18 ديسمبر، 2024 8:04 م

سقوط نتنياهو مع تراجع إستراتيجية إسرائيل لصالح الشعب الفلسطيني والمقاومة

سقوط نتنياهو مع تراجع إستراتيجية إسرائيل لصالح الشعب الفلسطيني والمقاومة

حرب الأحد عشر يوما التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع (غزة) تحديا و(الضفة الغربية) وداخل الخط الأخضر؛ فشلت وأخفقت ولم تحقق أي هدف من أهداف التي رسمها العدو الصهيوني لنفسه لا على الصعيد الداخلي بما يخص (نتنياهو) لكسب ثقة الناخبين لإعادة انتخابه لتشكيل الحكومة؛ ولا على الصعيد الاستراتيجي الإسرائيلي بكونها قوة لا تقهر؛ بقدر كل نتائج هذه الحرب جاءت لصالح المقاومة الفلسطينية .

فإسرائيل التي كانت تبحث منذ أمد ليس بالقصير عن ذريعة لشن حرب على فلسطينيي (غزة)؛ والتي خططت لها مسبقا للجم أنشطة المقاومة وتدمير أسلحتها؛ حتى استغلت إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية صواريخ من القطاع على مدنهم مؤازرة ومؤاخاة لإخوانهم اثر تمادي القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين في مدينة (القدس) من استخدام العنف وقيامهم بتهجير أهالي (الشيخ جراح) والاعتداء على المواطنين السلميين في باحة الأقصى و(باب العامود) و(حي سلوان)، فقامت إسرائيل بحملة لمواجه قطاع (غزة) جوا.. وبحرا.. وبرا.. لتطال هجمات العدو بالطائرات والصواريخ الإسرائيلية مئات البيوت وعشرات المنازل والأبراج السكنية ومقار ودوائر الرسمية التابعة للحكومة الفلسطينية في القطاع وإلحاق الأذى بشبكات الماء والكهرباء وإحراق المحاصيل الزراعية وتدمير الطرق والمدارس والمستشفيات؛ بما تسببت هذه الهجمات البربرية خسائر فادحة في أرواح المدنيين الفلسطينيين؛ وهو الأمر الذي استهجنته كل دول العالم والشعوب الحرة وأدانوا إسرائيل لهذه الأعمال الوحشية بحق الأبرياء، وقد أعلن في إسرائيل – آنذاك – بان هذه الغارات هي ممهدة لهجوم بري واسع النطاق على قطاع (غزة) بهدف ترويع المدنيين ومحاولة جذب المقاومة الفلسطينية إلى الخطوط الأمامية لدفاع عن القطاع ليتم خداعهم بتصفيتهم بالأسلحة الثقيلة والطائرات وبكل ما يتح لها من قوة الآليات التدميرية؛ ولكن المقاومة أدركت خطط العدو فرصدوا تحركاك قطاعات المشاة والمشاة الآلي للعدو التي تخندق في مواقع ولم تتحرك من هناك؛ بقدر ما كانت تشن هجمات عشوائية بالمدفعية الثقيلة تدمر مساكن الأهالي وتروعهم؛ بينما كانت المقاومة الفلسطينية ترد على العدوان الإسرائيلي بإطلاق الصواريخ، وخلال فترة الحرب هذه أطلقت المقاومة ما يزيد عن أربعة آلاف صاروخ وآلاف قذائف الهاون على بلدات والمدن المحيطة بالقطاع غزة؛ دفاعا عن الأرض والعرض؛ بل إن صواريخ المقاومة وصلت إلى مسافات ابعد من ذلك لتصل (بئر السبع).. و(اسدود).. و(تل أبيب).. ومطارات في الشمال والجنوب كمطار (رامون).. و (بن غوريون)؛ لتفشل القبة الحديدية الإسرائيلية في اعتراض اغلب صواريخ التي أطلقتها المقاومة إلا بالعدد اليسير منها؛ ولكن اغلبها وصلت إلى أهدافها بنجاح؛ في وقت الذي كانت اغلب صواريخ المقاومة من صنع محلي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهذه الصواريخ كانت مزودة بأنظمة توجيه طورها أبناء الوطن؛ لذلك كانت تصيب أهدافها بدقة؛ وهذا ما أرعب العدو ليبادر على الفور الموافقة على وقف إطلاق النار؛ وفق المبادرة (المصرية) في صبيحة يوم الجمعة 21 من أيار الماضي دون أن يتمكنوا من تحقيق أي هدف خلال هذه الحرب التي شنوها.

