}ومـا محمَّدٌ إلاَّ رسولٌ قد خلت من قبلِـهِ الرُّسُـلُ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يَضُرَّ اللّه شيئاً وسيجزي اللّه الشَّاكرين{.
في أجواء الذكرى الثالثة عشرة لوفاة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، علينا ان نطلق حركة النقد الموضوعي لما وصلت اليه الحركة الإسلامية اللبنانية وسنأخذ حزب الله نموذجا عليها.
وعلى الرغم ان المنظومة الثقافية القرأنية التي قدمها المرحوم السيد فضل الله لها امتدادات في أكثر من بلد وموقع عربي , الا ان لبنان تناولناه هنا بالتحديد لما يمثله هذا الموقع من تميز من خلال التأسيس الذي ساهم به المرحوم فضل الله في شكل رئيسي من خلال التربية والبعد الرسالي المرتبط في الإسلام ك “قاعدة للحياة” وك “أساس” للفكر السياسي الحزبي ,في ظل أجواء لبنانية لها أكثر من خط وأكثر من بعد يتحرك في اتجاهات قومية وماركسية وليبرالية وأيضا ضمن عقليات اقطاعية وذهنيات بدوية وانتماءات مناطقية متداخلة مع بعض ومتشابكة كثيفة التعقيد ضمن لوحة ألوان غريبة الاطوار يعيشها “لبنان” الصعب في تفاصيله والعجيب في احداثه والغرائبي في مجتمعه او مجتمعاته !؟ وكذلك احداثه العميقة في تفاصيلها وتاريخها وبعدها الحضاري وتنوع شخصياته الفاعلة مع كل الصراعات الدولية الموجودة.
نحن نتحدث عن “حزب الله” التي قياداته وافراده المؤسسين تربوا مع “السيد” رغم ذلك فأن المرحوم فضل الله يؤكد التالي: “أنا لستُ زعيم أيّة حركة وميليشيا. عملي هو عمل مسلم مثقّف، أنا مفكِّر ومؤلِّف العديد من الكتب عن الإسلام. مجال عملي يتجاوز إطار حزب أو حركة، وهو يتَّسع ليشمل مسلمي هذا البلد والبلدان الأخرى كلّها، وأفكاري تُتقبّل قبولاً حسناً من الجيل الإسلامي الجديد. إنّما لا أملك أيّة صفة رسمية، ليس لديّ ميليشيات، فأنا لا أؤمن أصلاً بأنَّ السلاح يحلّ أيّ شيء، إنَّما لديّ بضعة حرَّاس شخصيين، لأنّي تعرّضت مراراً لحوادث اغتيال.”
ورغم ذلك ف “جزء” من حركة السيد محمد حسين فضل الله انتج مجاميع لبنانية توجهت للانضمام الى منظمة حزبية عسكرية امنية تحت مسمى “حزب الله” كأحد تشكيلات الأحزاب اللبنانية الدينية في “لبنان” الجميل , هذا البلد “العزيز ” الذي ليس بسيطا في العمق , و لا علاقة مع صغر حجمه الجغرافي مع ضخامة المعلومات و التفاصيل المتشعبة في التاريخ و السياسة و الدين و القصص الشعبية وتاريخ المناطق , فلكل موقع و مكان قصة و حكاية و تفصيل , و لكل دين و طائفة و حزب وشخصيات وجهة نظرها في كل مواقع التاريخ , و حتى الجرائم ضد الإنسانية ليس لها مثيل ولا حتى في الخيال الأكثر اجراما , و للصحفي الراحل روبرت فيسك لوحده كتابا ضخما يقترب من الالف صفحة عن الحرب الأهلية اللبنانية يحكي جزءا بسيطا من البشاعات و الفظائع و الأمور التي لا يتخيلها أي شيطان رجيم قام به اللبنانيون ضد بعضهم البعض ؟!
