18 ديسمبر، 2024 7:43 م

 كما تُسحَرُ فتاةٌ في سنّ الزواج بمداعبة أطفال الآخرين وتقتني الدمى التي تكشف شوقها الطاغي واستعدادها المبكّر للأمومة، نفغرُ أفواهنا ـ دهشةً وإعجاباً ـ من تجارب شعوب قطعتْ أشواطاً كبيرة في التحضّر، وصار الخصامُ والتناحرُ بين مواطنيها بعض ماضٍ سحيقٍ تَسخرُ الأجيال من تعصّبه الأعمى. ومثلما تنسى بعضُ النساء فطرةَ الأمومة فيها بمجرد أن يملأن بيت الزوجية بالأطفال، فإنّ الدهشة والإعجاب بتجارب الآخرين يغادراننا حين يكون علينا التعاملُ مع إخوتنا في الوطن.
       تعود الشعوب إلى تاريخها لتستلهم منه العِظَة والعِبْرة، وتبحث فيه عمّا تضيفه لأسباب وحدتها وسلامها ووئامها، ونعود إلى التاريخ لنفتّش في بعض أوراقه المتهرّئة عن أسبابٍ للفرقة والخصام والاحتراب.. ننسى ـ عادةً ـ أنّ الرسول الأكرم لم يتخذّ البيتَ العتيق وقبلةَ المسلمين عاصمةً لدولته الفتيّة، إنّما شاء أن تكون يثرب مدينته العاصمة.. فاتنا أنّه (ص) لم يتخّذ من مكّة عاصمةً كي يعلّمنا ويُرينا أنّ الدين  جزءٌ من الحياة وليس منفصلاً عنّها، وأنّ الدين يقوم بالمدنيّة وينهض بها مثلما ترتقي المدنيّة بالدين، وكي يثبت لنا أنّ حلالَ اللهِ أوسع وأكثر رحابة وأسطع نوراً من حرام يعتاش على الظلام.
     بنا حاجةٌ ملحّة لاستعادة ما أضعناه من بهاءٍ وألقٍ ونورٍ، وضَعَنَا النبيُّ الأكرمُ على خطوته الأولى.. لكننا بدلاً من أن نكمل طريقنا الواضح، سرنا في دروب ومسالكَ تقاطعت حيناً، وتحوّلت إلى متاهةٍ ندور في أنفاقها الخانقة حيناً آخر.. متاهةٌ أعشت ظلمتها أعينَنا، وأوهنتْ أقدامَنا دروبُها الوعرة.. متاهةٌ نسينا بسببها أنّ الإسلام ـ كما رأى جورج برنارد شو ـ “هو الدين الذي نجد فيه حسنات الأديان كلّها، ولا نجد في الأديان حسناته، لأنّه الدين الوحيد الذي له مَلَكةُ هضمِ أطوار الحياة المختلفة، والذي يملك القدرة على جذب القلوب عبر العصور”.
   يعجزُ الكونُ، على رحابته واتساعه، أن يسعَ اللهَ، لأنّه ـ تقدّست أسماؤه ـ  يسكن القلوب العامرة بالايمان. وإنْ كان الإنسانُ أكرمَ وأحبَّ المخلوقات للخالق، فإنّ قلبَ مؤمنٍ أطهرُ من البيت العتيق. ومَن أيقنَ أن الله حلّ في فؤاده لا يمكنه إلا أن يمدّ أغصان الزيتون لكلّ القلوب التي يسكنها السلام.. السلام، وهو بعض أسماء الله، لم يكن غير الحبّ والخير والجمال.
[email protected]