18 ديسمبر، 2024 6:47 م

سلسلة منابر الخوف ………الاسايش (الجزء الثاني)

سلسلة منابر الخوف ………الاسايش (الجزء الثاني)

تسعى الحكومات الاستبدادية الى استخدام الارهاب كوسيلة لإرغام الشعب على الاستسلام والخضوع لجبروتها من خال إشاعة الروح الانهزامية، والخضوع لأفكارها، ومطالبها الظالمة، والمستبدة. وتستخدم الانظمة المستبدة الإجراءات القمعية التي تشمل صور الاعتقال والتعذيب والاغتيال والتهجير … الخ، وهذا ما يطلق عليه ارهاب الدولة. لتحقيق هذا النوع من الارهاب تحتاج الدولة الى الاداة التي تنفذ الاعمال التعسفية بحق الناس، وفي العادة تكون هذه الاداة متمثلة بالجيش، والاجهزة الامنية، والاستخباراتية، والمليشيات. فمن خلال هذه الادوات يسعى النظام الاستبدادي الى التحكم بالقرار السياسي، ونهب الثروات، وخلق كفاءات تخدم طمعها وطغيانها، وأعوان وحاشية تساعد على بقائها وبقاء ملكها وعرشها، والمحافظة والتغطية عليها في سلب شعبها ومصادرة ثروات أوطانها، والهيمنة الضمنية على المراكز الإعلامية، والقيام بممارسة الاضطهاد الفكري والجسدي، وافتعال أو تغذية الخلافات القبلية والطائفية والدينية وإيصالها إلى حد الصراع والتصفيات الدموية، واستنزاف طاقات الشعوب في النزاعات والحروب الإقليمية المدمرة.
ان الاعمال اللاإنسانية التي مارستها قوات الاسايش بحق المتظاهرين السلميين في محافظات الاقليم في السنوات الاخيرة كانت واحد من صور الارهاب التي تمارسها الدولة بحق المتظاهرين. لقد قامت قوات الاسايش بالاعتقالات والضرب والتعذيب بحق المتظاهرين وايضا وصل الامر الى اطلاق الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين مما ادى القتل وجرح العديد. ان الغريب بالأمر ان المتظاهرين لمن يكونوا من السياسيين، ولكن كانوا معلمون وموظفون في الاقليم خرجوا للمطالبة برواتبهم ومستحقاهم المالية المتأخرة وايضا طالبوا باستقالة حكومة الإقليم ومحاربة الفساد بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة في الإقليم. ان الوحشية التي استخدمت ضد المتظاهرين كانت كفيلة بجعل منظمة هيومن رايتس ووتش توثيقها وذكرها في تقاريرها السنوية بحيث ذكرت إن قوات الأمن ملزمة بحماية الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وأن القانون الدولي يحمي الحق في التجمع السلمي، مع قيود لا يسمح بها إلا في ظروف محدودة. المشكلة ان حكومة الاقليم سخرت اجهزتها الامنية لحماية مصالحها وليس لحماية المواطن ودائما ما تحاول الأجهزة الأمنية الاستعانة بوسائل الاعلام التحزبية لتشوية صورة المحتجين من خلال نشر الاشاعات المحرضة ضدهم او تسميتهم بأسماء عديده مثل خونه او عملاء او مخربون وذلك لغرض الابتعاد عن كل ما يثير التعاطف الشعبي والدولي مع المحتجين، وأن يتعمدوا إظهار وجود خسائر في صفوف القوات الأمنية في كثير من الاحيان لتشوية صورة المتظاهر السلمي.
وواحدة من صور البطش تتمثل في جهاز الاسايش في مدينة السليمانية الذي تورط بالعديد من عمليات التصفية الجسدية لمعارضين لممارساته، حتى من المنتمين للاتحاد الوطني الكردستاني، سواء من صحفيين أو أساتذة جامعات أو شخصيات سياسية من الدرجة الثانية والثالثة. ويمكن لمن يرغب بالمزيد من التفاصيل أن يعود إلى تقارير المنظمات الحقوقية ويطلع على سلسلة الاغتيالات التي حدثت في السليمانية منذ إنشاء هذا الجهاز والتي، ويا للعجب، سجلت جميعها ضد مجهول، في وقت يباهي جهاز (الاسايش) فيه بدقته وقدرته على صون الأمن في محافظة السليمانية. أن تسجل جريمة اغتيال ضد مجهول في بغداد لا شك أننا جميعاً نعرف الواقع اليومي هناك. ولكن أن تسجل جرائم تصفية عديدة ضد مجهول في مدينة آمنة مثل السليمانية تعادل بحجمها الصغير أحد الأحياء في عاصمة مثل بغداد، أو عمان، أو دمشق، أو الرياض فمن حقنا جميعا أن نسأل: كيف؟ وأي غباء يتطلبه العقل كي يقبل بهذه الكذبة؟ كيف يمكن لأي جهة أن تنجح في الاستتار كل هذه السنوات من يد العدالة وأجهزتها، ولكن الجواب يكمن في المثل العامي ” حاميها حراميها”.