اذن مع كل هذه التفاصيل انطلق السيد محمد حسين فضل الله في الواقع اللبناني حيث كان في مواقعه يتحرك و يبث الفكر الإسلامي الحركي و معها تحرك المجتمع اللبناني المحيط فيه في تقبل هذه الأفكار و الايمان بها , و بدأ المجتمع الذي كان ينظر ل “حجاب المرأة” على انه لباس الفلاحات , فتحول عن تلك العقلية ليصبح هذا اللبس اعلان عن الانتماء الثقافي للمؤمنات الحركيات اذا صح التعبير, و نحن اذ نطلق هذا المثال البسيط , لنرسل رسالة عن مدى التحول الاجتماعي الذي أقامه السيد فضل الله في الواقع اللبناني المحيط به , ومع حركة السيد كذلك رأينا الشباب اللبناني اكتشف ان حلول مشاكله و أيضا الإجابات عن تساؤلاته المعرفية يجدها في داخل الخطاب الثقافي القرأني الذي اطلقه المرحوم “فضل الله” على امتداد الواقع اللبناني , و في تطور هذه الحركة تفاصيل و مراحل صعود وتضخم للحركة الإسلامية اللبنانية , و التي شكل “جزء منها” المنظومة الحزبية الأمنية العسكرية المرتبطة لاحقا مع نظرية الحكم الإسلامي لولاية الفقيه تحت مسمى “حزب الله”.
نحن سوف نناقش في شكل مباشر سلبيات هذه المنظمة الحزبية بعد أكثر من أربعين سنة على تأسيسها وخروجها من عباءة السيد فضل الله، حيث خلقت حالة من الوجود والتواجد في الواقع اللبناني الرسمي والشعبي.
حاليا تعاني هذه المنظمة الحزبية من عدة نقاط سلبية تتحرك في تدميرها الذاتي من خلال ابتعادها عن أساسها الفكري الثقافي و هو الإسلام نفسه !؟ يقول السيد فضل الله بهذا الخصوص ضمن مقابلة صحفية مع جريدة النهار “دراسة الواقع في حركة الاسلاميين، وربما غيرهم من بعض العلمانيين والقوميين، من حيث الاستغراق في السياسة الاستهلاكية، وذلك بالطريقة التي تنفصل فيها عن القاعدة الفكرية التي تحدد للأنسان خطوطه العملية في وعي مفردات السياسة أو التحرك في مجالاتها، وخصوصا أن الساحة العامة في المنطقة العربية ادخلت السياسة في باب الاستهلاك بدلا من أن تدخله في حركة الانتاج، ولهذا اصبحت في كثير من اشكالها تمثل الشعار الذي يراد منه اجتذاب الجماهير في غرائزيتها، بدلا من التخطيط للحركة المستقبلية في ما تعطيه المسألة السياسية من سلب هنا أو ايجاب هناك. لذا كنت أفكر أن نظرتنا إلى الواقع الذي نعيشه ويمتزج فيه الخاص بالعام والمحلي بالاقليمي والدولي، يجب أن تكون شاملة تبتعد عن التجزيئية. وإذا أردنا أن ندرس المسألة السياسية، اي أن نمارس السياسة بعيدا عن الثقافة والاجتماع والاقتصاد، فأننا لن نحصل على اي حل سياسي للواقع، أو لن نستطيع أن نفهم الواقع السياسي في هذا المجال، لان السياسة عندما تنطلق في اي موقع في العالم فانها ترتبط بجذورها الواقعية في حركة الانسان والحياة. ”
اذن حزب الله من خلال فشله من السيطرة على التخلف الاجتماعي الذي اخذ يفرض “عقده و “مخلفات الحقبة العثمانية” على من يفترض انها منظمة عسكرية امنية ذات ثقافة اسلامية وجزء من الحركة الإسلامية العالمية، فتحولت الى “ثنائي شيعي” وهو مصطلح اعلامي سخيف وتافه ومنحرف عن الخط الإسلامي، وهو يلبي غرائزيات مناطقية مذهبية لمن يعيشون العقدة الموروثة وهذا الامر والقبول به يعني ان هذه المنظمة الأمنية الحزبية الأمنية قد تخلت عن شعارها الإسلامي من اجل إرضاء لأفكار دعائية مجتمعية.
