22 ديسمبر، 2024 8:16 م

منذ يومين والقنوات الإعلاميّة العراقيّة ـ خصوصاً تلك العائدة لبعض الفصائل المُسلّحة ـ تبث البرامج والحوارات ـ حتى صدّعت رؤوسنا ـ عن السيادة العراقيّة، وهي تُسلّط الضوء على تصريحات سفير المملكة السعودية في بغداد، حتى وصل البعض إلى حد الحديث عن التاريخ والرجوع إلى الزمن الأموي والعبّاسي ومظلوميّة الشيعة الأزليّة..!!
طبعاً ما أدلى به السفير السعودي مرفوض وهو تدخل بالشأن العراقي، ولكن لو راجعنا ما قاله السفير لا يُعد شيء بالنسبة إلى تصريح وكيل المرجعيّة في كربلاء ـ السيد أحمد الصافي ـ الذي قال بمرارة: (لقد بُحّت أصواتنا ونحن ننادي بالحفاظ على السِلم الأهلي وحصر السلاح بيد الدولة) وهذا معناه أن المرجعيّة ليست موافقة على تجنيد الشباب الذين لبوا نداء المرجعيّة ـ في الدفاع الكفائي ـ داخل فصائل لا تعترف بالدولة العراقيّة أساساً وولائها ليس للوطن.
ثم أين هم المدافعون عن السيادة من انتشار الفرقة الأمريكية 101 مجوقلة، مع تصريح ساسة البيت الأبيض الأمريكي بضرورة تقسيم العراق ثلاثة أقاليم، أم هم يرون أن الحديث عن أمريكا ومخططاتها الشيطانية خط أحمر لأنها “قوات صديقة”..؟!
ولنعُد إلى جماعة السيادة لنسألهم: أين هي السيادة والعراق بلدٌ تستباح أرضه من قبل أمريكا ودول الجوار الإقليمي، بل وحتى إنسانه يُستباح دون حسيب ولا رقيب، هذا عدى عن ثرواته وخيراته التي تنعّمت بها شعوب الجيران بينما شعبه يعيش البؤس والفقر والحرمان..؟!
وكمثال على السيادة العراقيّة المُنتهكة أذكر لكم هذه الحادثة التي قصها عليَّ أحد أهالي الديوانيّة يوم الخميس الماضي، حيث كنتُ في زيارة لبعض أرحامي هناك، فقد حدثني رجُلٌ وقلبه يعتصر ألماً عن قصّة أشبه ما تكون بقصص خطف العبيد من القارة السوداء في القرون الغابرة.
يقول الرجل: لي ولدٌ أكمل سنّته السادسة عشرة في هذا الشهر ودخل السابعة عشرة، أخبرني أنه عازم على الذهاب لكربلاء لزيارة الإمام الحسين (ع)، فأعطيته مبلغاً من المال لأجرة الطريق، وسافر الولد واختفى لمُدّة ثلاثة أيام بلياليها فقلقت عليه جداً وكنت أتصل به، ولما ألححت عليه بضرورة العودة سريعا لأن والدته مشتاقة له، أخبرني أنه في البصرة، فسألته: ألم تقل أنّك ذاهب لزيارة الإمام الحسين (ع) فما الذي أوصلك للبصرة..؟!
فأخبرني أنه تطوّع في كتائب (أسد الله الغالب) وأنهم أخذوه مع مجموعة من الشباب في سنه إلى البصرة استعداداً لنقلهم عبر الحدود إلى إيران حيث سيدخلون معسكرا للتدريب ثم يبعثون بهم للقتال في سوريا، وأنهم أعطوه خمسة مائة دولار، وسيعطونه ألف دولار بعد العودة من هناك..!!
الرجل أقنع ولده بضرورة الرجوع، ووعده بعدم معاقبته لو أنه عاد، وأخذ رقم المكتب التابع لـ (كتائب أسد الله الغالب) الواقع في شارع الكورنيش في الديوانيّة، واتصل على مسؤول المكتب ـ كما أخبرني ـ فقال له: كيف ترسلون إبني للحرب من دون علمي خصوصا وهو لا يزال قاصر؟ وكيف تطلبون منه أن يكذب عليّ ويخبرني أنه ذاهب إلى كربلاء ثم تأخذونه إلى إيران بالسر ومن دون علمي؟ هل بدأتم باستغفال أولادنا وخطفهم من أحضان أمهاتهم وآبائهم باسم الدين وتحت شعارات الدفاع عن “المقدسات” الزائفة..؟!
أنا طبعاً سألت الشاب: لماذا لم تُخبر أبوك بعزمك على التوجه للقتال في بلد آخر..؟!
قال: المسؤول الذي جندنا طلب منا أن نقول لأهلنا أننا ذاهبون لزيارة الإمام الحسين (ع) حتى لا يمنعوننا من الجهاد..!!
يقول والد الشاب: أن امرأة عجوز توسلت إليه أن يدلها على هذا المكتب، فقد غرروا بولدها الوحيد وأخذوه بنفس الطريقة وأنه غائب عنها منذ خمسة أيام..!!
في منطقتنا ـ الجمهورية في النجف الأشرف ـ أحد جيراننا يُعلق صورة شهيد في السادسة عشر من عمره، وقد قتل في (نُبل والزهراء السورية) سألت صاحب البيت ـ وهو عم الشاب ـ هل كان والده يعلم بذهابه إلى سوريا..؟
أقسم لي بالأيمان المُغلظة أن والد الشاب لا يعلم أن ولده في سوريا إلى أن جاءوا به محمولا بنعشه، أما ابن عم الشاب فإنه أخبرني أن شهادة الوفاة التي جاؤوهم بها كتب عليها (محل الشهادة: جبال مكحول في بيجي) ولما سألوهم لماذا؟ قالوا لهم: لأننا إذا كتبنا (نبّل والزهراء) فإن الحكومة العراقيّة لن تصرف له مخصصاته كشهيد..!!
وهذا معناه أن شبابنا يُغرر بهم، تحت شعارات دينية رنانة مثل ويهربونهم عبر الحدود، ويلقون بهم في لهوات الموت، فإذا ما قُتلوا فمن جندوهم لا يتحملون حتى تعويض أهاليهم، وعلى العراق أن ينزف دماً ونفطاً من أجل الولاية، كل ذلك يجري والبعض يتحدثون عن السيادة.
السؤال الأهم والكبير: كيف يتم تجنيد شباب قاصرين بعيداً عن أنظار الدولة العراقيّة، ويؤخذوا إلى دولة أخرى وكيف تعود جثامينهم إلى العراق وتزوّر لهم شهادات وفاة، فأين هي الدولة العراقيّة، وأين هو القضاء العراقي من كل هذه الخروقات القانونيّة..؟!
وأين هي السيادة العراقيّة..؟!
ثم التعداد السكاني لإيران خمسة وسبعون مليون نسمة، على الأقل هناك خمسة وعشرون مليون شاب في إيران، فلماذا لا ترسل شبابها للدفاع عن “المقدسات” أم أن الدم العراقي أصبح رخيص جداً إلى درجة أن ثمن الشاب هو 1500 دولار أمريكي فقط..؟!
(الله يديمك يا رخص).