أهدانا مشكورًا، صديقنا الكاتب الناقد د. محمد هيبي، ابن بلدة كابول قضاء عكا، إصداره الأخير الموسوم ” سقوط نوم الغزلان ..أو البطولات المزعومة وتزوير التاريخ “، وهو قراءة مغايرة في سيرة الكاتب القاص محمد علي طه ” نوم الغزلان “.
وفي هذا الكتاب النقدي يرد هيبي على ما جاء من تشويه للحقيقة، وتزوير للتاريخ وادعاء لبطولات مزعومة.
جاء الكتاب في 111 صفحة من الحجم المتوسط، وهو إصدار شخصي، ويهديه ” لكل من يبحث عن الحقيقة في زمن لا يضيع فيه شيء مثلها، ولكل الشرفاء الذين يرفضون اللعب على جراح الوطن وتسخيرها للمصالح الذاتية الضيّقة، ولأولئك الذين ذبحوا الوطن بذاتيّتهم المقيتة، فقد حان الوقت أن يترفعوا قليلا، وإلى بروفيسور إبراهيم طه الذي زجّوا به في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، بالرغم من أنّه لم يقرأ الكتاب، وأخيرا، إلى الكاتب محمد علي طه نفسه، عسى أن يمدّ اللـه بعمره، ويهديه طريق الحق والصواب، فيشعر بالندم على ما فعل، وان يمنحه الشجاعة الكافية للاعتذار عما ارتكبه في كتابه، ” نوم الغزلان “، من أخطاء بحقّ الوطن وحقّ الكثيرين من أبنائه “.
وكتب المؤلف على الغلاف في تظهير الكتاب : ” جاء في مقالي : ” إنّني فخور بأنّ أهل ” ميعار ” قاوموا ولم يستسلموا “، فكيف لي أن أسمح لكائن من كان، أن يُشوّه سرّ وجودي وفخر انتمائي؟ وخاصّة إذا كان ميعاريا؟!
بعد نشر مقالي حول ” البطولات المزعومة وتزوير التاريخ ” في كتابه، ” نوم الغزلان “، ادّعى محمد علي طه أنني كتبت المقال بسبب العلاقات السيّئة بيننا. وانا لا اشكّ للحظة، بأنّه واثق كل الثقة، من ان ادّعاءه هذا، لهو فرية لا تختلف عن فريته حول ” ميعار ” وادّعاء استسلامها، بل تُؤكّدها وتُؤكّد ما حملته من تشويه لـ ” ميعار ” وتاريخها، وتُثير التساؤل حول قصده من هذا التشويه.
وكما يظهر لي، وبكل بساطة، ” الكاتب الكبير”، ابن ميعار، لا يستوعب أنّني كتبت وسأكتب عن ” ميعار” ، لانها بالنسبة لي، ليس مجرد مسالة انتماء وحسب، بل هي مسألة وجود. وهكذا يجب أن تكون بالنسبة له. ولكنّ كتابه، “نوم العزلان”، يقول غير ذلك!”.
ويستهل د. محمد هيبي كتابه بتمهيد للبروفيسور إبراهيم طه تحت عنوان “عن العلاقة المحرّمة بين الأدب والنقد وبين الصحافة والسياسة “، فيشير بداية الى بعض الملاحظات الضرورية قائلًا :” كلّ ما أكتبه في هذه العجالة من آراء ومواقف كان صديقي الدكتور محمد هيبي قد سمعه مني بصراحة على امتداد الأسبوع الأخير كاملا غير منقوص، ومن العيب الزجّ بإسمي في دراسة نقدية لم أشارك فيها. وهل الصديق الدكتور محمد هيبي بقامته النقدية العالية في حاجة إليّ حتى أشاركه دراسته هذه ؟! عيب! الدكتور محمد هيبي أستاذي، وله عليّ فضلٌ لم ولن أنكره، على يديه تتلمذت واحببت العربيّة في المدرسة الثانوية بفضله. ومن العيب المسّ باسمه أو بطيب نيّة. لم اقرأ السيرة الذاتية التي كتبها الكاتب محمد علي طه. ولذلك لا أستطيع الحكم عليها لا من قريب ولا من بعيد. أقول قولي هذا من باب الأمانة العلمية التي أقدمها على كلّ أشكال ” الامانات ” الأخرى.
