شبهات حول السنة المطهرة / مع الدكتور حلمي الفقي
إعداد وحوار / احمد الحاج
* ومن الشبهات التي تثار بين الحين والأخر الزعم بتعارض وتناقض واختلاف أحاديث نبوية واردة في كتب السنة والصحاح وغيرها مع احاديث اخرى من السنة ذاتها ، نحو ( لا يوردن ممرض على مصح ) و{ فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد }المتعارض بوصفهم مع حديث {لا عدوى ولا طيرة } ، وحديث{ والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه} المتعارض بزعمهم مع حديث ” الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” ..نرجو توضيح ذلك وفك اللبس والرد على الشبهة .
– قلنا كما قال سلفنا الصالح عبر العصور والدهور : لا تعارض بين آية وآية ،ولا بين آية وحديث ، ولا بين حديث ، وحديث , هذا ما استقر عليه الفكر الإسلامي الرشيد بلا أدني خلاف ، فما ورد مما ظاهره التعارض فمرده إلى الفكر السقيم أو إلى الذهن المريض ، أو الى خبث نية ، وسوء طوية ، ونقول وبالله التوفيق ، مستمدين من ربنا التوفيق والسداد ، والهداية والرشاد :
قد يتوهم بعضهم بوجود تعارض ظاهر فى قول النبي ﷺ: ( لا يوردن ممرض على مصح ) وقوله عليه الصلاة والسلام :{ فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد }وبين قوله ﷺ: {لا عدوى ولا طيرة } .
أولا : حديث 🙁 لا يوردن ممرض على مصح ) وحديث :{ فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد }المتعارض مع حديث {لا عدوى ولا طيرة } ، يوضحان قواعد الحجر الصحي التي يجب أن يلتزم بها المجتمع – أفرادا وجماعات – أثناء الجائحات الوبائية والامراض المعدية التي تصيب الأمم والشعوب فتفتك بها ، وتوهن قواها ، وتذهب بالكثير من خيرة شبابها وفلذات أكبادها ، وهذا ما رآه العالم في كثير من الأمراض المعدية والتي كان من آخرها وباء كورونا .
وقواعد الحجر الصحي التي بينتها السنة النبوية تعد من أفضل سبل الوقاية ، ومن أنجع طرق مقاومة الأوبئة المعدية ، والإسلام يوجب علي المسلم أن يكون حريصا علي صحة غيره من الأفراد كما يحرص علي صحة نفسه وولده ، ويجب على المسلم أن يكون حريصا أشد الحرص على محاربة المرض ومحاصرته ومنع انتشاره ، ويجب على المسلم أن يحافظ على صحة غير المسلم كما يحافظ على صحة المسلم سواء بسواء ، لأن النبي ﷺ يقول في الحديث الشريف { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } والمراد بأخيه هنا في الحديث ، اضافة الى مرادها المتعارف عليه، الاخوة في الإنسانية ايضا كما نص على ذلك النووي في شرح مسلم.
ولكن هل يوجد تعارض بين هذين الحديثين وحديث { لا عدوى ولا طيرة } ، لا يوجد أي تعارض ، فكلمة لا عدوى الواردة في الحديث ليس معناها نفي العدوى كما يتوهم بعضهم ، ولكنه خبر بمعنى النهي ، أي لا يتسبب أحد بعدوى غيره .
فالمعنى المراد من الحديث : نهي للمسلم عن أن يتسبب فى إيذاء غيره بعدوى ، أو بأي مرض معد، ففي الحديث أمر للمسلم بأن يلتزم بالمحافظة علي صحة أخيه الإنسان ، وألا يتسبب فى مرض يعدي أخاه ، والله أعلم .
*هناك شبهة يجعلها بعضهم ذريعة لعدم الآخذ بالسنة بزعم أن معظمها أخبار آحاد ولم يتواتر منها سوى 17 حديثا فقط ، ومنهم من شط بعيدا ليجعل المتواتر منها واحدا فقط الا وهو حديث (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)، ومنهم من طالب بتأويل أحاديث السنة النبوية على ظاهرها دفعا للتعارض ، وبزعم الحفاظ على الدين وتنقيته مما لحق به ..ماهو ردكم ؟
– السنة النبوية فيها أكثر من أربعة آلاف حديث صحيح ، وهذا الرقم وفقا لعلماء الحديث العارفين بأصول علم الجرح والتعديل ، أما من يقولون بأن الحديث الصحيح سبعة عشر حديثا فقط ، فهذا القول لم يذهب إليه واحد قط من علماء الحديث المعتبرين ، فضلا عن أن يكون الصحيح حديث واحد فحسب ، فهذا شطط كبير ، وخطأ عريض، يهدف إلى محاربة الإسلام وليس السنة .
