18 ديسمبر، 2024 8:37 م

سلطة البعث الأولى 1963

سلطة البعث الأولى 1963

ـ بعد فشل حزب البعث باغتيال رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد يوم 7/ 10/ 1959.. وإعفاء الزعيم عبد الكريم قاسم لهؤلاء المساهمين في محاولة اغتياله تحت شعار (عفا الله عما سلف).. تشجع البعثيون والمناوئون لنظام قاسم بالتهيئة لإسقاط نظامه.. وهكذا جمع البعث قواه ووضع الخطط بدعم خارجي عربي بل ودولي.. حيث أكد علي صالح السعدي أمين سر قيادة حزب البعث بعد نجاح انقلابهم بمقولته المشهورة “جئنا بقطار أميركي”.

 

الدور الأمريكي في الانقلاب:

 

ـ أيدت الولايات المتحدة الأمريكية علنياً ودعمت فعليا انقلاب حزب البعث العام 1963.. فقد كان ل (السي أي أي) دور فيه.. فالمخابرات الأمريكية هي التي موَّلت حزب البعث.. ويقول الدبلوماسي الأمريكي جيمس أيكينس.. الذي كان يعمل في السفارة الأمريكية في بغداد آنذاك “عرفتُ كل زعماء حزب البعث وأعجبت بهم”.

 

ـ ويضيف أيكينس “من المؤكد أن المخابرات الأمريكية “السي أي أي” لعبت دوراً في انقلاب حزب البعث العام 1963.. لقد اعتبرنا وصول البعثيين إلى الحكم وسيلة لاستبدال حكومة تؤيد الاتحاد السوفيتي بحكومة أخرى تؤيد أمريكا.. إن مثل هذه الفرص قلما تتكرر”.

 

ـ وقال أيكينس “صحيح أن بعض الناس قد اعتقلوا وأعدموا.. إلا أن معظم هؤلاء كانوا شيوعيين.. ولم يكن ذلك ليزعجنا”.

 

ـ لقد دام هذا التعايش السعيد (بين أمريكا وحزب البعث) حتى نهاية الثمانينيات.. فعندما استولى آية الله الخميني على السلطة العام 1979.. عملت أمريكا على تحويل صدام حسين إلى “رجل أمريكا في منطقة الخليج”.

 

ـ وقدمت واشنطن لبغداد معلومات استخباراتية.. ودعم عسكري خلال الحرب مع ايران وأرسل الرئيس الأسبق مبعوثا رئاسياً خاصاً هو دونالد رامسفيلد.. نادرا ما ارتبطت شخصية سياسية امريكية بالملف العراقي على غرار رامسفيلد الى بغداد في ديسمبر/كانون الاول العام 1983.. في ذروة الحرب العراقية- الايرانية.. وتحديداً بعدما فقد صدام حسين الاراضي الايرانية التي كان سيطر عليها في السنوات السابقة من بداية هجومه على ايران.. ثم العام 2001 للتحدث إلى صدام حسين حول اسلحة الدمار الشامل.. لكن صدام أصم أذنيه عن أي اتفاق بضمان بقاء نظام البعث في العراق برئيس آخر حتى لو نجله قصي!!

 

 

أسباب اختيار الجمعة:
ـ في لقائيً (أنا كاتب هذه المقالة.. د. هادي حسن عليوي) مع علي صالح السعدي في “18 ـ 5 ـ 1977” خلال التحضير لرسالتي للماجستير في العلوم السياسية قال السعدي: (تغيّر موعد انقلابنا أكثر من مرة.. وبعد حملة الاعتقالات في بداية شهر رمضان 1963.. وخشية انكشاف خطتنا من قبل احد المشاركين وهو المقدم جابر علي جابر.. واعتقالي وصدور أمر بإحالة عدد من الضباط المشاركين في الانقلاب.. ومنهم صالح مهدي عماش.. كان لا بد من التنفيذ.. وهكذا تم اختيار يوم الجمعة 8 شباط 1963 ويجري التنفيذ الساعة التاسعة صباحاً للأسباب التالية:
1ـ خوفاً من انكشاف تفاصيل خطة الانقلاب من قبل العناصر المنفذة التي اعتقلت مؤخراً.. فقد يعترفون على بقية زملائهم.. فتجهض عملية الانقلاب برمتها.
2ـ أن يوم 8 شباط 1963 يصادف يوم جمعة.. وهو العطلة الأسبوعية لجميع دوائر الدولة وكذلك مؤسسات ووحدات الجيش.. وبالتالي يعود الضباط والجنود إلى بيوتهم.. ولا يبقى في الوحدات العسكرية سوى عدد قليل من الضباط والجنود.. كما تنقص القوة العسكرية في وزارة الدفاع (مقر الزعيم عبد الكريم) من (5000) عسكري إلى (1500) عسكري فقط.. حيث يكون الباقون في إجازة.. وكلما قل عدد المدافعين سهلت عملية نجاح الانقلاب.

