23 ديسمبر، 2024 3:01 ص

سلمان داود محمّد العراقي يقدّم للعالم مثالاً آخر على ملاقاة الموت بشرف

سلمان داود محمّد العراقي يقدّم للعالم مثالاً آخر على ملاقاة الموت بشرف

محنة المبدع الكبير سلمان داود محمد هي محنة العراق الكبير. وبلا أدنى زيادة ولا استطالات أقول وقلبي يتقطع وأنا أتابع يومياً تقريبا وتفصيليا رحلة التعذيب المُهين والدوس على القسم الطبي المقدّس من قبل بعض الأطباء والقتل الفعلي الذي تمارسه الجهات الإدارية الصحية مع المبدع الكبير سلمان داود محمد في محاولة هذه الجهات “معالجته” من سرطان الرئة المُهلك الذي يعاني منه.
أقول: هي محنة العراق الكبير الذي يتعرّض للإذلال اليومي والمهانة المستمرة والإهمال. بلد يطفو على بحيرات من الذهب ولا توجد إمكانية لمعالجة مبدعيه الذين يشرّف تراب حذاء كل منهم باقة من النواب والوزراء في بعض الدول.
إذهب إلى بلدان المغرب العربي واسأل عن السيّاب ونازك والبياتي وسيعرفهم على الأقل عشرة ملايين من طلبة المتوسطات والثانويات والكليات والمعلمين والأساتذة والمثقفين والصحفيين والكتاب والفنانين وموظفي وزارات التربية والتعليم وموظفي السلك الدبلوماسي المثقفين والقرّاء العامَين وموزّعي الصحف وأمناء المكتبات العامة وأصحاب أكشاك بيع الصحف وغيرهم الكثير الكثير ممن عاشوا وتعلّموا منذ عقد الخمسينات. ثم اسأل – مع احترامي الكامل طبعاً لكل إنسان – عن أحد الرؤساء العراقيين الذين جاءوا بعد عام 2003.. وانتظر ما ترد به تلك الجماهير المتعلمة التي تنحني لرموز ثورة الشعر الحديث من مبدعي العراق. إسأل عن مظغر النوّاب في أرتريا ثم اسأل عن الرئيس “…” واستمع للجواب.
هكذا يضرب هذا الإنسان العراقي الجبار الذي اسمه سلمان داود محمد المثال الأسمى والأغلى للإنسان في كل مكان وزمان ؛ الإنسان الشامخ الذي يحترم روح الله التي نُفخت فيه والرسالة التي أمّنها بين يديه بعد أن انخذلت الجبال والبحار والسماوات عن حملها. سلمان – مِثل العراق العظيم – يرفض الإذلال والمهانة وهو يعاني من سرطان الرئة الفتاك ..
لقد خاطبتُه بمقالة قبل أشهر حين بدأ علاجه الكيمياوي – وكان خطأ طبّياً فظيعاً من وجهة نظري الطبّية الشخصية – في رحلة تحدٍّ للكرامة والعزّ واختبارٍ لإرادته ومبادئه وقلت له في تلك المقالة:
عش هكذا دائما في علوٍّ أيّها الرجلُ
وها هو سلمان يثلج قلوب مُحبّيه ومريديه الذين شخصت أبصارهم نحوه ليروا هل سيكون في مستوى ما كان يعلنه ويصدح به باستمرار وهو يردّد مقولته المأثورة التي حفظناها عنه:
الشرف لا يُجزّأ
لا يوجد 10% شرف
أمّا شرف 100% وأمّا العهر والمفسدة
حنانيك سلمان وترفّق بهذه المسوخ فهي تلهث خلف ظلال مروءتك
سلمان أيّها الجبار
وأنت ترفض العلاج وتختار الموت على الذلّ فإنك تقدّم الأنموذج الأنصع للعراق الجبّار العصي على الموت ..
بعد سنة ومائة سنة وألف سنة سوف تقرأ سيرتك الأجيال وسوف تُضرب بها الأمثال مثلما ضُرب المثل بجدّك جلجامش العظيم .. سينرعب المتخاذلون الإمّعات الفاسدون حين يجدون الرجل الرجل والإنسان الإنسان يفضّل الموت المؤثّل بالكرامة على الحياة الملطخة بالمهانة والاستخذاء..
