لم اكن في نيتي ان اكتب وانا في حالة الحزن العميق في لجة مشاعر الوجع واللوعة والصدمة الكبيرة لفاجعة فقدان انسان له خاصيته في عقولنا وجوانحنا وقلوبناونفوسنا ، نعم ليس عيوننا فقط بكته بل كل مافينا ، ان المؤاساة لايستوعبها قلمنا ويقف صامتا تائها عاجزا في اختيار ما يمكن ان تجود به الكلمات من معاني لوصف ولو لمحة قصيرة من سيرة قامة شامخة في عالم الصحافة والاعلام ، ذلك رائد الصحافة الاستاذ الاب والاخ الكبير ابو الوفا قاسم المالكي… ليس بوسعي سرد المناقب وسجل المواقف الانسانية التي تتجلى بها حنكته وحكمته وسعة صدره خلال سنوات عمله المهني ، كان مفعما هماما يملئ المكان فعالية ونشاط وحركة ونقاشا ومرحاوبسمات، وان السيل الجارف من الذكريات التي جمعتنا معه على امتداد عملنا سوية ، لايمكن ان نحصيها ونثمن عمق اثرها في ابجدية عملنا بل في جميع مفردات حياتنا ، و رغم ما تخلف من غصة وحسرات حرى والم يستعر في الروح ، تبقى رافدا للعزيمة في مواصلة عملنا للاهداف السامية التي نذر ابو الوفا قلمه في سبيلها، حيث جسد بصدق وامانة معاني الاخوة بل الابوة في كل اوصافها ومنحها لجميع من عمل معه في عناوين عمله المختلفة الوضيئة على مدار الخمسين عاما من العمل الصحفي والاعلامي، لكن هنا لابد ان نقول لنا خاصية وخصوصية كبعمق اثاره في نفوسنا لمتانة العلاقة الابوية والاخوية المسؤولة التي طالما اغدق وفاض بها علينا ، والمواقف النبيلة التي لايمكن عدها في المؤازرة والعون والدعم في مختلف الظروف الحرجة والعصيبة التي مررنا بها في مسيرة عملنا ، ومنذ تواجده معنا ابتداءا من اللبنه الاولى لتاسيس وانطلاق العمل في وكالة انباء الاعلام العراقي .. كان ابوالوفا رائدا فاعلا في ساحات الابداع المهني على المستويات كافة ، وخبرته ومؤهلاته الطويلة ونتاجه الغزير في صنوف وعناوين المهنة المتنوعة وميزاته الابداعية وخصائص شخصيته التي تأثرت بها اجيال من الزملاء المهنة ،حيث كان الاب المسؤول الواعي قبل ان يكون لهم ولنا المعلم والمرشد في عالم وفضاء العمل الصحفي الواسع، رغم زمن الوباء اللعين ، كان حضور زملائه ومعارفه ومحبيه في مجلس العزاء دليلا قاطعا للتكريم والعرفان والاجلال والاحترام لمسيرته الناصعة. يقينا يكون ابو الوفا حاضرا رغم محنة الرحيل ويبقى مكتبه في مؤسسة وكالة واع التي دوما اعتبرها بيته الثاني ، يحتفظ دوما بصوته الجهوري وتوجيهاته ومناقشاته وانتقاداته الممزوجه بروحه الجميلة المرحه الطيبةالتي طالما تمنح الامان والاطمئنان لنا ، وستكون بصمات حية في وجداننا ودليل عملنا . ولكن سيبقى ابو الوفا بما ملك من كنوز الوفاء في المواقف المشهودة له في الظروف الصعبة وانه اسم على مسمى ،التي يقر ويشهد بها الجميع له، والتي طالما يمتحن بها الاوفياء الحقيقيين عن الادعياء ، وقال الامام علي (ع) ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمسِ الذاهبِ…فالناسُ بين مخاتلٍ ومواربِ …يغشون بينهمُ المودةَ والصفا….وقلوبُهم محشوةٌ بعقاربِ.
رغم الرحيل كان مباغتا وموجعا وقاسيا ، قاسم المالكي حاضرا بروحه الطيبة معنا لتغمرنا بالشجاعة المسؤولةًوالقيم الانسانية العالية في مواصلة رسالته المهنية النبيلة . لذا لابد من الاعتراف انني قد خدعت نفسي بان القلم يستطيع ان يترجم لغة وجع فقدانه ، لانه كان علي ان اعلم بانه لايمكن ان تخط حروف لغة الرحيل على سطور الورق بل يمكنها فقط ان تخط اثارها على صفحة الروح ، لذلك فشلت ان اصف ولو النزر اليسير بما امتلكنا من الحزن، ولكن نقول العين لتدمع والقلب ليحزن وانا لفراقك ابو الوفا لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي الله انا لله وانا اليه راجعون ، وما قال الشاعر:
نتم وبنا فما ابتلتْ جوانحُنا … شوقاً إليكم ولا جفتْ مآقينا
تكادُ حينَ تناجيكم ضمائرُنا … يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إنَّ الزمانَ الذي ما زالَ يُضحكنا … أُنساً بقربكم قد عادَ يبكينا
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيرنا … إذْ طالما غيَّر النأيُ المحبِّينا
واللهِ ما طلبتْ أرواحنا بدلاً … منكم ولا انصرفتْ عنكم أمانينا