22 نوفمبر، 2024 11:36 م
Search
Close this search box.

سلام زيطة

لم ينهي دراسته المتوسطة، فكان عليه ان يلتحق بالجيش جنديا، لكنه كان يحب الطيور ولا يريد ان يفارقها او يفارق منطقته الكفاح التي نشأ فيها قريبا من مركز بغداد التجاري. لقد كره الحرب وكره اللون الخاكي فلقد اختطفت الحرب من قبل اخيه الاكبر. عمل ابيه في بيع صابون الركَي منذ زمن ، ورغم ان الدراسة كانت تمد فرصة بقائه مدنيا وبعيدا عن الموت الا انه فقد هذه الفرصة فالحياة اصبحت معركة. يدرس كي يهرب ويهرب لكي يحيا هكذا اصبح للهروب مفهوما مرتبطا بالحياة.
اللعنة بدات عندما اصبح في الثامنة عشر من العمر وخُتِمَ دفتر خدمته العسكرية بتسويقه الى معسكر تدريب مشاة بغداد الاول، كي يصبح جنديا – وهو التعبير المهذب للوقود الجاهز لنار الحرب ، او هو مشروع ميت – هكذا فهم سلام العسكرية. كم كان يود لو انه لم يصل الى هذه النقطة الحرجة من العمر وبقى في السابعة عشر الى ابد الآبدين.
صعد كعادته الى السطح حيث برج الطيور والسماء، طيوره التي الفها والفته فهي تحلق في سمائه طارده قلقه وخوفه. عيون امه واخوته تحمل الكثير من الاسئلة فقد تجاوز زمن الالتحاق بالعسكرية، مر زمن ثقيل قبل ان يتذكره الرفاق الحزبيين ويطرقوا الباب : سلام وين ؟!
كان سلام مع الطيور التي جفلت من طرقات الحزبيين ومعها طار قلب سلام فاطلق ساقيه للريح من سطح الى سطح، تكررت الطرقات ومعها اصبح سلام اكثر خبرة وتمرسا في الركض والقفز حتى اطلق عليه اهل المنطقة لقب زيطة.
تآلف مع الهروب فاصبح جزءا منه، المهم ان لا يُسلِم لهم نفسه.
لم يكن ضد نظام الحكم ، ولم يكن يحلم بتحويل العراق الى بلد ديمقراطي تعددي، لم يفكر بالقضاء على الامية او محاربة الفقر ، لم يكن يعرف ماهي الشيوعية او ما هي الدولة الاسلامية، او الرأسمالية او الشيوعيه. لم يكن يميز بين اي شعار وآخر كان يسمع ويردد في المدرسة الابتدائيه ( شعارنا : امه عربية واحدة ……… ) لم يعرف ولا يريد ان يعرف ماهي الامة العربية ، او ما تعني الامه كان غالب اصدقائه من الكرد ولا توجد بينه وبينهم مشكلة يتخاصمون في العابهم ويتصالحون، كان يحب الطيور ويعشق ساحات سوق الغزل ( حيث تباع الطيور والحيوانات ). عندما بلغ كان يحب صبا بنت الجيران رغم انها تكبره باربعة اعوام الا انه يحبها ( من طرف واحد ) لكن حبه للطيور يتجاوز حبه لصبا بدرجات. ( الطيور الله وين اكو مثلها ) هذه جملته الشهيرة.
في اول الامر كان الليل راحة له ، لكن مع الزمن اصبحت مطاردة الهاربين من الجيش تتم في الليل والنهار. ( لازم ما تغمض عينك يازيطة ، عاع عاع بس انت وحدج مرتاحه ) هذه جملة سلام الجديده.
القلق يرتفع والكبسات تزداد مع وتيرة الهجومات وهي مستمرة.
خافت امه على ابنها واخوته الاخرين فقد فعلها الرفاق باخذ الاخ او الام او الاب لحين تسليم الهارب نفسه.
حدثه ابوه كذلك اخوته
( ليش ما تلتحق حالك حال الناس )
( شنو فرقك عنهم )
( روح يمه خلصنا وخلص روحك ) ، (ابويه روح شراح يصير بس توصل وتصير بوحدة نسق ويا الآمر، ويا العريف وادفع فلوس. ومن تجي تشتغل لحد ما تخلص ) ، ( يا اخي روح تره احنا ما عايشين، يوميه اجاك الواوي اجاك الذيب وانت تكَمز من سطح لسطح ).
المسلسل مستمر وزيطه يحطم ارقاما في الهرب والافلات من مطارديه.
لكن الى متى الحرب لا تريد ان تنتهي ،
يلتف حزبي على امه بعد ان طرق الباب : انتو تبقون هيج تره الاخلاق الحزبية دا تمنعنا ناخُذكم ، انتي ليش خايفه خل دا يسلم نفسه و بشرفي وبشرف الحزب ومبادئ الثورة وهذا الشارب مو عليه اذا ابنج يصير عليه شي.
بمكر ودهاء يُقنع الام.
يهدد الاب برزقه واولاده الاخرين اذا ما يسلم سلام نفسه اوديك انت وولدك بقاطع للجيش الشعبي.
يخاف الاب
يداهم غربان البعث الدار، ينطلق سلام كعادته الى السطح لكن الباب مقفل.
يدور بعينيه ، تدمع عينا امه ، اخوته الصغار يتباكون.
يقيد ويقاد الى المنظمة الحزبية، التي تحصل على عفارم من الجهة الاعلى.
يعلق سلام زيطة على حبل المشنقة.
يهجر البرج ، ولم تعد تحلق الطيور فوق دارهم
فقط الغربان وحدها اصبحت تصيح

أحدث المقالات