وفي هذه المسألة يقول السيد فضل الله:” نحن نعتبر الفكر الذي نطرحه فكراً تجديدياً يريد إخراج التفكير الديني من اللّعبة الطائفيّة التي خلقت كلّ هذه المشاكل إلى الهواء الطّلق، كي يفكّر الناس بالدين كفكر. وعندما نبدأ مع الجيل الجديد بطرح الإسلام كفكر وكشريعة لأجل فهمه ومقارنته بغيره، عندها لن نكون في معرض استثارة الناس باسم الإسلام، كما ندعو أن تناقش المسيحيّة بموضوعية كيلا يستطيع أحد إثارة الناس باسمها.
قد يقول البعض إنّ هذا تفكير مثاليّ لأنّ الواقع غير ذلك. هذا صحيح، ولكنّنا نحتاج إلى تقديم طروحات هادئة كي يتمكَّن هذا الطرح من النموّ بشكلٍ طبيعي. ونحن نطرح فكراً مستقبلياً. نحن نريد للتفكير بشكلٍ عام أن يتحرَّك في السّاحة اللبنانية من مواقف حبيّة حتّى لا يبقى أداة للمتاجرة بيد تجّار السياسة أو الدين.”
“أنا أفكِّر بلبنان الإنسان الذي يشعر فيه الفرد أنَّ إنسانيّته وجوداً وفكراً وكفاءة هي التي تضمن حقوقه وتحدِّد مسؤوليّاته. وعلى هذا الأساس نطرح الإسلام كفكر، لأنَّنا نعتقد بأنّ الإسلام يحقّق إنسانية الإنسان، فنحن لا نؤمن بلبنان الطائفيّ الذي تتوزَّع الطوائف فيه الحقوق على قاعدة خلق الحواجز فيما بينها. ولنكن مثل بقيّة بلدان لعالم، أي دون عقد طائفية. وأنا أقول احملوا أمراء السياسة وضعوهم في جزيرة في البحر وستجدون أنّ اللبنانيّين يكتشفون وحدتهم من دون مشاكل.”
اذن التحول الى تنظيم طائفي يناقض الحالة الإسلامية الحركية القرأنية ويبتعد عن أساس صناعة الحزب الذي من المفترض فيه ان يختزن الرسالة الدينية الثقافية كأساس ومنطلق للحركة وليست المسألة ان يكون الامر شعارا يكون بداخله “طائفية عشائرية وراثية غير معرفية ومناطقية” كما سنفصل لاحقا في سردنا للسلبيات التي يعيشها الحزب.
اذن من هنا نفهم كلام المرحوم “فضل الله” عندما يقول”أن تدخل الحياة السياسية في أي ساحة، معناه أن تستوعب كل مفرداتها. فعندما تعيش في مجتمع بدوي أو متحضر فإنّ طبيعة المفهوم السياسي في إطلاق الفكرة وطبيعة الطرح ومراعاة الاجواء تختلف بين موقع وآخر.”
” انا لا أستطيع أن اتحدث عن شمولية في السلب أو الايجاب، لكنني أتصور أن مشكلة الاحزاب الاسلامية، حتى التي استطاعت أن تنجح في مبادراتها أو مواجهاتها، انها لا تزال تعيش في حمى الخمسينات السياسية التي ادخلت الانفعال في عمق الممارسة السياسية بحيث تحوّل الجانب السياسي في العلاقة بين القيادة والقاعدة، إلى حالة شعاراتية تجتذب الجماهير أكثر مما تثقفهم.
