أعلنت حركة حماس استعدادها لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين ضمن خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تضمنت عشرين بندًا تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس، مع برنامج لإعادة الإعمار وإعادة تنظيم الوضعين السياسي والأمني في القطاع.
تسعى الخطة إلى تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، بضمانات دولية وإقليمية، بما يضع الأساس لترتيبات أمنية جديدة في المنطقة.
تأتي خطة ترامب في ظل ضغوط داخلية وخارجية متزايدة .
في الداخل الإسرائيلي، يعاني الجيش من استنزاف معنوي وقتالي غير مسبوق، بحسب اعترافات جنرالات كبار، فيما تعيش الجبهة الداخلية حالة من الانقسام الحاد والاضطراب الاقتصادي العميق. أما على الصعيد الخارجي، فقد انهارت صورة إسرائيل في العالم، وواجهت موجة إدانات دولية غير مسبوقة بسبب جرائمها في غزة، إضافة إلى تحقيقات من المحكمة الجنائية الدولية وملاحقات قانونية ضد مسؤولين إسرائيليين.
كما شهد التحالف الغربي التقليدي الداعم لإسرائيل تصدعًا واضحًا، في ظل تحرك دبلوماسي عربي وأوروبي (سعودي–فرنسي) أفضى إلى موجة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية.
جاءت خطة ترامب تحت وطأة هذه الضغوط لتقدّم مشروعًا لوقف الحرب، غير أن كثيرين وصفوه بأنه مشروع باهت أو بائس يهدف إلى حفظ ماء وجه الأطراف أكثر من تحقيق سلام حقيقي.
فقد استغل نتنياهو وحكومته المبادرة لتكون غطاءً لاستمرار أجنداتهم، بعد فشل محاولات الإبادة الجماعية والدمار الشامل في تحقيق أهدافهم بطرد الفلسطينيين من أرضهم.
إلا أن الخطة – ضمنيًا – اعترفت بفشل مشروع التهجير القسري، وأقرت بضرورة تأجيل إدارة القطاع من قبل السلطة الفلسطينية، في خطوة تهدف إلى طمأنة إسرائيل بأن قيام الدولة الفلسطينية غير وارد في المدى القريب.
ورغم ذلك، تضمنت الخطة بندًا بعنوان «مسار نحو تقرير المصير الفلسطيني»، يفتح الباب أمام إنشاء مسار موثوق نحو الدولة الفلسطينية عند توفر شروط معينة، ما يشير إلى اعتراف مبدئي بوحدة الضفة والقطاع تحت سلطة فلسطينية واحدة.
الخطة لا تتجاوب مع المطالب الفلسطينية والعربية والإسلامية القائمة على حلّ الدولتين، ولا يمكن اعتبارها اتفاق المنتصر لأن الحرب لم تُنتج طرفًا منتصرًا وآخر مهزومًا.
لذا فإن التعامل الواقعي والبراغماتي مع الظروف الدولية الحالية أصبح ضرورة، فالمرحلة تتطلب زيادة الأصدقاء لا الأعداء، خاصة وأن إسرائيل باتت تفقد حلفاءها التقليديين بفعل سياساتها العدوانية.
إن قضية غزة لم تعد مجرد عنوان لمعاناة فلسطينية، بل أصبحت قضية إنسانية عالمية خارج نطاق الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وباتت إسرائيل تُعرَف اليوم بانعزالها نتيجة جرائم الإبادة بحق المدنيين.
جاء ردّ حركة حماس على الخطة غامضًا وغير حاسم؛ لم تعلن قبولها الكامل ولا رفضها القاطع، بل تعاملت معها كمجال للمناورة، مع التركيز على إطلاق سراح الرهائن وقبول فكرة إبعادها عن إدارة غزة مؤقتًا.
يبدو أن ترامب اقتنع مبدئيًا بموقف حماس هذا، فطلب من إسرائيل وقف القصف الفوري على غزة.
وفي ظل غياب بدائل واقعية، فإن قبول الخطة يصبح أمرًا حتميًا، ليس لجودتها، بل لأنها السبيل الوحيد لوقف الحرب وإعطاء مساحة للتفاوض.
من الواضح أن حماس ستخرج من المعادلة السياسية مؤقتًا، ساعية إلى الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتها الرمزية.
أما إسرائيل، فإن وحدتها الداخلية ستتصدع بسبب الخلافات بين أجنحتها المتطرفة، بينما يعرف نتنياهو جيدًا أنه بلغ أقصى ما يمكن تحقيقه عسكريًا.
ومن المرجح أن يؤدي السلام الهشّ المرتقب إلى نهاية المسار السياسي لنتنياهو نفسه.
تبقى غزة رمزًا للصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال، رغم الحصار البري والبحري والجوي، فيما يستمر قضم الضفة الغربية على يد المستوطنين وسط صمت دولي.
لكن مع كل ذلك، يظل الفلسطيني قادرًا على الحياة والمقاومة.
وفيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية يتوجب عليها القيام بإصلاحات إدارية وتشريعية ، وتوحيد النظام السياسي على قاعدة «قانون واحد، وسلطة واحدة، وأمن شرعي واحد»، مع برنامج وطني عملي وواقعي.
لقد آن الأوان لأن يتعامل الفلسطينيون والعرب بقدر أكبر من البراغماتية السياسية، وفق مبدأ «خذ وطالب».
فالأهداف الكبرى لا تتحقق دفعة واحدة، بل عبر خطوات متراكمة وواقعية تحفظ الثوابت وتحقق الممكن في ظل موازين القوى الراهنة.
ويبقى التحدي الحقيقي في إدارة الخلافات لا تجنبها، من أجل الحفاظ على تماسك الموقف الفلسطيني والعربي والسير بثبات نحو دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.