إي أخي سلمان :
إنّ رفضك علاج وزارة الصحة هو أعظم نص كتبه المثقفون العراقيون خلال الأربعين عاماً الأخيرة من عمر وطننا المديد..
فيا لك من رجل وفيّ لوطنه العراق العظيم وهو يسجل هذا الموقف التاريخي على صفحات تاريخه لآلاف السنين .. ويا للعراق من وطن عظيم وهو ينجب رجلا مثلك..
سمعتّ من أحد الأصدقاء الجزائريين أنّ نكتة انتشرت بين المواطنين الجزائريين بعد العدوان الكوني على العراق عام 1990 وهي أنّ امرأة جزائرية ذهبت لتستحم في حمّام مخصّص للرجال. وحين حاول صاحب الحمّام منعها من الدخول سألته:
-لماذا تمنعني من الاستحمام في هذا الحمام؟
فأجابها:
-لأنّه حمّام للرجال
فسألته:
-وهل فيه رجل عراقي؟
إيه .. أخي سلمان ..
وقبل مدّة ونقلاً عن الإعلامي المغربي “عبدالحي مفتاح” قرأتُ أنّ الأديب العراقي الكردي الرحّالة “بدل رفو” تعرّض هو وصاحبه للتسليب من قبل ملثمي الليل اللصوص بجنوب المغرب الذين هجموا على الرحالة وصاحبه، ولكنه بعدما نهض واقفا من خيمته ولهج بأنه عراقي اعتذروا له بعدما كانوا يطلبون “الفلوس” ..
إيه وطني العظيم .. حتى بدو أقصى جنوب المغرب يعرفون قيمتك الرهيبة ..
فيا سلمان ..
بعد مدّةٍ سوف تتغنّى بك بلادي ..
ويُضرب بك المثل من المحيط إلى الخليج :
هذا هو العراقي المبدع الذي ضرب المثل للمبدعين العراقيين والعرب بل العالميين الذين صاروا يحملون حقائب السياسيين ويمسحون أحذيتهم :
سلمان داود محمّد المصاب بسرطان الرئة الفتّاك يرفض العلاج ويفضّل الموت بكرامة على الحياة بمهانة..
وها أنت تُكمل ما يقوم به شباب وطنك العظماء في ثورتهم التشرينية وهم يتلقون الموت بصدورهم العارية رافضين الحياة بمذلة ..
هم ثورة ..
وأنت ثورة ..
بل أنتَ أمّة ..
عليك السلام..
ملاحظتان:
(1). الصورة الثانية.. المبدع الكبير سلمان داود محمد يحرق قميصه احتجاجا على تفجير شارع المتنبي عام 2008
(2). صورة كتاب رفض المبدع سلمان للعلاج
مرفق:
مقالة سلمان داود محمد من موقعه ودون إذنه
سلمان داود محمد
‏٧ نوفمبر‏، الساعة ‏١:٠٧ م‏ ·
وزارة الـ ( مو يَمْنَه ) وقَسَم أبقراط الذبيح
*************************************
بعد السفر الى تركيا عبر وزارة الصحة العراقية لغرص الفحص ( فقط ) مع الجرعات الكيمياوية التي سبقتها في بغداد تمخضت الحالة الصحية عن بقاء 55% من الورم يستلزم (30) الى (33) جرعة أخرى ولمدة خمسة أيام من الجرعات في الإسبوع الواحد من العلاج الإشعاعي الموضعي في مشفى أهلي محلي وبتكاليف مالية ليست بالقليلة لعدم توفر الجهاز الإشعاعي الدقيق في المستشفيات الحكومية …
لقد استغرقت إجراءات مقر هذه الوزارة الروتينية الشنيعة للسفرة الأولى ( 65 ) يوماً لا غير !!! أي من يوم 9 / 7 / 2019 ولغاية 13 / 9 / 2019 ، وهي لغرض الفحص والفحص فقط كما قلت ، ومن عجائب السلوك الوظيفي لهذه الوزارة على سبيل المثال هو قيام موظفة المتابعة – في حينه – بالإتصال بي وكالآتي :
( الموظفة : المريض فلان ..