” لان الذين يشرفون على الاحزاب الاسلامية هم تماماً مثل بعض الذين أشرفوا على الاحزاب القومية أو العلمانية. فهؤلاء جميعاً وإن اختلفوا في وجدانهم الثقافي، إلا أنهم قد يعيشون التخلف الذهني بحيث تشكل تجربة الحكم الاسلامي مثلاً مشكلة للأسلام أكثر مما تكون حلاً له، وخصوصاً عندما تعطي صورة سلبية عن الخطوط الاسلامية الثقافية والسياسية والاجتماعية.”
ان ما حصل للمنظمة الأمنية العسكرية “حزب الله” من سلبيات هي “فعل تراكمي” وليس منتوج لحظة زمنية واحدة اذن هذا منتوج تاريخ “شبه طويل” من بداية الانحراف الحاصل في هذه المنظمة التي يفترض انها تمثل امتدادا لنظرية إسلامية في الحكم و هي “ولاية الفقيه” , عندما قام حزب الله”” في قرار خاطئ ليس ذكيا على الاطلاق في السماح في ادخال كل من هب و دب و كل ساقط و لاقط و كل شوارعي في كيانها , من باب تضخيم العدد و الانتفاخ الفارغ , و من اتخذ مثل هذا القرار كان يعتقد انه سيفيد الحركة الإسلامية ممثلة في “حزب الله , في مقابل التنظيم الثاني و هو حركة امل , و التي كما هو معروف انتهجت هذا الأسلوب في تنسيب و إضافة الاعداد بدون دراسة و لا تمحيص , و خاصة بعد تخليها عن الالتزام الحركي الإسلامي بعد مقتل مؤسسها الامام موسى الصدر داخل ليبيا و تلك قصة أخرى.
ولعل ذلك الادخال لهذه المجاميع الغير متدينة والغير ملتزمة أخلاقيا كان بداية السقوط في الانحراف، ومنها تهيأت الأرضية لما هو أسوأ والعن وهو دخول الأموال الطائلة والغير معقولة والغير محدودة بعد حرب 2006 ليتحول الإسلاميون داخل حزب الله من حال الى حال، حيث لوثة المال جننتهم وتفجر الهوس في الدنيا وشراء السيارات الفارهة واطقم المجوهرات للنساء والصرف غير المعقول على الفخفخة والتجارة وشراء البيوت والعمارات ومنها تم إعادة تأسيس وضع اقتصادي وشبكة مالية وحالة سرطانية أكثر سوءا ومتمكنة في الكيان القيادي.
عند ذلك اخذ الناس يسمعون عن تقسيمات عجيبة غريبة عمن هم “قادة وأبناء القادة وزوجاتهم و….” ومن جهة أخرى عمن هم “مجاهدون وامهات الشهداء وزوجاتهم وعائلاتهم”.
حاليا حزب الله كمنظمة، منقسم الى قسمين: الأول: القادة وعائلاتهم وهؤلاء لديهم كل شيء.
والقسم الثاني: المجاهدين: وهؤلاء يتم استغلال سذاجتهم الدينية واخلاصهم في أمور ليس لها علاقة مع التكليف الشرعي.
من هم في القسم الأول طبقة القادة، اصبحت العقدة الاجتماعية حاكمة لديهم أكثر ومنها انطلقت مسألة الطاووسين في القيادات وأيضا إضفاء القداسة على أنفسهم وعائلاتهم وأيضا تقديس فسادهم المالي والمعيشي وشبكات تجارتهم ومن ينتقد او يعترض او يتحرك ضدهم، فأن ارسال البلطجية وازلام الشوارع هو ما هو ممارس، فتحولت القيادة من تكليف شرعي الى حالة مافيوية من ممارسات رجال العصابات، وفيديوهات “صباط السيد !؟” أي “حذاء السيد “على رؤوس المساكين الفقراء أحد الأمثلة الموثقة وهناك قصص أخرى بهذا المجال.
