23 ديسمبر، 2024 8:17 ص

سلاماً أبذر وازرع

سلاماً أبذر وازرع

كل يوم أنهيه بوقفة صلاة ، ثم أبدأ اليوم الثاني بعد غسل وجهي وقبل الفطور بصلاة لبداية يوم جديد ، هي الصلاة نفسها ” يا رب سلاما أبذر وأزرع في هذا العالم الصاخب ” نعم الصاخب ، الصاخب بالعنف ، الصاخب بالكذب ، الصاخب بالطمع والجشع ، الصاخب بالتعصب ، الصاخب بالتعب واللهاث خلف المال خلف الرزق وتطمين العيش ، خلف الحياة وأمتدادها .

ألسؤال هو هو كل حين لماذا نولد ونأتي لهذا العالم ونمر عبر هذا الممر المتعب والمرهق ، فالطفل يولد وهو يبكي لأول نفس يستنشقه من هذا العالم ، نعم أنها مقدمة للتعب ، والقلق ، والخوف ، والذل ، والكر والفر ، والعذاب ، فالانسان سجين الوقت بألتزامه به ، سجين الحاجة الى المسكن ، والملبس ، والمأكل ، سجين أمتداد الحياة ، فهو يحتاج الى انسان آخر معه ، ان الحياة سرّ كبير لا حدود له مهما حاولنا التعرف اليه ، وهذا السر يداخله الكثير من الألغاز ، وكل لغز فيه المتشعبات من الفروع ، فما وصلنا ولن نصل الى جواب شافي ومقنع عن الحياة ، ولذا تعددت الأسباب في الأجوبة ، ولهذا كثرت المعتقدات الدينية والأراء الفلسفية ، والمعتقدات الشعبية ….

– أين نحن ؟؟!! ولماذا نحن هنا ؟؟ وان كنا متعبين من الحياة فلماذا نسعى الى جلب المزيد من البشر الى هذا العالم لكي نورث لهم الجد والأجتهاد والمثابرة وتحمل الكثير من المسؤوليات التي تفرض علينا ، وعلينا أن نتحملها أن شئنا أو لم نشأ ونضعهم في المحنة التي نحن فيها ، وما هو السر في الرغبة في الأنجاب ما دمت أنا سجين الحياة !؟

أمتدت نظرته تطوي البحر المتلاطم الأمواج الصاخب صخب الحياة ، تراه يكر ثم يعود ينسرح من حيث أتى مسترخيا ، فالموجة تعلو صاخبة ثم تتمدد على الساحل لتعاود الحياة في حركة أعنف وزبد أكثر ، ويتكرر هذا المشهد آلالف المرات في اليوم الواحد

وصاح مع نفسه ما أعجب هذا الكون ، كان قد مرت ساعة عليه وبعض الوقت منغمسا بتأمله في هذا الكون وما يحتويه ، انه لمعجزة ، كل شئ معجزة ، فلو تطلعنا الى كل خلائق الكون ومكونات هذا الوجود فرادى أو جماعات ، فلن نفيق من دهشة التأمل في هذا الخلق وهذا الوجود ، وسنبقى حائرين في الأبداع الكلي ، ولن نصل الى النهاية المطلقة لأن الزمن المحدود لحياة الكائن ، مهما طالت لن تكفي حياته لأحتواء كل ما هو في هذا العالم العظيم ، وسنبقى نركض ونلهث ونبحث ونفتش عن سبب هذا الوجود وكيفية وجوده ، ومعجزية التشابه والأختلاف الكلي والجزئي . فالعموميات أحيانا تسهل الجواب لأنها تساعد على أختصار الحقيقة ، والخروج من طوق البحث المصنف للأنواع والتي كان لها بداية ولكن لن يكون لها نهاية ، لأن الأنسان وعلمه وأستكشافه مهما بدا لنا أنه وصل مرحلة طيبة ، فهو في أعتقادي أنه لا زال في بداية الطريق .

لقد أخذت في الأزمنة الأخيرة حركة الأستكشاف والأختراعات الحقيقية المهولة والمدهشة الى حد الأعجاز من دقائق مكونات الكون فهو زمن أكتشاف الذرة والنواة ، ومن يدري قد يصل الباحث والعالم والمستكشف الى نواة النواة بما لا نتمكن من حصره .
فبعد أن كان الفيلسوف ، والشاعر ، والعالم الديني والانبياء يبحثون في ظواهر هذا الكون وصفا عموميا ، كما لو أنهم يذكرون الأنسان أو يلفتون نظره فقط الى أمر هو غافل عنه أو للتأكيد على معجزية هذا الكون الذي يعطي كل ما يحتاجه الكائن البشري ليعيش منه ويطمئن أحتياجاته ، لكن العلم الحديث صار الى البحث في اسباب هذا كله وصار يبحث عن أصل النشوء وكيف صار العالم الى هذا الشكل ، وماذا تبدل فيه ؟؟ وصار يتنبأ بماذا سيحدث كنتيجة لبعض الأسباب والظواهر الكونية ؟؟ انه الكون المعجزة – والأعجاز كائن في محاولة فهم هذه المعجزة عن طريق التجربة والتحليل والتفسير والمقارنات والتواصل في البحث والأستدراك ، والتفاضل في الرأي والبحث . ان عقل الانسان هو المعجزة الكبرى ، وادراكه وعلاقته بما يحيط به في هذا الكون معجزة المعجزات ، فهو في وئام دائم وحرب دائمة
، في علاقة ودّ وخصام ، جبروت واستسلام ، الضد وضده ، فالأنسان يملك كل الكون ولا يملك أي نفير عند مغادرته لهذا الكون بعد الموت .