ويضيف: ” إنّ الصداقة القوية التي تربطني بالدكتور محمد هيبي وأخلاقياته السمحة تحضّه باستمرار على قبول الرأي الآخر بهدوء، وهي لم تمنعني من مصارحته بكلمة حق مثلما يليق بصديقين، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إن العلاقة الشخصية التي تربطني بالكاتب محمد علي طه لن تثنيني عن قول الحقيقة بصراحة ووضوح بنفس القدر بالضبط. ويظلّ قول الحق والحقيقة أقوى مني ومنهما ومنا جميعَا. إنّ كل ما أقوله هنا ليس نقدًا لأحد. وهو لا ينبع إلا من حرصي الصادق على استمرار العلاقات بين الدكتور محمد هيبي ومحمد علي طه، وإن كانت بصيغة محدودة، وتضييق المساحة بينهما، دون المسّ بحقّ كلّ منهما في النقاش النصّي الموضوعي “.
ويرى بروفيسور إبراهيم طه أنه ” من العيب أن تتحوّل العلاقة بين الكاتب والناقد، أينما كانت، إلى طوشة عمومية، في كل مرّة يكتب فيها الناقد مقالا صريحًا، والعلاقة بين الصحافة والسياسة إلى اقتحام عنيف وسطو مسلّح ” وأنه ” لا بدّ من الفصل التامّ بين الصحافة والسياسة “، مؤكدًا على أننا ” نريد حركة فاعلة من الأخذ والردّ والنقاش المفتوح وإن كان صريحًا وحادًا ” و” حركتنا الثقافة تحتاج بصفة عاجلة إلى نقد نصّي صريح ومدروس “.
ومن عناوين الكتاب : ” ملاحظة، مقدمّة، وضعنا الثقافي القائم قبل ” نوم الغزلان “، القشة التي قصمت ظهر البعير، أنا ومحمد علي طه والنقد، ” نوم الغزلان ” قراءة مغايرة، الحقائق التي طمسها الكاتب في كتابه، النرجسية وإلغاء الآخر، تجاهل الأسماء، والد الكاتب، السخرية في غير موضعها، الجوائز، ولماذا أهمل الكاتب ذكر بعضها، وأكاذيب تكشفها حقائق، الشاعر سميح القاسم يختبئ في بيت صاحب ” نوم الغزلان “، حي ” البرّاكيّات ” في كابول، جريدة في ميعار، ميعار وفرية استسلامها، حالة الراوي/ الكاتب النفسية، خلاصة، وسقطت ورقة التوت “.
وفي الخلاصة يشير مؤلف الكتاب د. محمد هيبي إلى أنه ” لم يقل كل شيء، ولكنه حاول وبمنتهى الأمانة، إظهار الحقيقة التي أخفاها، او زيّفها، أو حرّفها الكاتب محمد علي طه في كتابه ” نوم الغزلان ” وأن ” اعظم سعادة له سوف يرّف طائرها عليّ إذا أدرك الكاتب أخطاءه، وراجع نفسه وتصرّف بشجاعة، وأظهر ندمه على ما فعل وتراجع عنه واعتذر لمن أساء إليهم “.
كتاب د. محمد هيبي مثير للجدل، مختلف ومغاير، استثنائي، لم يسبق أن صدر أي كتاب بمثل هذا الأسلوب النقدي الشجاع والجريء، فهو لا يراوغ ولا يتزلف ولا يداهن، إنّه كتاب جدير بالقراءة، لما فيه من كشف للحقيقة، ونقد حاد وجارح ولاذع وصريح.
إنني أحيي د. محمد هيبي على مواقفه النقدية من كثير من المسائل التي جاءت في ” نوم الغزلان ” ومن قضايا ثقافية وأدبية أخرى، متمنيًا له المزيد من العطاء في المجال النقدي والروائي، مع خالص آيات الاحترام والتقدير.