الحرب والسلام:
الحرب هي فعل يتجلى للعيان والإحساس بمدى تأثير أدواته، هنالك حروب تخوضها النفس البشرية مع ذاتها من أجل ترويض الرغبات والقيم، ربما يتبادر لذهن من يقرأ هذا أنها مقدمة إنشائية، لكن الحقيقة أنها هي الحرب الفعلية التي تبرز إلى الوجود نتيجة تعاظمها أو اختلال أدواتها عندما تظهر هذه الحرب من أشخاص مؤثرين أو قادة للخير والشر فاعلين.
السلام عند العرب يتمثل في استعادتهم لهويتهم ومحرك تجسيد عقليتهم ونفسيتهم وهي شخصيتهم، عندها سيكون السلام والحرب قرارا عقليا يرجح المصلحة، أما الآن فالسلام مع ضياع الحقوق ليس إلا الخضوع ولا معنى آخر في القاموس يصور الحالة النفسية عند العرب، ومع اضطراب العقلية فإن رد الفعل هو الفوضى وليس الاستقرار، ومما يلاحظ أن رغم الجرائم التي ترتكب يبقى الغرب داعما للمجرم كحكومات مع أن الشعوب حية ومنتفضة وهذا يشير إلى معنى الديمقراطية كآلية، فاعليتها في حماية النظام وليس ما يريد الجمهور فعلا، ونرى الموت السريري للنظم والشعوب السلبية في الشرق الأوسط التي لا تتوانى عن مداراة عارها وعجزها بلوم الضحية، بينما تنزل الخطط تترا لتحول صمود مدينة صغيرة أمام طغيان واستبداد دولي وسلاح متطور إلى هزيمة لم يحققها الطغيان رغم الوحشية وتساعدهم كل القوى التي لم تحافظ على عفتها في المنطقة أفرادا وكيانات، المشكلة أن هذا سيولد الفوضى وارتدادات ضد الأنظمة العربية ويبقي النصر ليس لإسرائيل بل لرئيس وزراء مطلوب للعدالة الدولية، هذا ليس سلاما بل هو زلزال لمقدمة الانفجار العظيم عندما يكون التطرف هو القاضي والحكم.
حالة الأمة:
امتنا ليست عرقا واحدا وليست فئة واحدة، نشأت مستمدة قوتها الأولى من قبائل كانت تطحن بعضها وفرسان يجدون في إذلال العدو شهامة وويل للضعيف الذي لا يلتجئ إلى حلف القوي، لكن الفكرة جعلت من هؤلاء القوم غير القوم وعلت عندهم القيم فاحتضنوها وحملوها لينقذوا الإنسانية من الظلم الذي أدركوا معناه جيدا، وينقذوا الإنسان من الذل الذي رأوه واضحا، ومن عبادة ما يضر ولا ينفع إلى عبادة الواحد الرحمن الرحيم، ونسيَتْ أمة اقرأ أن تقرأ وان تحلل وتفكر وتخطط، تقرأ الواقع وتفتح الطيات (المثاني) فتشيد واقعها بأفضل ما يمكن، فغابت الرابطة العظيمة التي شكلت من متعدد الأقوام والأحوال أمة، فظهرت الروابط الهابطة لتطفوا على سطح الحياة، والروابط الهابطة لا تجمع، القومية لا تعطي منهجا ولا رسالة، وإنما تُكسِب نفوذا لأشخاص يقومون عليها ومع الأيام تتضارب المصالح ومناطق النفوذ بينهم فلا تنقذهم رابطتهم الهابطة وبدل أن يكونوا جزء من أمة يصبحون أدوات للهدم وهم يظنون كال الظن أن نجاحهم بانكسار إخوانهم ومن فقر منظومتهم العقلية يغتني الغريب، ومن اختلافهم يسمد الغريب الأرض ليبذر ويحصد، والا لم يجتمع العرب وهم ينادون بوحدتهم ولا غيرهم من القوميات التي باتت أقليات بدلا من أن تنتمي إلى أمة عظيمة، والطائفية التي تخلق العماء الفكري والحياتي وليس بالإمكان أن تجد فيها معالم البناء وهي معول هدم أساسا للامة العظيمة بل وادي من نار سحيق يمنع تقارب الشتات من بعضه.