أنا : نعم ..
الموظفة : أين الأمر الوزاري ؟
أنا : لديكم بالطبع ..
الموظفة : احضرْ الى الوزارة بأسرع وقت ..
( تم حضوري في اليوم التالي هناك بعد ضنك الزحام وطول الطريق وشساعة الألم ) ومن ثم :
الموظفة : اجلبْ لي الأمر الوزاري من الغرفة المجاورة ..
أنا : تفضلي …. وماذا بعد ..؟
الموظفة : لاشيء ….
أنا : أعني .. هل من شيء آخر أوفره لإتمام المعاملة ..
الموظفة : لا ، انتظر منا اتصالاً في الأيام القادمة …. ) …….
أما عن عجائب اجراءات السفرة الثانية التي استغرت ما يقارب الشهر إلا ( طكّة ) فقد تم الحوار الآتي مع الموظفة ذاتها :
( الموظفة : احضر فوراً الى وزارة الصحة ..
أنا : ما المطلوب مني حتى أوفره لإنهاء تفاصيل السفر ..؟
الموظفة : لاشيء سوى ايصال ملفك الى الطابق الأعلى لا أكثر …
أنا : فقط ؟؟
الموظفة : طبعاً …
أنا : ألا كان الأجدر بك – ومن باب الرحمة والضمير المهني –
أن تتفضلي بايصال ملفي الى الطابق الآخر حتى أعمل من جهتي على احضار المرافق لي في رحلة العلاج مع الكفيل الى القسم القانوني لوزارتكم لإ نجاز المتبقي من متعلقات السفر .. أنكم يا سيدتي تتعاملون مع المرضى وأنا واحد منهم ، وكأنكم تتعاملون من رافعي أثقال ونجوم الطفر بالزانة وأبطال رمي الرمح وهكذا .. هذا مُتْعِب يا سيدتي .. مُتْعِب
الموظفة : عزا بعينك ، اشلون تحجي وياي هيجي يا (… ) طوط طوط طوط طوط ……. ( قطعتْ الإتصال ) … ) …..
إن من بنود قَسَم أبقراط المبجل تشير أولاً الى حفظ كرامة المُعْتَل وتوفر القيم المهنية الرفيعة لدى الطبيب بوصفها العلاج الأمضى لكل علّة ، إلا أنني رأيت أبقراط الجليل مصلوباً عند كل باب من أبواب غرف وزارة الصحة بلا طائل وهو يراقب تجوالي بين سكان هذه الغرف التي لا تجيد سوى عبارة واحدة هي ( مو يَمْنَه ) ..
السلام عليك أيها الحرس ، الجواب ( مو يَمْنَه )
الله يساعدك أيتها الإستعلامات ، الجواب ( مو يَمْنَه )
مرحباً أيتها الطبيبة ، الجواب ( مو يَمْنَه )
صباح الخير أيها الإداري ، الجواب ( مو يَمْنَه ) ..
طابت اوقاتك أيها المعاون، الجواب ( مو يَمْنَه ) ..
هلو أيتها المصاعد الكهربائية ، الجواب ( مو يَمْنَه )
كود مورننك أيها الكانسر ، الجواب ( يَمْنَه ) …..
فآضطررت الى الكتابة على أصل الأمر الوزاري المطرز بإمضاء الدكتور ( عـ / وزير الصحة والبيئة ) ، قلتُ :
( السيد …… المحترم
تحية طيبة ..
لا أرغب في استكمال معاملة السفر المشار اليه في كتابكم الموقر هذا ، ولذلك بسبب سوء التعامل والبيروقراطية المتفاقمة حتى وصل الأمر الى تلفّظ بعض منتسبي الإخلاء الطبي بألفاظ لا تليق والروتين القاتل وترديد عبارة ( مو يَمْنَه ) على ألسن أغلب منتسبي هذه الشعبة أو القسم في مقر الوزارة ….. مع التقدير ..) ……
التوقيع : فلان
مصاب بسرطان في الرئة ..
6 / 11 / 2019 ) .. ،
فراح السيد المدير يحدق بي وكأن لسان حاله يقول :
– اييييه .. مو يَمْنَه تدري الوكت بوكاته غفلاوي …..
( إظلام )