سلام كاظم فرج القاص والناقد الذي كتب بضمير الوطن

سلام كاظم فرج القاص والناقد الذي كتب بضمير الوطن

في زوايا الذاكرة الثقافية العراقية، تبرز أسماءٌ اشتبكت بالكلمة كما يشتبك المجاهد بسلاحه، ومن بين هذه الأسماء يسطع اسم القاص والناقد سلام كاظم فرج، الذي اختط لنفسه طريقًا متين البناء، متأملًا في الحياة ومفككًا لخطاباتها، ساخرًا حينًا، وناقدًا صارمًا في أحيان أخرى.

ولد سلام كاظم فرج في مدينة البصرة عام 1951، المدينة التي كانت ـ وما تزال ـ مهدًا للثقافة ومرآةً للجدل بين الجمال والانكسار. تلقّى تعليمه فيها حتى أنهى المرحلة الثانوية، ثم انتقل إلى بغداد ليلتحق بكلية العلوم السياسية في جامعتها، ويتخرج في العام 1973-1974، حاملاً في عقله نَفَسًا تحليليًا سياسيًا، سيترك أثره لاحقًا في قراءاته الأدبية.

في عام 1986، انتقل مع أسرته إلى قضاء المسيب بمحافظة بابل، حيث استقر وأكمل مشواره في الوظيفة العامة، حتى تقاعده. غير أن الوظيفة لم تطفئ جذوة الإبداع في داخله، بل ربما كانت عزلته الوظيفية وهدوء البلدة محفزين إضافيين لصوت القصة الذي لم يخفت، وصوت النقد الذي اشتدَّ حضوره.

في عام 1973، نشرت له جريدة الأخبار الثقافية أولى قصصه بعنوان “الشمس أنثى نسر”، وقد كانت هذه القصة إعلانًا عن ولادة صوت جديد، لا يكتب من فراغ، بل من مرجعيات فكرية وتأملات سياسية، تتخفى خلف سطور السرد، وتفضح هشاشة الواقع ببلاغة غير مباشرة.

وفي كتابه القصصي “رميت الورد” تتجلى لغته الهادئة، التي تنبض بالإيحاء، حيث لا يتعالى الصوت بل يتسلل إلى القارئ بخفة، حاملاً معه دهشة المفارقة، وسخرية مضمرة تكشف قبح العالم بتأنٍ لا يخلو من مرارة.

أما في كتابه النقدي “الشخصية الثورية في أدب نجيب محفوظ” الصادر عام 1970، فقد قدم دراسة مبكرة وناضجة، حازت الجائزة الأولى في النقد الأدبي في حينه، ولفتت الأنظار إلى قدرته على تفكيك النصوص برؤية معرفية ووعي اجتماعي.

حصل على الجائزة الأولى في القصة القصيرة ضمن جائزة جعفر الخليلي عام 2009 عن قصته “ذبالة بردي”، وهي قصة حافلة بالدلالات الرمزية التي تمتح من الواقع العراقي وتحيله إلى مشهد سردي مرير، يتأرجح بين التهكم والمأساة.

انتمى إلى اتحاد أدباء وكتاب بابل عام 2008، وكان عضوًا فاعلًا في منتدى أدباء المسيب، وأسهم في تنشيط الحركة الثقافية في المنطقة، عبر قراءاته النقدية ومداخلاته الحادة التي لا تجامل على حساب النص.

 

كما تولّى مسؤولية ملف النقد الأدبي في صحيفة المثقف التي تصدر في سيدني – أستراليا، وكتب في العديد من المنصات الثقافية، أبرزها الحوار المتمدن والناقد العراقي، حيث نشر أكثر من 200 مقال نقدي وفكري.

رأي النقاد فيه

يرى نقاد كُثر أن سلام كاظم فرج ينتمي إلى جيل من النقاد الذين لم يهادنوا النص، ولم يركنوا إلى المجاملات الثقافية. يُقارب النصوص بوعي نظري رصين، ويتتبع بنيتها الداخلية بعين تقرأ ما وراء اللغة.

في موقع الناقد العراقي، وُصف بأنه من الأصوات النقدية الملتزمة والرصينة، التي تغني الثقافة العراقية بعيدًا عن الصخب الإعلامي أو النجومية المجانية.

كما أن ترجمته في كتاب “أدباء وكتّاب المسيب” للباحث مهدي حنون المعموري (ص119–122)، لم تأتِ اعتباطًا، بل اعترافًا بمكانته بوصفه قامة أدبية تمثل الجيل الذي واصل الكتابة رغم الإقصاء، ورفع راية القصة والنقد حين تراجعت قيم الثقافة في محن العراق الطويلة.

وسلام كاظم فرج ليس مجرد قاص وناقد، بل هو حالة ثقافية كاملة، جمعت بين صرامة الفكر، ونعومة السرد، وجرأة الموقف. لم يركن يومًا إلى سلطة، ولم يغفل عن رصد هشاشة العالم المحيط به، بل ظل شاهداً ومشاركًا، كأنما يكتب ليحمي ذاكرة البلاد من النسيان.

المصادر:

– لرحيل صوب وردة النقد” – صحيفة المثقف

-سلام كاظم فرج وقصيدة (أفكر بالجميلات…)” – موقع الحزب الشيوعي العراقي

-حوار مفتوح مع الكاتب والأديب سلام كاظم فرج” – صحيفة المثقف

-سلام كاظم فرج – جمعة اللامي ..رائد النصوص المفتوحة في الأدب العربي” – الحوار المتمدن