكينه من نيل حقوقه ولفت أنظار المكونات الإجتماعية والسياسية والثقافية إلى قضيته ساعياً لتحقيق الأهداف الإجتماعية المتوخات من الإعتصامات والتظاهرات في ظل مبداء العدالة الذي تؤمن به كل تلك المكونات.
والاعتصام والإحتجاج والتظاهر السلمي مقصود به السلطة الغاشمة أو الظالمة على وجه الخصوص والتعيين دون سواها وليس من المفيد للمعتصمين معاداة أحد طالما لم يعلن هذا الطرف معاداته لحق الإعتصام والتظاهر أو حربه على المتظاهرين . وليس من المفيد تعميم الإحكام بل من الواجب قصرها على من أعلن العداء وليس من المفيد أيضاً الحكم على النوايا والمقاصد في التظاهرات السلمية بل أن السكوت في مثل حالة الإعتصامات السلمية أدنى درجات الإيجابية (هناك فرصة للمراجعة) .
ومن المهم جداً كسب تعاطف الناس من غير المعتصمين والسعي الدؤب للوصول إلى قلوبهم (إن كان من الصعب الوصول إلى عقولهم) والحذر من تشويه الحقائق وإستغلال الهفوات والزلات ومحاولة إرهاق المعتصمين بتصريحات ومواقف فكرية أو عقائدية أو معارك جانبية بعيدة عن مطاليبهم المعلنة
وحقيقة التظاهر هي (إيصال المطاليب وتحديد المظالم وإسترداد الحقوق) فقط لا غير ذلك وأما عرض العقائد والأفكار والتحليلات السياسية والنظريات والثقافات فليست ساحات الإعتصام مكان لمثل هذه الصراعات وإن كان من الضروري جداً أن يكون هناك تثقيف داخلي حول العموميات والمشتركات
ومن المعيب ومن الخلل الكبير أن تتحول ساحات الإعتصامات إلى ساحات للمساجلات العقائدية والفكرية والثقافية للمعتصمين بل لا يرفع مطلب أو هدف أو حق مالم يكون من ضمن ما هو متفق عليه (مشترك) بين المتظاهرين ومن يمثلوهم وإبعاد كل ما يقع ضمن المختلفات والمتنازع عليها المفرقة للصف وجالبة للفشل (الفدرالية مثلاً) وهي قبل هذا وذاك لا تعد من ما جعل الإعتصام لأجله كذلك لابد من ضبط خطاب الإعتصام المعلن والموجه بما يخدم أهداف التظاهر . وفي حال وجود ضرورة لتحديد موقف مختلف عليه يرجع به إلى أولي العلم (المرجعية الإسلامية) وهي التي تقول كلمتها الملزمة للجميع .
وللإعتصامات الجماهيرية قوانينها ومستلزماتها و وسائلها وطرقها وهي تتلخص (بالمشترك والحشد والتجميع والسلمية و وحدة الخطاب والقانونية والصبر وعدم الإستفزاز وترك ما سوى ذلك)
وتلك وسيلة حضارية لابد من إحترامها و وضعها قيد الإعتبار  ليس من جانب الشعوب فقط بل من جانب الدولة والحكومة كي لا يلجاء الشعب إلى طرق غير قانونية تراق فيها الدماء تحت شعار الشرعية الثورية أو الشرعية الجهادية  التي أول ما تتناقض معه وتثور عليه هو القانون العام الذي يسير الدولة الذي فشل في تحقيق المطالب الشعبية ؛ وفي ذلك عودة إلى الأصل الفلسفي  للعقد الإجتماعي الذي تأسست عليه الدول والقوانين وقامت عليه الديمقراطيات وهو تفويض الناس للمجموعة (السلطة) لتحقيق المصالح الإجتماعية . وإن لم تتحقق المصلحة الإجتماعية التي قام العقد عليها إنهار العقد بجملته وبكل قوانينه ؛ وما دامت المصلحة الإجتماعية العليا مصانة  و السلم لأهلي قائم فلا مجال للخروج على المصلحة الجماعية وما اتفق عليه الناس من أنظمة وقوانين الغاية منها حماية الشعب وتحقيق مصالحه .
لذا فمن مصلحة الطرفين (الشعب والحكومة) المحافظة على سلمية الإعتراض وسلمية المعارضة الشعبية بل إن من مصلحة السلطة توحيد خطاب المتظاهرين وفهم طلباتهم بل التحري بدقة علمية (لا عسكرية) عن دوافع تلك المطاليب وأسبابها والتعامل معها بدقة والوقوف على معاناتهم بحرص وحتى لو اعترضوا على قانون راسخ من قوانين الدولة كما يطالب المتظاهرون اليوم بإلغاء ( المادة أربعة إرهاب) وعدم دفعهم إلى مرحلة العنف أو وصولهم إلى حالة اليأس و شرعنة العنف تحت مسمى الشرعية الثورية أو العدالة الثورية أو العدالة الإنتقالية … الخ
ومن المؤكد أن هناك أطراف في السلطة لا يروق لهم تلك المطاليب ولا يطيقون السلمية لإنها تقطع الطريق على طغيانهم وهيمنتهم وفسادهم لذا فهم لا يريدون التغيير ولا تعريض مصالحهم للخطر وهم بالتأكيد سينهارون أمام السلمية وسيرتكبون بعض الحماقات والجرائم وعلى الدولة أن تأخذ على يدهم بالقانون وتمنعهم من مخالفة الدستور والقوانين ولا يمكن أن تسلم الدولة والسلم الأهلي إلى يد حمقاء تعبث بمصير الأمة و وحدتها يزين لها شياطينهم لهم وحشيتهم ويبررون لهم جرائمهم ويتسترون على تخلفهم  .
كنتم سادة ميادين القتال وأرعبتوا الإحتلال بجهادكم ومقاومتكم ولكم اليوم أن تثبتوا عبقريتكم في إستخدام سلاح أكثر مضاء و اشد بأساً وإن كان أكثر تعقيداً هو جديد عليكم أسمه (السلمية) أبدعوا فيه وأثبتوا عبقريتكم العراقية في تأسيسه ومده إلى كل العراقيين وأخرجوا بسلميتكم عبر الفضاء إلى العراق كله والعالم العربي والإسلامي وكل العالم أنها تجربة عراقية جديدة تعمدت بالدم لتصنع السلام والحب والوئام  وإن كنتم قاتلتم من أجل عين العراق و وحدته وفي حبه فما عليكم اليوم إلا أن تثبتوا حرصكم على وحدة العراق إرضاً وشعباً وثروات عبر ممارسة عراقية صرفة وتأسيس جديد للسلمية وتحملوا انتم شعار الحسين في إنتصار الدم على السيف وستثبت لكم الأيام إن الحويجة إنتصرت وإن صورت الوحوش إنشرت وإن التخلف والهمجية سقطت عن أقدام شهداء الحويجة وعند عربة المعوق المعبق بالدم والكبرياء الذي (لم يكعد راحة) أهدوا صورته للعالم وسيعرف العالم قصتكم كاملة وبان الفارق سحيقاً لا مجال فيه للمقارنة ولكم الفخر أهل السلمية الحضارية وانتم بحق (أم الولد)

[email protected]