والكارثة الخطيرة الآخري هو نفاذ تيار الخزعبلات والخرافة للجسم القيادي لحزب الله.
اذن لقد تم تأسيس معسكر الانحراف وبناء أساسه السرطاني والذي سيتعزز أكثر وأكثر مع دخول “حزب الله” ضمن “منظومة الحكم والسيطرة لشلة مجرمين الحرب الاهلية اللبنانية الحاكمة”.
هؤلاء المنحرفين دينيا والخزعبلاتيون والذين وضعوا أنفسهم وعائلاتهم وزوجاتهم ومن يرتبط بهم مصلحيا ضمن “طبقة القيادة” كذلك يستخدمون الإرهاب الفكري ضد أي حالة نقدية ويستغلون بخباثة مسألة التجارة “الإعلامية الدعائية ” في الشهداء واهاليهم، وجعلهم “رافعة” لتبرير الاستمرار في الحالة المافياوية المنحرفة البعيدة عن الخط الإسلامي، او في “خلط الحق مع الباطل” وخلق خطاب فتنوي دعائي خبيث يربط نقد السقوط الأخلاقي والفساد ورفضه وعدم فبوله مع العمالة والارتباط مع الأجنبي !؟ فمن يقول “لا” للفساد واستغلال الناس او “لا” لصناعة مافيات هو مشبوه، و “عدو” و “مرتبط” بالأجنبي !؟ في معادلة ابليسية بعيدة عن العقل والمنطق وفاقدة للدليل.
امر “سلبي اخر” وهي التعصب المناطقي حيث تم تحويل “حزب الله” المنظمة الأمنية العسكرية ك “موقع” “تمييز” و”ارتقاء” وسيادة” لأهل الجنوب من المسلمين الشيعة، وليس ك “تنظيم يتجمع فيه مؤمنين في الفكر والثقافة الإسلامية الحركية الملتزمة في نظرية ولاية الفقيه” وهذا تناقض أساسي يسقط كامل الحركة بعيدا عن الخط الرسالي، وهنا المجتمع وعقدة المناطقية هي من يقود الحركة الإسلامية والمفروض ان الامر معكوس، وهذا انحراف اخر إثر ويؤثر على “حزب الله.
ان المقاومة الإسلامية اللبنانية التي حررت جزء كبير من ارض الجنوب اللبناني ماعدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، نقول ان هذه المقاومة الإسلامية فيها من كل المناطق اللبنانية ومن حرر الجنوب هي “الحركة الإسلامية اللبنانية” و”مقاومتها”، ومعروف كذلك شعبيا أحد الاقوال: ان بعلبك هي الخزان البشري للمقاومة الإسلامية وهي في شمال سهل البقاع وليست في الجنوب.
أيضا نحن نسأل: من كانوا اتباع جيش لبنان “الجنوبي” الذي تم تأسيسه صهيونيا من أي طائفة إسلامية؟ ومن اي دين؟ وأي قرى ومناطق جائوا؟ هم من اهل الجنوب جغرافيا؟ ومنهم من هو وراثيا مسيحي او مسلم درزي او مسلم شيعي او مسلم سني، وأساسا منطقة الجنوب اللبناني مختلطة دينيا من جميع الأديان والمذاهب كما هو كل لبنان حيث لا توجد منطقة لبنانية صافية دينيا إذا صح التعبير.
ما اريد ان أقوله: ان الخيانة والجاسوسية والعمالة ليس لها دين او منطقة، ان الخيانة حالة من الشر والسقوط في حلف مع الشيطان، وأيضا من غير الصحيح ومن الخطأ القول ان المسلمين الشيعة هم فقط من اهل الجنوب اللبناني فهناك تقسيمات كثيرة للمسلمين الشيعة داخل لبنان يتجاهلها الاعلام الغربي والمحلي منتوج “جهل” او عدم معرفة او من باب الانجرار بدون تفكير مع كل ما تقوله مؤسسات الغرب الاكاديمية او الإعلامية او لأسباب عقدة اجتماعية داخلية.
