بعيدا عن الذين يهذرون فيما ينفع وما لا ينفع ، وعن الذين يجترّون قصصا مللنا من تكرارها وسماعها دون مناسبة ، وبعيدا عن نشر الآراء المتقلبة المتذبذبة والمتغيرة “مزاجيا” كل حين ، فأولئك هذا شأنهم وتلك حرياتهم لا سلطان لنا عليهم الا سلطان ضميرهم واخلاقهم الذي نأمل ان يوازن اقوالهم فلا يميلون كل الميل ،
أما انت كرجل راشد خبرت جانبا من الحياة وعندك ما تنصح به ولديك ما ينبّه الغافلين ويصلح المخطئين او يجبر كسور المكسورين او يبصّر الحائرين ويجبب المتسائلين نثرا او شعرا او كلاما مرسلا ، بكلمة او عبارة او سطر او مقال ، فقله وانشره ولا تكتمه ،
قله في المجالس وانشره في المواقع فإنه وان ظننت انه ضئيل القدر قليل الاثر فلربما صادفت كلمتك محتاجا لها منتظرا لسماعها حائرا قبلها فترشده ، او ضالا عن الجادة فتهديه او متسائلا فتجيبه ، ولا تنظر -كما يشكو الكثيرون اليوم دون مجيب- الى كلمات الشكر وعلامات الاعجاب وتعليقات المتابعة فانها ليست غرضا لاهل الخير والاصلاح وليست غاية لاهل الكلمة والحق والرسالة ، ولا تقل لا تاثير لدي ولا متابعين عندي فلِمَ اتكلم ، ولا تعجب ان الناس تابعت التافهات وصفّت وراء الراقصات وتجمهرت حول المهرجين بصفة ممثلين ومطربين تحت مسمى خادع هو “الفنانين” ،فهذه هي غاية المفسدين وبرنامج الشياطين.
ثق ان الجميع يتابعون والكثيرون يقرؤون ، قد لا تطاوعهم ايديهم على وضع اشارة استجابة لانك لا تمثل لهم غاية يريدون نيلها ولا وجها لغانية او متبرجة يطلبون ودها ولا انت بحاكم يتاملون جاهك ويهابون سطوتك وما انت غنيا يحلمون بعطاياك ، وقد لا تسمح لهم عزتهم بالاثم بنطق كلمة يردون لك بها الجميل او يعترفون لك بفضل النصح او التذكير ، “وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين” ولكن لا تتوقف وتترك التائهين للمضلّين ،،
تحت عذر الياس من الناس ، ستؤثر من حيث لا تدري وستُسمع من حيث لا تلحظ ، فالناس يسمعون ويقرؤون واغلبهم ينتفعون ولكن تقصر في افواههم كلمة الحق ويمنعهم جبنهم او حبهم للسلامة من اظهار التاييد ، ألا ترى انك مهما قلت من كلام مفيد فلا يبدو لك ان احدا يسمع لك او يقرأ ما تكتب الا اهل العقل والادب والمروءة وقليل من المثقفين حتى اذا زللت بحرف انبرى لك المصوبون “والحقيقة انهم متربصون” ، وحتى اذا قلت رايا في شيء من ضلال بعض العوام او نقدت ما لا يوافق هوى اهل الاوهام عقّب فورا على كلامك من نسيت انه في مجلسك وغفلت انه على صفحتك لطول سباته وقلة التفاته.
فإذن هم يسمعون ويقرؤون ، فلا تمسك وتبتعد فإن كثيرا منهم سيكلم نفسه بالحق وان لم يظهره لك تكبّرا ، وكثيرا منهم سيراجع زلته ويعالج انحراف فكرته وفساد نيته ، وان لم يعترف لك ويستسلم فهذا طبع الناس -الأنفة عن قول الحق ان لم يوافق هواهم- “واكثرهم للحق كارهون” ، ولكن الا ترى الى الدنيا ما زال يشكل الخير فيها كفة كبيرة من الميزان ، فكيف برايك حصل هذا رغم كل القرون من الظلم والافساد وعمل الشيطان ، والذي لم يكلً هو واتباعه ،
فلا تقل ان المثليّة انتشرت والشياطين سيطرت وحكومة العالم الغربية الخفية كشّرت ، وان ابن سلمان وابن زايد وعملاء العراق وطاغية الشام ومعتوه مصر وامثالهم من شياطين الانس صاروا ملوكا آمرين وحكاما معينين مطاعين ولا حيلة لنا حيالهم ولا نحتمل نزالهم ، فتنطوي وتنعزل بعذر النجاة بالنفس بالصلاح ، فانه لا ينفع المجتمع ان نكون صالحا فحسب بل ما ينفعه ان تكون مصلحا مرشدا هاديا ، ولك على ذلك اجر ، ولا تظن ان هذه مهمة اهل الدين او المعلمين او الخطباء والمرشدين بل هي مهمة الامة كلها ، وهو ما كان شرطا لديمومة خيريتها على الناس وتميزها بينهم ،
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..}