19 ديسمبر، 2024 12:55 ص

سقيفة البرلمان

سقيفة البرلمان

“كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”   مجمل العوامل والضغوط التي رافقت اعتصام النواب ومورست ضدهم كان الغرض منها تحقيق غرض واحد الا وهو العدول عن فكرة الاعتصام والانسحاب من ضفة المطالبة بالإصلاحات وبالعودة لضفة نظام المحاصصة وابطال خطط الاصلاحات، وهي كثيرة أي (العوامل والضغوط)، فبكثرتها تلك أدت متعاضدة وبشكل كبير إلى وأد واستئصال حركة النواب الاصلاحية، وأدت بشكل غير مباشر إلى الاستخفاف بالجماهير وخذلانهم وابداء عدم احترامهم بمسرحية هزيلة واضحة المعالم والابعاد وبمشهد مؤلم قد لا ينساه الشعب ولا ينمحي من ذاكرته، لقد نجحت جولة الباطل هذه المرة أيضا في الابقاء على ممارسة الطائفية والمحاصصة والفساد تحت نير الاقطاعيات السياسية المنبثق عنها نظام الحكم الحالي وطبيعته، إذ نجحت من خلال ضبط ايقاعات انسحاب بعض الأعضاء المعتصمين لإفشال تحقق النصاب بطرق الترغيب والترهيب، وإذ لا يخفى على المواطن البسيط كذلك كل ما يدور وما يحدث امام وخلف الكواليس ولا ينطلي عليه بعد الآن أي سلوك أو تصرف سياسي مهما كانت درجة فتنته وطيفه وطبيعة ذرائعه.    ان جميع السياسيين يتحملون المسؤولية كاملة، ويتحملون وزر ما تحدثه المسيرة الخاطئة التي تسلكها الدولة في انتهاج نظام الحكم النيابي الحالي تحت نير محسوببات ومنسوبيات في ظل اجندة هذه الاقطاعيات التي أفرخت الفساد الذي نجم عنه التعطيل الشبه الكلي للبلد والانهيار المروع لأغلب مؤسساته والضمور الوطني والشلل الاجتماعي لمعظم طبقات الشعب وموظفيه.    

  لقد كان للتدخلات الدولية والإقليمية والسفاراتية الأثر الكبير والجلي في احتواء واجهاض وقفة البرلمانيين وانتفاضتهم من أجل الاصلاح والتغيير رغم تحذيرات الأمم المتحدة القاضية بمرور العراق بمرحلة بالغة الصعوبة في تاريخه، وأعتقد لو أن البرلمانيين المعتصمين لو انهم انخرطوا في عملية حوار هادف مع بقية الأعضاء والسياسيين بدلا من الضجة التي أحدثت في اجتماع يوم ا لثلاثاء الموافق ليوم 26.4.2016 وبدلا من الظواهر المسلحة التي طغت على أروقة البرلمان لفوتوا فرصة الالتفاف التي حدثت في سقيفة البرلمان والتي أدت بكل تأكيد لاحتواء قدرات النواب المعتصمين ومصادرة دورهم في اقالة رئاسة البرلمان.    المفارقة إن تزامن الوقت الذي انعقدت فيه جلسة البرلمان مع واقعة ذبح اشقائنا وابنائنا من المكون التركماني في مدينة طوز خورماتو بالدبابات والهمرات وقناصي قوات البيشمركة الكردية، وتنهال بحسب وصف عضو مجلس النواب السيد جاسم محمد جعفر البياتي على رؤوس النساء والأطفال وكبار السن قذائف الهاون والصواريخ، ووضع أبناء الشعب التركماني هناك في سجن كبير مورس فيه شتى انواع الجرائم، من قتل وتعذيب وتقييد للحريات داخل القضاء، والشعب هناك يستغيث ولا مجيب.    والمفارقة الاخرى أن تمت اقالة السيد محمد شياع السوداني وزير العمل والشؤون الاجتماعية من منصبة في تلك الجلسة، رغم ثبوت كفاءته ونزاهته ورقي أخلاقه وسمو تواضعه مع المواطنين، واستطاع أن يفعل هذا الوزير قاعدة بيانات الشبكة الأجتماعية وابعاد الفاسدين والمفسدين منها لصالح المستحقين فعلا، وكان يدير وزارتين في آن واحد بكل كفاءة وإقتدار مما يشهد له في ذلك أصحاب الشأن في النزاهة والدولة وفي الشارع العراقي، وإن اقالته هي تعبير عن الاصرار بممارسة المحاصصة والفساد و”كأنك يابو زيد ما غزيت”.    كما ووصفت جلسة مجلس النواب بأنها “مخزية وغير شرعية”، فيما دعي الشعب العراقي للاستمرار في الضغط على ما وصفوا ” برؤوس الفساد والمحاصصة، من المتشبثين بالسلطة” لحين تحقيق الإصلاحات المنشودة. الحمد لله، فقد انكشفت جميع الأوراق والسيناريوهات، وانكشف الستر والمستور، وميز بين الغث والسمين، ولرب ضارة نافعة.    هذا وإن طريق الاصلاح طريق وعر وصعب وشاق وطويل ومفروش بالأشواك لا بالزهور، ومليء بالمعرقلات والمفارقات وضغوط الفاسدين والمحاصصين، بعدها ستكون الغلبة للشعب وللوطنيين من طبقاته إن شاء الله، وإن غدا لناظره قريب..    “فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم ِبهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ…”.