ان هناك ما يعرف في ” شيعة الشمال، وشيعة بعلبك، وشيعة البقاع الأوسط والغربي وايضا شيعة الساحل.
وبما يخص “شيعة الساحل” تحديدا فهم أهالي مناطق الضاحية الجنوبية الحقيقيين “الأصليين” وهم كانوا يعيشون ضمن هذه المناطق الذي كان ينتشر فيها المسيحيين أيضا، ان هذه المنطقة ليست منطقة خاصة لأهل الجنوب اللبناني من المسلمين الشيعة، بل كان فيها قبلهم مجاميع وعائلات وبيوتات من المسلمين الشيعة، لديهم عادات وأساليب عيش وأصول وعادات مجتمعية وأيضا مواقع في الدولة اللبنانية سياسيا وثقافيا وضمن مناصب ومواقع مختلفة عن المسلمين الشيعة في الجنوب اللبناني.
ان الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت العاصمة لمن لا يعرف كانت منطقة بساتين وحدائق وتنتشر فيها البيوت الجميلة ورائحة الجو النقي مع تداخل الهواء البحري ب “مزارع الفواكه وأشجار الصنوبر” المنتشرة بكل مكان حيث تقع بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان شرق العاصمة، وهي كانت موقع الانتقال الصيفي والنزهة لأهل العاصمة بيروت.
كان يعيش فيها عوائل وعشائر وبيوتات: ” ال رهاوي، ال السبع، ال رحال، ال الحركة، ال منصور، ال سباعي، ال حرب، ال عناب، ال علامة، ال كنج، ال سليم، ال فرحات، ال خنساء، ال حاطوم …. وغيرهم.
ومن العوائل والعشائر والبيوتات المسيحية: ال دكاش، ال عساف، ال الحسيني !؟، ال كنعان، ال عون، ال يزبك، ال الأبيض، ال عبد النور…وغيرهم.
ولكن المسألة انقلبت رأسا على عقب، بعد هجرة أهالي منطقة الجنوب اللبناني الى الضاحية الجنوبية وانتقالهم اليها بعد الحرب الاهلية والغزو الصهيوني، وهم من يقال عنهم في المصادر الاكاديمية الغربية واللبنانية، ب “المتوالي” او “المتواليين” وهم يختلفون في الطبع الاجتماعي والعادات الشخصية والامتدادات العائلية العشائرية عن “اهل الساحل” او شيعة الساحل. ومع هكذا انتقال بشري يضاف اليه تجمعات مخيمات اللجوء الفلسطيني تدمرت منطقة الضاحية الجنوبية وتحولت البساتين والفيلات الجميلة ومناطق النزهة والترفيه لتصبح شيء مختلف.
ان العقلية الغربية الاكاديمية والصحفية دائما تصور “منطقة الضاحية الجنوبية” ك “منطقة فراغ سكاني ومعماري” لم يكن فيها أحد الى العام “1975” مع بدايات الحرب الاهلية اللبنانية والغزو الصهيوني، وهذا الامر غير صحيح.
وأيضا غير صحيح انه كل شيعي هو “متوالي”، او “عتال ع البور” أي عامل في الميناء ؟!، كما يقول السيد حسن نصر الله امين عام الحزب في أحد خطاباته، وواضح انه الذي قال هذا الكلام يحمل “نفس مناطقي” لأنه يعيش عقدة اجتماعية نفسية !؟ وهذا الكلام اخذ يمتد أيضا ليؤثر على الجهاز الدعائي للحزب نفسه من التلفزيونات واذاعات ومجلات وشخصيات “الردح الإعلامي والتطبيل” التابعة التي تتكلم حسب الأوامر والتوجيه والطلب.