وأما تأويل أحاديث السنة على ظاهرها دفعا للتعارض ، وحفاظا على الدين وتنقيته ، فالتأويل والتوفيق بين الأحاديث علم قديم ، فلدى المسلمين علم يسمى علم مشكل الحديث ، أو مختلف الحديث ، وأول من كتب فيه حسب علمي هو الإمام الشافعي بكتابه مختلف الحديث ، وكتب ابن قتيبة الدينوري كتابه تأويل مختلف الحديث ، وللإمام الطحاوي كتاب في هذا العلم يسمى مشكل الآثار ، فالتأويل والتوفيق يجب أن يخضع لمصادر الدين المعتبرة ، وقواعد الشرع الحنيف ، والأصول المتعارف عليها لدى العلماء الراسخين ، وليس بابا مفتوحا لكل من في قلبه مرض ، أو لديه هوى فى هدم الشرع ، والإتيان على الدين من أصله ، كما يفعل من يسمون أنفسهم بالقرآنيين . والله أعلم
* من شبهاتهم كذلك قولهم اذا كانت السنة النبوية بأهمية القرآن في الحكم والاستنباط وتسيير حياة المسلمين الى قيام الساعة ، فلماذا لم يتكفل الله تعالى بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
– أرسل الخالق سبحانه وتعالى نبيه محمدا ﷺ بالهدى ودين الحق ، وأنزل المولى تبارك وتعالى القرآن على نبيه الكريم ﷺ وقال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } والقرآن الكريم وحي من الله ، والسنة النبوية التي نطق بها محمد ﷺ وحي من الله كذلك
وقد وَكَلَ إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مهمة البيان للقرآن ، فقال عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقال: ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
فقامَ رسول الله ﷺ بذلك خير قيام : يُفَصِّلُ مُجْمَلَهُ ، ويُقَيِّدُ مطلقه ، ويشرح ألفاظه ، ويُوَضِّحُ أحكامه ومعانيه ، فكان هذا البيان منه ﷺ هو سُنَّتَه التي بين أيدينا .
ولما كان هذا البيان منه بياناً لكتاب الله ، فإنه كان مؤيداً في ذلك من الله عز وجل ، وكانت سُنَّتُه وحياً من عند الله ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى).
قال ابن حزم الظاهري في كتابه الإحكام في أصول الأحكام : ” فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذكر ، والذكرُ محفوظ بنص القرآن .
فصح بذلك أن كلامَه صلى الله عليه و سلم كلُّه محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله “.
قال ابن القَيِّم في كتابه مختصر الصواعق المحرقة : ” فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَكُلُّ وَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ ذِكْرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) فَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ ، وَالْحِكْمَةُ : السُّنَّةُ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ السُّنَّةَ كَمَا أُوتِيَ الْكِتَابَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ؛ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ “.
وإن من مظاهر هذا الحفظ لسنته صلى الله عليه وسلم : ما قام به علماء الإسلام وجهابذة من جهد ظاهر ، وعمل دؤوب مُضْنٍ ، في سبيل جمع هذه السنة وتدوينها ، ووضع القواعد التي تضبط روايتها ، وتحدد قبولها من ردها ، وتمحص أحوال نقلتها ورواتها .
فالسنة تكفل الله بحفظها ﷺ عن طريق هؤلاء الرواة الذين سخرهم لحفظ سنته .
قال الحافظ ابن رجب : ” فأقامَ اللّهُ تعالى لحفظِ السُّنَّةِ أقواماً ميَّزوا ما دخلَ فيها من الكذبِ والوهم والغلطِ ، وضبطُوا ذلكَ غايةَ الضبطِ ، وحفظوه أشدَّ الحفظِ “.
وصفوة القول : أن السنة النبوية محفوظة بحفظ الله تعالى ،وكل ما صدر عن النبي ﷺ من قرآن أو سنة فهو ذكر والذكر محفوظ بحفظ الله تعالى
والله أعلم .
* هناك من يرد أحاديث علامات الساعة الصغرى والكبرى برمتها ويرفض الأخذ بها ،صحيحها وحسنها وضعيفها ، لأنها أحاديث آحاد ، داخلة فيما يسمى بعلم ” الاسكاتولوجي ” أو علم الاخريات أو أحداث آخر الزمان ، أو نهاية العالم ، ما تعقيبك على ذلك ؟
– أولا أحاديث علامات الساعة ليست كلها أحاديث آحاد بل فيها أحاديث صحاح كثيرة ، إخبار النبي ﷺ بعلامات الساعة ليس ادعاء للغيب ، بل هو من الغيب الذى علمه الله تبارك وتعالى لرسوله الكريم ، قال تعالى : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا } والنبي ﷺهو ممن ارتضى رب العالمين اطلاعهم على بعض الأمور الغيبية .