 

3ـ كان يوم الجمعة 8 شباط هو آخر أيام العطلة الربيعية للطلبة.. وخوفاً من تجدد الإضراب الطلابي يوم السبت.. مما يؤدي إلى وضع الجيش في الإنذار وإفشال مخطط الانقلاب.. فقد سبق للزعيم عبد الكريم قاسم أن أوعز بقيام دورية مدرعة في معسكر أبو غريب.. لكنه أوقفها عند بداية العطلة الربيعية للطلبة.. وتجديد الدورية يعني إجهاض الانقلاب.

4ـ تحديد ساعة الصفر للانقلاب الساعة التاسعة صباحاً.. سببه أن تحركات القوات المسلحة أو المكلفين بتنفيذ الانقلاب من عسكريين ومدنيين عادة في الليل.. وسينكشف سريعاً من قبل الأجهزة الأمنية أو الاستخباراتية.. في حين أن التحرك في الصباح وفي يوم عطلة أسبوعية سيكون أسهل.

5ـ إن ليلة الجمعة لاسيما في رمضان.. يعتاد فيها الجنود والضباط أن يسهروا في وحداتهم.. وبالتالي يكون نهوضهم في الصباح متأخراً.. مما يسهل السيطرة عليهم (يجدر بالذكر أن 8 شباط 1963 صادف 14 رمضان).
ـ وسألت أنا (د. هادي حسن عليوي) علي صالح السعدي عن قوله : (جئنا بقطار امريكي).. فأكد اقوله هذا.. مشيرا لعلاقات صالح مهدي عماش واحمد حسن البكر وصدام حسين واخرين ببريطانيا وامريكا.. وكان دعمهم كبيرا خلال الانقلاب!!

مقاومة عبد الكريم قاسم:
ـ حصر عبد الكريم قاسم مقاومته في داخل وزارة الدفاع المستهدفة اصلاً من قبل الانقلابيين بطائرات ودبابات.. والحرس القومي.
ـ فيما طالب الحزب الشيوعي العراقي من قاسم توزيع السلاح لقبر المؤامرة.. لكن قاسم لم يريدها حرباً أهلية.. فرفض بشدة توزيع السلاح للحزب الشيوعي وجماهيره.

ـ اقتصرت مقاومة الانقلاب على وزارة الدفاع فقط.. التي قادها قاسم بنفسه..

ـ لم تعلن اية وحدة عسكرية في كل انحاء العراق رفضها للانقلاب.. أو تأييدها لنظام عبد الكريم قاسم.

ـ وهكذا لم يجد قاسم بعد يوم من المقاومة.. سوى تسليم نفسه ورفاقه الاربعة معه.. مقابل محاكمة عادلة.. وعدم الاساءة على أي من رفاقه.. وافق الإنقلابيون بشروطه!!
ـ لم يلتزم الإنقلابيون بالاتفاق.. وأساؤوا لقاسم ورفاقه.. ثم اعدامه ورفاقه بعد اقل من ساعتين.. خوفاً على انفسهم من بقائه حياً.

ـ وهكذا عاش العراق 9 أشهر في حكم.. لو قورن بحكم صدام 1979 ـ2003 .. يتأكد ان صدام كان أرحم من رفاقه بعثيي العام 1963.