فامتلاكه لهذا الكون يكون في لحظة ولادته الى هذا العالم ، فما دام يتنفس هواء هذا العالم ويتطلع الى سماءه ، ويتبلل بمطره ويشرب من ماءه ، ويدوس على أرضه ، ويأكل من ثمره اذن هو بالضرورة مالك له بالفطرة ، كيف ؟؟ لأن هذا الجزء المحدد ، هو جزء من الكل ، والكل يحتوي الأجزاء فمن مجموع الأجزاء يتكون الكل . فكما أن اي جسم مادي يتكون من جزيئات ، ومن مجموعها يتكون هذا الجسم المادي كذلك هو العالم الذي نعيش فيه فمع ان اراضيه ومياهه وسماءه قسمت الى أجزاء لها مسميات لتنظم حياة الشعوب ، ولكن في الحقيقة هي ليست ملكا لمجموعة من البشر الذين نطلق عليهم شعب ما ، ولكنهم مجموعة تولت الائتمان على هذا الجزء من الكون لتحميه وتحافظ عليه وتأخذ منه حياتها الى أن تفقد هذه الحياة عند موتها وتنتهي علاقتها الجسدية بهذا العالم .
اذن فليكن هذا الكائن الموجود اليوم ويودع عالمه عندما تنتهي حياته ، أن يفهم ويقدّر ويحترم ويحب أخيه الأنسان ، لأن انسانية الأنسان هي حضارة ، والحضارة تشرق على الكون عندما تطمئن النفوس والأجناس والأخلاق والمبادئ الى بعضها البعض من دون كذب ولا نفاق ولا طمع ولا جشع ولا حسد ولاكبرياء ، فكلنا أتى هذا العالم بغير ارادته ، وهو طريق ذكره الشاعر المبدع ايليا ابي ماضي الذي قال في قصيدته :

جئت من حيث لا أدري ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت

نعم هنالك طريقا ما أو بالأحرى طرق سنسير في البعض منها ، قد تكون هذه الطرق سهلة وقد تكون معثرة ، قد تكون قصيرة أوطويلة ولا مفر من السير الى هدف معين قد نصله أو الحلم يموت رغم محاولتنا لتحقيقه، الأسباب كثيرة ومنوعة لفشلنا ونجاحنا قد تكون الظروف المحيطة بالمرء من عائلته أو مجتمعه أو ذكائه في التخطيط الجيد أوالعكس ، قد تكون الظروف تفرض على الأنسان بشكل لم تكن من فعله أو ارادته ، فالاقتصاد الوطني أو العالمي ، ولربما سياسات العالم المتطاحنة والحروب المتوالية في هذا العالم تحرك وتبعد وتهجر وتغرب هذا الكائن الذي لا حياة له أو نجاح من دون أخيه الأنسان ، وهذا الأنسان وأخيه هم واحد بالوئام والتعاون والأحترام والمحبة والأنسجام ، وبهذا محاولتنا للحفاظ على البيئة بكونها الوحدة المشتركة بين هذا الأنسان وذاك الأنسان هي من ابرز الأمور التي تجمعنا كوحدة واحدة ، أي كعائلة واحدة تعيش على سطح هذه الكرة الأرضية .

نعم الطرق متعددة وعلينا أن نختار ما يطمئن حياتنا وحياة الآخرين الذين لا يمكنهم الأستغناء عنا ولا يمكن أن نستغني عنهم ، فما ينقصنا من أحتياجات في الحياة من غذاء ودواء ، ولباس ، ومواد بناء ، وطاقة ، وثقافة ، وسياحة ، نكمل ونُطمئن هذه الأحتياجات لبعضنا البعض عن طريق الأتفاقات الأقتصادية والأنسانية والسياسية .

فإذن جنة العالم المشتركة هي نبذ العنف والكراهية والتمييز القومي والعنصري والتمييز العقائدي ونتوحد في كلمة واحدة يريدها ربما الكل أو الأغلبية الساحقة التي تتطلع الى العيش بسلام وهذا السلام هو روح الكون وروح الحياة الذي ينعش ويطعم ويلبس ويقود الى الرقي والتقدم .
فهل أنت معي أيها القارئ ورفيق الدرب ؟؟؟