23 ديسمبر، 2024 10:47 ص

من حيث المبدأ فان إغلاق مكاتب “البغدادية” في العراق هو تعدٍ صارخ على الإعلام والإعلاميين والصحافة والصحفيين وجميع العراقيين والناس أجمعين. فقناة “البغدادية” بغض النظر عن أجندتها وما يقال عنها، هي مجرد وسيلة إعلامية تنقل فقط ما يقوله الآخرون وما تصنعه أفعالهم من أخبار تثير مناقشات. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
صحيح أن القناة تحولت الى منبر لنشر غسيل “المقاولين السياسيين” كلهم وعلى الملأ “ويا قوم استروني”، لكنها بدت في الآونة الأخيرة، وربما دون قصد مسبق، وكأنها “بوق” للتيار الصدري وحده دون سواه، مع أنها استضافت فاعلين أو محسوبين على الجهة الأخرى الحاكمة وتحديدا إتئلاف دولة القانون.
وإن كانت لدي ملاحظات “مهنية” حول طريقة تعاطي القناة مع ملف الفساد، وهذا حقها باعتبارها سلطة رابعة، فان الاغلاق والمنع والحظر، والنظر لها بعين “أمنية”، أمر مرفوض تماما، وعلى السلطة أن تحسن قبل كل شيء من أداء إعلامها للرد على “الشبهات” التي يثيرها المتحدثون في “البغدادية” وجُلّهم من الغارقين في وحل الفساد “عيني عينك”. وباؤهم تجر فساد المالكي وإئتلافه “إئتلاف دولة القانون”، وباءُ المالكي وإئتلافه وغيره.. لا تجر.
أريد أن أقول هنا بكل وضوح وبصراحتي المعهودة: إن هذا القرار مهما كانت مبرراته فهو يكشف عن فشل مستشاري المالكي الاعلاميين والسياسيين أيضا في مقارعة حجج الخصوم “وهم طبعا في الأغلب إخوتهم – الأعداء ضمن التحالف الوطني”، وهو علامة فارقة للأنظمة الديكتاتورية مع أنني لم أكن متفاعلا يوما مع ما أطلقه رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني في وقت سابق، وكرره النائب الغائب المستنكف عن حضور جلسات مجلس النواب “إياد علاوي” حول ديكتاتورية المالكي!
وبالمناسبة فان العجز والضعف وسيطرة “الأنا” والكثير من الرذائل النفسانية هي التي تدفع الى اتخاذ قرار الشطب والإلغاء وربما القتل، مع المنتقدين من أمثال “البغدادية” وأمثالي بعد أي مقال أنشره حيث تصلني قائمة طويلة من رسائل التهديد والوعيد وفيها الكثير من الكلمات التي يعفُّ اللسان عن ذكرها. وهي رسائل من “متدينين” إذا توضأ أحدهم حسبته لؤلؤا منثورا من الطهر “وجماله صايم”.
ولعل من اتخذ قرار “شطب” مكاتب “البغدادية” كان في مزاج زادته بؤسا مناقشات شيخ فلان وعلان وبقية المتشبهين المتدينين الذين ظهروا عليها، الذين (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)، وهي مناقشات كانت مملة تسيء لأصحابها أكثر مما تسيء للمالكي وأصحابه، فمصباح الکذب لا ضياء له.
نعم.. إن نشر ملفات الفساد وفضحها هي واحدة من أهم أساليب ردع الآخرين عن الوقوع في هذا الفخ الدنيوي الخطير الذي يترافق مع الكرسي والمنصب و”حب الدنيا رأس كل خطيئة”.
لكن هل من المقبول أن يتحدث الجميع عن الفساد “أسطوانة مشروخة” وهم -جميعا أيضا – متهمون به؟
وماذا حقق هؤلاء “النزيهون” للعراقيين غير “نشر الغسيل” وهم ربما لا يعرفون أن حافر البئر يظل دائما في قعرها؟
وهل أن قرار “الحذف” الذي مورس مع قناة “البغدادية” سيحول دون نشر ملفات الفساد، وبنفس طريقة محققي “لجنة النزاهة” خصوصا ونحن اليوم لسنا في قرية صغيرة وحسب، مع إمكانية الوصول الى أدق التفاصيل “صح وإلا غلط” عن أي ملف حتى قبل أن يجف حبرها كتبت فيه لتوضع في الأدراج؟!
كلا أيها الحكام ويا أيها الزعماء الذين خطفتم “الزعامة” بالوراثة وبغفلة من الزمن الواقف:
أيها السادةُ عفواً كيف لا يهتزُّ جسمٌ عندما يفقدُ رأسه؟
فلا تورطوا أنفسكم مع سلطان الاعلام القادر على الإطاحة بكل رؤوسكم وتذكروا أنها لو دامت لغيرك لما وصلت إليك “وَيُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرين”.
والرأس المقطوع لا يتكلم، كما أن ماء البحر لن يتلوث بفم کلب.
والعاقل يفهم.
مسمار:
لم يعد عندي رفيقْ
رغم أن البلدة اكتظت
بآلاف الرفاقِ
ولذا.. شكلتُ من نفسيَ حزباً
 ثم إنّي- مثل كل الناس-
أعلنتُ على الحزب انشقاقي!.
 “أحمد مطر”
العالم