وهذا احدهم في ثمانينيات القرن المنصرم، درج على عادة تقليد صوت صدام وتصرفاته، ودائما كان يختتم حديثه بقول صدام الذي يكرره عندما يزور دائرة او وحدة عسكرية: (سلمونّه على الماشفناهم)، وصل الامر الى الحزب ومن ثم الى الامن، فالقوا القبض عليه، ووضعوه بغرفة ودخل عليه اربعة ملثمين واشبعوه ضرباً، ومن ثم رأى المدير انه تأدب بعد سلسلة من الضرب الموجع، فاطلق سراحه، وفي الباب الرئيسي لدائرة الامن، رفع يده ملوحا لرجال الامن بعد ان اعتلى احدى السيارات مثل كل مرة وهو يقلد صوت صدام ويقول: (يابه سلمونّه على الكتلونه وماشفناهم)، وهذا لسان حال من يبقى في العراق، لانه سيقول هذا القول عاجلاً ام آجلاً، لاحياة للانسان المسالم هنا، واقولها بملء فمي.
لقد قتل الكثيرون في التفجيرات الارهابية والقاتل مجهول، وقتل آخرون والقاتل ملثم، وقتل ايضا من قتل بالثأر العشائري، ودفعت ديته، لكنه خلف عائلته لدى المجهول، كل الحركات والعشائر والارهاب تعمل، الا الحكومة والقانون فانهما معطلان الا على البؤساء والملتزمين وغير المنتمين للحركات المسلحة، مااريد ان اصل اليه ان البعض يلوم المهاجرين من العراق، وهذا لعمري امر باطل، فالعراق عبارة عن قفص حديدي، داخله ارباب سوابق، وحين توضع فيه يطلب منك ان تتفاهم مع هؤلاء، ها انذا اترك المقالة ثلاث مرات واهرع الى جرس الباب، ولكن لا اجد احداً، وجيراني بمكافحة الارهاب شرطياً ولا استطيع نهر ابنائه، اما مقابلي فهو في جيش كذا، والآخر في كتائب كذا، وانا المدرس المسكين بوسطهم اما ان اغادر العراق او اصمت على اي شيء.
هذه صورة صغيرة مع دلالات بسيطة للوضع القاهر الذي نحيا فيه، كنت مغرما بافلام الكاوبوي الاميركية، وهاهي تتجسد امامي، اذ لايخلو يوم من اطلاق نار من (الدكاكة) وغيرهم، بعض الاحيان القي اللوم على ابي لانه لم يربني تربية الاشرار، لكنت الان رأيت ان العراق اسعد البلدان لانه يوفر لي على الاقل نوازعي في الشر والاعتداء على الآخرين، انا اطلقها صرخة من العراق ومن بغداد، ان العراق بلد لايطاق ولايمكن العيش فيه، ولتسمع كل منظمات حقوق الانسان، اننا شعب يحتاج الى التأهيل لنعود نعيش حياة طبيعية، يومياً اسمع صوت الاذان وهو ينادي المؤمنين، واشعر بالخيبة لان الايمان في العراق كذب ونفاق.
اتركوهم يبحثون عن حياتهم وحياة ابنائهم، ولاتحملوهم وزر وطن تربع فوق عرش من الخطايا والرذائل، اتركوهم لعلهم في يوم ما يساعدون في انقاذ هذا البلد من مواقعهم هناك في اوربا او اميركا، اننا نعيش في غابة حدودها خطرة وداخلها اخطر من حدودها، انساننا اعتاد الجريمة ولكم آخر جريمة حدثت في بغداد، احدهم دخل الى مجلس عزاء، فلم يستقبله اهل العزاء لامر بينه وبينهم، فما كان منه الا ان يعود الى سيارته، ويجلب البندقية ويطلق النار باتجاه الجالسين، فيقتل ثمانية ويعوق ويجرح اكثر من عشرة، بربكم لماذا تنصحون الناس بالبقاء في العراق، وبرميل النفط يسجل اوطأ مستوياته.
انا معكم ايها المهاجرون، قلبي معكم، وكنت اود ان اكون احدكم، وسافعلها في يوم ما، وان كانت حياتي قد مضت في العراق، تعذيب على اثر تعذيب، فاريد لجثتي ان ترقد هناك مع المسالمين في حدائق غناء تبهر العقل والنفس، واياكم ان تنسوا تحية الوداع التي تلقونها على العراق عند مغادرته: ( سلمونّه على الكتلونه وماشفناهم).