وكانت أولى أهداف (بنيامين نتنياهو) من شن هذه الحرب هو اعتقاده بان قيامة بشن حرب ضد قطاع (غزة) ستكون بمثابة الفرصة الأخيرة لعرقلة منافسه (نفتالي بينيت ويائير لابيد) من تشكيل ائتلاف حكومي؛ ولكن دون جدوى لان الكنيست الإسرائيلي منحت الثقة للحكومة الجديد برئاسة (نفتالي بينيت) بتشكيل الحكومة رغم إن الحكومة المشكلة ستكون كحكومة (نتنياهو) – الذي فشل – إن لم تكن الأسوأ؛ بعد أن أخفق (نتنياهو) أربع جولات انتخابية في حسم الانتخابات لصالحه لتشكيل حكومة تتمتع بأغلبية برلمانية؛ وان أخفاقة في ذلك؛ فانه لا محال؛ سيحال إلى المحاكم الإسرائيلية التي تطارده بقضايا الفساد لا أول لها ولا أخر لحجم القضايا المرفوعة ضده؛ وهذه الحقيقة يدركها الإسرائيليين جيدا سواء من هو معارض لسياساته أو من مؤيدوه، ولكن مضت الأحد عشر يوما من حرب – بدون مبرر لشنها – ولم يستطع (نتنياهو) تحقيق أي شيء من أحلامه المريضة؛ وحتى مسيرة الإعلام التي اجلها ليوم 15- 6 كانت غايته هو إحراج الحكومة الجديدة وإسقاطها؛ لأنها حكومة تتكون من إتلاف هش في أي لحظة سينهار الإتلاف بكونها متكونة من أقصى يمين إلى أقصى يسار؛ وان فلسطيني الدخل دخلوا هذا الائتلاف وفق شروط لأنهم كانوا أمام خيارين أحلاهما أمر من الآخر؛ فان أي مساس أو اعتداء على مقدسات الفلسطينيين في (القدس) و(غزة) لا محال سيخرجون من الإتلاف وخروجهم يعني إسقاط لحكومة (يائير)؛ ولولاهم لما كان (يائير) استطاع تشكيل الحكومة بالتناوب والتي أعطى رئاستها في السنة الأولى والثانية من عمر الحكومة – هذا إذ بقت سنتين ولا نقول لشهريين أو اقل – إلى زميله (بينت) بكون من اليمين المتطرف وله توجهات عنصرية ضد الفلسطينيين .

ومن مطبات التي وضعها (نتنياهو) أمام الحكومة الجديدة هو ما قام به حين اجل مسيرة الإعلام إلى ما بعد تشكيل الحكومة لتكون على محك؛ لان أي تفاقم للأوضاع نتيجة ما تسببه هذه المسيرة – السيئة الصيت – من اشتباكات بين المستوطنين والفلسطينيين؛ وكما كان يحدث خلال المسيرات السابقة، ولكن مرت مسيرة الإعلام الاستفزازية بسلام بدون مشاكل عنيفة؛ بعد إن حذرت فصائل المقاومة الفلسطينية ودعت للنفير العام؛ الأمر الذي أدى بالشرطة الإسرائيلية وقوات الأمن إلى إجراء تعديلات في مسار المسيرة ومنع المتطرفين وقادة الاستيطان من الذهاب بالمسيرة إلى منطقة (باب العمود) مع ضمان عدم القيام بأي اقتحام للبلدة القديمة؛ وإلى حيث لا تريد الحكومة الإسرائيلية مخافة من وقوع اشتباكات وسقوط ضحايا بما سيترتب عليها تصعيدا ميدانيا لقوات الإسرائيلية التي عملت جاهدة على عدم التصعيد الميداني ضد الفلسطينيين لعدم إحراج حكومة (يائير) لان ذلك لا محال سيؤدي إلى إسقاطها، رغم إن قوات الاحتلال أفرغت منطقة (باب العامود) من الفلسطينيين؛ ومع هذا التحذير فان المستوطنين المتطرفين وصلوا أدراج (باب العمود) وحين وصولهم علت أصوات شبان مقدسيين ممن تمكنوا من البقاء بالتكبير والتهليل والهتافات بـ(القدس العربية)؛ بينما كان فلسطينيي (غزة) و(الضفة الغربية) تشهد مسيرات شعبية تهتف وتندد بالاحتلال والاستيطان رافعين لافتات كتب عليها ((ستبقى القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين))، وأحرقوا صور رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد (نفتالي بينيت)؛ فاندلعت مواجهات شعبية في العديد من مناطق التماس في (الضفة الغربية)، حيث قام الشبان بإشعال النار في إطارات السيارات، ورشقوا جنود الاحتلال بالحجارة، فيما قام الجنود بإطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع ما تسبب بوقوع العديد من الإصابات بعد قمعهم بالضرب وإطلاق قنابل الصوت والرصاص المعدني باتجاههم؛ وقد أصيب عشرات الفلسطينيين خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في محيط البلدة القديمة بـ(القدس) .