الذي اخذ ينطلق بهكذا دعايات مناطقية غريبة الاطوار و أيضا يتوسع الامر حتى على المستوي التنظيمي الخدمي حيث انتشرت قصة مهمة ذات دلالة عندما اجتمع نائب منتخب في البرلمان اللبناني مع ممثلين عائلات أهالي الضاحية “الحقيقيين” ضمن حملته الانتخابية , وجاوبهم على سؤالهم عن سبب التمييز المناطقي و عدم خدمته لأهالي الضاحية “الأصليين” في التوظيف و المعاملات و الخدمات المعيشية ..الخ بما يفترض ان يقوم به اي “نائب” لأهالي دائرته كأحد واجباته الوظيفية , نفس النائب البرلماني الممثل ل “حزب الله ” يقول لهم علنا : انه لا يستطيع ان يفعل لهم شيئا ؟ وان اهل الجنوب لا يلكشونه ب “أصبع رجلهم” أي لا يعتبرونه شيئا، وانه نفس “اجر للكرسي”، أي خشبة لا تتحرك، أي انهم لا يعتبرونه شيئا وانه لا قيمة له و”لا” وزن و”لا” يستطيع الا خدمة “أهالي الجنوب المستوطنين” في الضاحية !؟ الذي للمفارقة تصويتهم يكون داخل قراهم لمرشحين اخرين ودوائر انتخابية مختلفة وليس في الدوائر الانتخابية التابعة للضاحية.
اما لماذا أعاد نفس هؤلاء الأهالي والعائلات والبيوتات لعائلات الضاحية “الأصليين” التصويت لنفس هذا الشخص، فهذا من عجائب لبنان وأيضا من الأمور الداخلية التي لا اريد التطفل بها.
ولكن هذا مثال مهم وقوي يعطينا الدليل المضاعف كم هي متغلغلة ومتشعبة المناطقية بعيدا عن الحالة الإسلامية الثقافية وبعيدا عن الإيمانيات او الاخلاق او الاخوة الإسلامية، فالولاء للمنطقة وليس الالتزام القرأني هو الحاكم هنا.
وهذه العقلية الغريبة الاطوار نجدها ايضا على مستوى التعامل مع من يردح ويشتم المقاومة الإسلامية، حيث يتم التغاضي عمن يشتم ويسب ويتأمر ويرتبط مع السفارات إذا كان “جنوبي” من باب خليهم يظلون جماعتنا دعوهم يسترزقون؟! وهذه عقلية عشائرية وليست عقلية تنظيم أمنى عسكري، فنجده هنا ايضا يتحول لحالة مناطقية، هي حالة من التعصب الجغرافي.
عن التعصب يذكر السيد فضل الله: “«في مجتمعنا هذا الذي نعيش انتماءات مختلفة. من حقكم أن تختلفوا في الانتماء حسب اقتناعكم لكن ليس من حقكم أن تتعصبوا لانتمائكم. ليس من حقكم أن تحملوا الحقد لمن لا يتفق معكم في انتمائكم. والجريمة الكبرى هي أن تعلموا أولادكم، أيتامكم، طلابكم التعصب. هناك فرق بين أن تكون ملتزماً أو أن تكون متعصباً. من حقك أن تلتزم بما اقتنعت به مائة في المائة ولا تجامل أحداً في التزامك ما دمت مقتنعاً بالتزامك، أياً كان مضمون الالتزام، وعندما تكون إنساناً يحمل فكراً فإنه يملك رحابة أن يعترف بأن من حق الآخر أن يحمل فكراً مخالفاً حتى لو كنت لا تقبل به، أما عندما تكون متعصباً فأنت تزرع الحقد في نفسك ضد الإنسان الآخر، وعندما تنقل تعصبك إلى كل هؤلاء البراعم فإنك تفسد عليهم فطرتهم وإنسانيتهم وتصنع منهم مشروع جريمة وفتنة في المجتمع، لهذا فإنني أعتقد أن كل المتعصبين مجرمون في حق الأمة».”