لم يتوقف بطش قوات الاسايش داخل الاقليم فقط وانما تعدى الى ما وراء ذلك، فبمساعدة قوات البيشمركة نفذوا الكثير من عمليات التهجير القسري وهدم منازل العرب والاستيلاء على الاراضي في كركوك والموصل وكانت التقارير الصادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش (2015-2017) اكبر شاهد على الممارسات الوحشية لقوات الامن الكردية. ان الغرض من هذه الاعمال هو تغير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة وتوسيع اراضي الاقليم كردستان وتغذية الروح التوسعية لدى الحزبين المسيطرين على الاقليم. ان التهجير القسري الذي تقوم به هذه القوات هو عمل استبدادي يأتي بفعل العنف والقوة ضماناً للإبقاء على مصالحها وسياساتها في المنطقة. ولم يقتصر الامر على التهجير فقط وانما طال اعتقال او اختطاف ابناء العرب وتغيبهم كورقة ضغط على عوائلهم لمغادرة المكان والحفاظ على حياتهم.
ان اساءة استخدام السلطة من قبل الاجهزة الامنية في العراق واقليم كردستان اصبح واقع حال ومن الصعب السيطرة عليه، فلقد سخر العاملون في جهاز الاسايش السلطة الممنوحة لهم لخدمة الحزبين المسيطرين على الاقليم او لتحقيق اغراض شخصية لأفراد الجهاز نفسه. ​​فعلى سبيل المثال ان قوات الاسايش في دهوك تستخدم شرط التخليص الأمني ​​كأداة لمعاقبة أولئك الذين ينتقدون حزبهم السياسي الحاكم أو أولئك الذين يقفون ضد الفساد وان الشرط الامني يستخدم كأداة للتحكم في جعل الناس يصوتون للحزب الديمقراطي الكردستاني وفي المقابل يحصلون على الموافقة على التصريح ألامني للحصول على وظائف في مؤسسة او شركة معينة. هناك الكثير من حالات التي حرم فيها مقدموا الطلبات من الحصول على فرص العمل في إحدى المؤسسات الحكومية قوبلت بالرفض، وبالطبع ليس لأنهم أشخاص ضارون وخطرون او لهم خلفيات إجرامية أو لأنهم لم يحصلوا على المؤهل المناسب للعمل، ولكن لأنهم إما مستقلون سياسيا أو ينتقدون سياسات حكومة إقليم كردستان، أو ضد الفساد أو لأنهم كانوا أعضاء في حزب سياسي مختلف عن الحزب السياسي الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على جميع الوكالات الحكومية في محافظة دهوك. ولم يقتصر دور الاسايش على خدمة الحزب فقط وانما اصبح هناك نوع اخر من الفساد الا وهو استعمال الصلاحيات الممنوحة لهم لتحقيق مكاسب معينة تخدمه افراد الجهاز نفسه مثل استغلال بعض الافراد من عامة الناس لتحقيق غايات معينة، او التعرض، او التحرش، او مضايقة النساء من هن من خارج الاقليم بحجة التدقيق الامني او زج بعض الاشخاص في السجون ممن رفضوا تحقيق طلب شخصي معين لأي فرد من افراد الاسايش.
كما قال جان جاك روسو “الحاكم الفاشل لا ينتج سوى الخواء والفوضى والاضطراب، ولا يعطي مواطنيه سوى الفشل والظلم وذل العوز، فمنظومة الخراب التي تراكمت وترسخت في مفاصل الدولة وزوايا الحكومات المستبدة، كانت البيئة الخصبة التي تستثمرها الطبقة السياسية وجلاديها من تحت اقنعة الارهاب ذي اليد السوداء للاستمرار بالبطش ومصادرة الحريات وقطع الالسن وتكميم الافواه الحرة التي مازالت تان تحت سياط الطواغيت واذنابها الرقطاء..