وبعد إن اقتحم الصهاينة ساحة (باب العامود) بتأمين مشدد من قوات الاحتلال لإبقاء الأوضاع الميدانية تحت السيطرة لا لشيء بقدر ما أرادوا الصهاينة عدم إحراج الحكومة الجديدة بعد إن ضاقوا ضرعا بـ(بنيامين نتنياهو) وتفويت فرصة لإعادته إلى الحكم؛ بعد إن زاد سخط الجماهير الإسرائيلية عليه نتيجة سوء تصرفه في حرب الأحد عشر يوما التي فيها انهالت صواريخ المقاومة بدون انقطاع على رؤوسهم وهم يتخندقون في الملاجئ ليل نهار؛ لتكشف لرأي العام الإسرائيلي بان (نتنياهو) قد ضحى بأمن وحياة الإسرائيليين من اجل تحقيق مآربه الشخصية ليس إلا، فهو يكذب.. ويتآمر.. ويطعن في الظهر؛ وكل هذا من أجل الترويج لنفسه وليس خدمة للشعب الإسرائيلي، وخطابه الأخير في البرلمان الإسرائيلي يكشف حقيقة هذا الرجل ما جعلهم يمضون قدما لمنعه وعدم السماح له مرة ثانية للقيادة الحكومة؛ وهذا ما جعل الرأي العام يطرح أسئلتهم في شرعية ما قام به (نتنياهو) في حرب الأحد عشر يوما ……….؟

وهل استطاع حقا تقويض ولجم قوة المقاومة الفلسطينية…………؟

في وقت الذي تؤكد كل الوقائع بان المقاومة ظلت قادرة على إطلاق الصواريخ حتى أخر دقيقة من قرار وقف إطلاق النار؛ رغم ما أوقع العدو الإسرائيلي من دمار هائلا بالمنشآت الفلسطينية والأفراد؛ ولكن ما أوقعوه بالمقدرات المقاومة كان محدودا ولم ينجحوا في تدمير منصات إطلاق صواريخ المقاومة ولا أنفاقها، بل إن المقاومة حتى إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين ضلت تطلق ما بين مائتان إلى ثلاثمائة صاروخا يوميا على بلدات ومدن الإسرائيلية .

وان الحرب وفق ما كان مخطط له حسب عقلية (نتنياهو) هو اعتقاده بان قيامه بشن هذه الحرب سيدمر سلاح المقاومة ومنصات إطلاق الصواريخ؛ لتكون هذه الحرب نهاية المقاومة في قطاع (غزة) بعد تجريد القطاع من السلاح؛ ليظهر نفسه إمام المجتمع الإسرائيلي بأنه حقق انتصارا؛ وانه هو الزعيم الوحيد والقادر على لجم تحركات المقاومة الفلسطينية؛ ونظرا لما يقوم به فانه يستحق تكريمه وذلك بإعادة انتخابه لتشكيل حكومة إسرائيلية؛ ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لتثبت الأيام؛ لـ(نتنياهو) والرأي العام الإسرائيلي؛ بان المقاومة صامدة وإنها مازالت تمتلك من القوة والسلاح وإنها ماضية إلى الإمام لحين تحقيق إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإعلان قيام دولتهم الفلسطيني وعاصمتهم (القدس) .

فصمود المقاومة هو الذي افشل وسيفشل كل مخططات الصهاينة في تهويد (القدس) وبناء مزيدا من المستوطنات هنا وهناك واحتلال الأراضي الفلسطينية؛ وبان الفلسطينيين سواء من هم في (الضفة الغربية) أو في قطاع (غزة) أو داخل (الخط الأخضر) هم شعب واحد وموحدين في تطلعاتهم في الحرية وحق تقرير المصير ومتمسكين بالأرض الفلسطينية وعاصمتهم (القدس)؛ وان المقاومة هو حق من حقوقهم الوطنية في تحرير الأرض من العدو الصهيوني المحتل؛ وان المقاومة ستبقى قائمة لان طريقها هو الذي يحيي القضية الفلسطينية، وان المقاومة خلال هذه الحرب برهنت للعالم اجمع بان الشعب الفلسطيني شعب موحد مؤمن بقضيته وانه مصمم بالمضي قدما لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية والدفاع عن حقوقهم وأرضيهم مهما كانت قوة العدو الإسرائيلي؛ لان تاريخ الشعب الفلسطيني هو تاريخ من الصمود.. والنضال.. والتحدي.. والمقاومة؛ وان المقاومة هي التي حصدت ثمار النضال بإضعاف إستراتيجية العدو الإسرائيلي وجعلتها تتراجع؛ وهذا التراجع هو الذي جعل العدو يرضخ لوقف العدوان على قطاع (غزة)؛ بعد إن تغير نمط تعامل القوى الإقليمية والدولية مع المقاومة؛ باعتبار المقاومة حق مشروع لدفاع عن حقوق لشعب الفلسطيني أينما وجد، وان الرأي العام الغربي بات يميل يوم بعد أخر لصالح الفلسطينيين وعلى نطاق واسع؛ بما تم من تنظيم مسيرات ومظاهرات دعم ومساندة لفلسطين وأهلها؛ فقد انطلق حشود الجماهير في معظم المدن الأوروبية الرئيسة ونظيراتها كان في المدن الأميركية ضد الحرب على (غزة)؛ وهذه التطورات برهنت حجم تراجع إستراتيجية الإسرائيلية وتراجع تأيدها في المحافل الدولية لصالح الشعب الفلسطيني والتي تعتبر من المتغيرات الملموسة في السياسات الرسمية لأغلب دول العالم باتجاه القضية الفلسطينية التي أحيتها قوة المقاومة الفلسطينية في (غزة) و(الضفة الغربية) وفي داخل الخط الأخضر .