ثانيا : قوله تعالى : { لا تأتيكم إلا بغتة } لا يعارض أحاديث علامات الساعة وأشراطها ، لأن القرآن الكريم نفسه قد أخبر عن بعض علامات الساعة ، كخروج الدابة ، ويأجوج ومأجوج ، ومن المعلوم أنه لا يوجد في علامات الساعة ، وقت محدد لقيامها بل هي علامات وأمارات على قرب قيام الساعة ،وأما حديث { ما المسئول عنها بأعلم من السائل } فالمقصود منه إثبات أن علم جبريل عليه السلام بالساعة أوسع من علم النبي ﷺ وليس نفي علم النبي ﷺ بالساعة نفيا مطلقا ، وهذا الحديث نفسه قد تحدث فيه النبي الاكرم عن بعض علامات الساعة فعجيب جدا أن يأخذوا من الحديث الواحد بعضه ويتركوا بعضه .
*لماذا البخاري ومسلم تحديدا من تسلط عليهما جل الحملات التحريضية الاستشراقية والتنزويرية وهي ماضية على قدم وساق وعلى مدار الساعة بزعم التمحيص والتجديد والتصحيح والتصويب ، هل لأنهما الاصح تحقيقا ، الأدق دراية ورواية ،الأوثق سندا ومتنا ، أم لوجود أجندات خفية وبروباغندات تقف وراء تلك الحملة الشرسة وتعمل على دعمها وتمويلها يراد منها ما يراد ، ووراء الاكمة ما وراءها يأتي في مقدمتها العمل على فك الارتباط بين القرآن الكريم والسنة النبوية ..بين الكتاب والحكمة في خطوة استباقية سيتبعها ولاشك وبعد الفراغ منها والنجاح فيها – خابوا وخسئوا ، التحول الى القرآن الكريم هذه المرة للتشكيك فيه والطعن به قبيل إطلاق ما بات يعرف بـ” الديانة الابراهيمية ” على وصفهم ، او الديانة الوهمية على وصفنا .. هل أن تركيزهم على الصحيحين ،البخاري ومسلم ” في لعبة مكشوفة ” مرده الى ان التطرق الى أحاديث وردت في كتب اخرى غير الصحيحين قد اوردت بعض الضعيف الى جانب الحسن والصحيح كما اسلفنا قد يقلب السحر على الساحر وقد يقلب لهم ظهر المجن ويردهم على أعقابهم خائبين ، الا ان التطرق الى البخاري ومسلم لوجود الصحيح من الاحاديث بين دفتيها فحسب ، سيجعلهم – بزعمهم – يحققون مرادهم ويصلون الى غايتهم ؟
– الحملة على السنة النبوية لا تقصد إصلاحا ولا تنقية ولا تنويرا بل هي حملة علي الإسلام تهدف إلى الاتيان عليه من أصله ، ولكن هيهات لهم ما يريدون فلم نسمع يوما عمن تمكن من حجب نور الشمس عن العالمين ، والسنة النبوية هي جزء من نور الله المبين الذي أرسل به محمدا ﷺ إلى العالمين ، قال تعالى { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون }.
ولكن لماذا تستهدف الحملة على الحديث الشريف في المقام الأول صحيحي البخاري ومسلم أولا ، وثانيا شخص الإمامين الجليلين ، نقول لو كان مثل البخاري ومسلم في أية أمة من الأمم لأ تخذوا منهما قدوة للأجيال ، ولصاروا مفخرة من مفاخر القوم ، واعتبروهما إرثا حضاريا إنسانيا ، والحملة المأجورة على السنة المطهرة تستهدف كتابيهما لأنهما الاصح بعد كتاب الله تعالى ، ولو تم لهم ما أرادوا ، ولن يكون بإذن الله أبدا ، فيكونون بذلك قد قضوا على السنة المباركة أحد شقي الوحي المنزل من عند الله تبارك وتعالى ، فتكون مهمتم الأخيرة القضاء على القرآن الكريم ، وكلنا يقين أن شيئا من هذا لن يحدث بإذن الله تبارك وتعالى ، لأن هذا هو الذكر المبين المحفوظ بحفظ رب العالمين . والله أعلم