وفي نشرة فكر وثقافة يقول السيد فضل الله: “”إنَّ العصبيَّة تمثّل حالة جاهليَّة يتحرّك فيها الناس من خلال الذهنية الجاهلية التي لا تنظر في خلافاتها مع الآخر إلى الجانب القيمي أو الجانب المضموني، بل تنظر إلى الجانب الذاتي في مقابل الذات الأخرى، وإلى التجمع البشري في مقابل تجمع بشري آخر، وهذا ما جعل التراث الإسلامي يؤكّد أنّ العصبية في النار”.
اذن هذه كانت اطلالة لسلبيات احد مواقع الحركة الإسلامية في لبنان حزب الله نموذجا وعن ابتعادها عن الخط القرأني ضمن تعقيدات الحركة في الواقع , الذي هو واقع “بشري” من حيث القاعدة و أيضا القيادة , و هذا الواقع يتحرك على الأرض , وطبعا ضمن أجواء هذا النقد علينا ان نقول: ان وجود السلبيات في أي تنظيم او حركة او بشر فهذا من الطبيعي و خاصة عندما تتضخم الحركة و التنظيم ليشمل اعداد من الاف البشر , فهناك الصالح و الطالح و هم بشر و ليسوا ملائكة و ليسوا مقدسين مرتبطين الهيا , فهناك من يسقط و ينحرف و هناك من ينحرف و يتوب و هناك من يتقوى التزامه ويصمد…الخ فالمسالة متنوعة و متعددة لأنها “بشرية” و علينا تحليل كل موقف و كل قرار و كل مسألة من حيث خلفياتها و علاقاتها الجانبية و تمويلها و قاعدتها القرأنية الثقافية ضمن عقل يفكر و ضمير مخلص يريد الإصلاح . والأهم من كل هذا ان لا يصبح الانحراف مؤسسيا وضمن القيادة والقرار والتأثير بل ان يضل فرديا تعالجه المؤسسات والتنظيم، والانهيار الكبير عندما يكون الامر معكوسا حيث الالتزام الرسالي فردي والفساد مؤسسي ولعل ذلك أحد أسباب ما قاله لي أحد الاخوة الأعزاء من عوائل شهداء تفجير بئر العبد؟ عندما سألته؟ اين ذهبوا الأعضاء المؤمنين في الحركة الإسلامية في لبنان؟
جاوبني بالتالي:
” تقاعدوا او أحبطوا؟ والتنظير بقي من دون تطبيق والاسلاميون عندنا في لبنان قدموا أسوأ تجربة في الحكم باستثناء إيران.
ان الحزب نجح في المقاومة ضد الصهاينة ولكنه فشل في السياسة الداخلية وغرق في التفاصيل ولم يطبق النظريات الإسلامية على ارض الواقع في “الحكم”، والحزب لديه سيطرة عسكرية امنية “نعم” هذا صحيح ولكن هو لم يقدم نموذجا إسلاميا في إدارة الدولة بحجة خصوصية لبنان ؟!”
رحم الله السيد محمد حسين فضل الله، وهو في ذكراه الثالثة عشر لرحيله “الجسدي” نحن ننطلق لنقول لكل الشباب المؤمن الحركي عليكم ان تعيشوا القران الكريم في حياتكم وفي أسلوب عملكم، فعليكم ان تدرسوا الآيات وتفهموها ضمن ذهنية تقرأ النصوص لتستوعب إيحاءاتها على حياتكم الشخصية ومجتمعكم، لتعيشوا الايمان والتقوى ولتراقبوا انفسكم ولتجعلوا وحي القران الكريم هو العمود الفقري لصناعة الفلاح والسير على الصراط المستقيم، لتعيشوا تجربتكم الدنيوية بما يرضى الله، وهنا صناعة الحياة وجنة الدنيا والاخرة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾[
د.عادل رضا
طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشئون العربية والاسلامية