الأمة الآن في طور التشتت السريع بانقطاع الروابط لتكون كيانات ليست دول الحقيقة فتعريف الدولة لا ينطبق عليها تصرف ثرواتها بالتآمر على بعضها وعلى نفسها دون أن تحس فباتت كالثعبان الذي يلتقم ذيله، وتحولت الناس إلى مناطق وطوائف وقبائل داخل هذه وتلك، بل إلى أفخاذ وعوائل داخل القبائل والعائلة إلى اسر والأسر باتت أفرادا، وهذا منتهى التشتت الذي يجعلها في رمال متحركة كل حركة تقودك إلى الاختناق وان ثبت فانت تنتظر الموت بعذاب الزمن.
القضية الفلسطينية:
متاجرة الصهيونية باليهود باتت ورقة غير فاعلة فقد انكشف الأمر وبان دور الصهيونية الذي بنيت كفكرة من أناس كارهين لليهود لأنهم يهود ولهم تميزهم كمجتمع داخل أوربا، ويتحدث الصهاينة عن حدود لأرضٍ مغتصبةٍ ويثيرون الفتنة مستغلين علو الروابط الهابطة والناس مختلفة وممزقة وان أمة اقرأ لم تعد تقرأ وإنما كمن هم تركوا الذئب يرعى غنمهم، فالصراع ليس الأرض وهي تتسع إلى الجميع ولكن الصراع هو بين الإخضاع والإذلال وبين أن يقبله البعض وبين بقايا أمة رفضت الإذلال والخضوع فباتت غريبة في شكلها وسلوكها ومضمونها، وتحول المشتتون في فكرهم وانتمائهم من بدايتهم كمدافعين عن حق وحقوق إلى مناوئين لمن يدافع عن الحق والحقوق لامة هؤلاء المتراجعين جزء منها.
اليوم يوجه الإعلام عن قصد أو غير قصد في جعل المشكلة بين نتنياهو وحماس، ويركز على 7 أكتوبر ونحن الآن في سنة ثالثة من حرب غير متكافئة لكنها صراع الحقيقة ليس على الأرض وإنما بين إرادة الإخضاع ورفض الخضوع، لان لا سلام بهيمنة اللص على الدار، والمشكلة ليست باليهود كدين ولا بالتعايش وهذا ما أظهرته مشاهد تسليم الأسرى كحقيقة موثقة ومسجلة، ولا اليوم السابع نفسه وقد اعترف الصهاينة انهم من قتل المستوطنين بالخطأ لكن الإعلام يغفل هذا أو نسي كما نسي أبونا آدم أن إبليس عدوه.
ما لحل:
الحل ليس بسلام شكلي في باطنه الإخضاع فلا يوجد في قاموس اللغة ما يفيد في تفسير واقعنا ليصف حالة السلام المطلوب غير هذا، ولقد تطرقنا في مقال مطول عن القضية الفلسطينية إلى حلٍّ للقضية الفلسطينية ممكن الرجوع إليه بإنشاء دولة واحدة ديمقراطية وبتفاصيل اهم من التسميات التي لا أضعها إلا لتقريب الفكرة، وهي إشارة لبناء أمة من الجميع وفق قواعد الاختيار وليس الإضرار والإخضاع والإجبار.
أما المنطقة ككل، ولكي تكون شريكا مع صغر العالم فلا يحلم أحد أن يفيد منها وفق قواعد الإخضاع عن طريق إخضاع القادة، فهذا أذى للإنسانية وتضييع للإعمار والزرع والإثمار، بل عليهم إن يعكسوا جهودهم أو يتركوا الأمة نفسها تستعيده نفسها عنده ستكون شريكا حتميا لحل مشاكل البشرية المتراكمة؛ أما الظن بان ينشغل الناس بحياتهم اليومية ومعيشتهم ويقبلون الخضوع والاستعباد والاستغلال كقدر مقدورا فهذا تفكير قاصر منطلق من عقلية مستعمر ينظر إلى البشر هنا أن لا مناص من قبوله في الحياة كمستهلكين في سلسلة من العبودية لا يسلم منها احد من العالم وهذا فشل للبشرية ساحق.
محمدصالح البدراني