22 ديسمبر، 2024 9:44 م

سقوط داعش… انتصار العقل على الدين

سقوط داعش… انتصار العقل على الدين

معركة تحرير تكريت كانت بداية النهاية العسكرية القاضية بالنتيجة الحتمية على تنظيم داعش الارهابي سواء بالعراق او سوريا او باي مكان اخر في العالم. اما بداية سقوط داعش الاخلاقي والفكري فقد سبق ذلك. وربما تؤشر حادثة حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة حيا داخل قفص اوائل 2015 كنقطة التحول الحاسمة بين كل الجماهير المتدينة المؤمنة بداعش او المخالفة لها. خاصة وان داعش اثبتت بكل الادلة الشرعية والفقهية ان ما قامت به هو من صلب السيرة النبوية وسيرة صحابته الاجلاء كابي بكر وعلي واخرين, بما ايقظ الشعور بالخيبة والاستهجان لكل التراث الاسلامي المتفق عليه والمسكوت عنه.

وبسقوط داعش القريب لن يكتب السطر الاخير في تاريخ الارهاب والتطرف الاسلامي حسب وانما لكل الدين واركانه وحدوده وقدسية سيرة ابطاله, بل ومبادئ الاخلاق الاساسية التي ينادي بها, وهي جميعا اخلاقيات مبتسرة. فعالم ما بعد داعش لن يتقبل اي تصريح او تلميح او تساهل حول ايات الجهاد وقطع الرؤوس والاطراف واستعباد البشر وفرض الجزية وتهجير الامنين وقتل الاسرى او قيام الخلافة والمحاكم الشرعية وولاية الله او فقيهه على الارض. وهذه جميعا مما يخالف عقل الانسان المعاصر وضميره ولكنها من صلب الدين الذي لاينكره حتى المعتدلون منهم.

من مظاهر الخيبة ونكران الواقع المنتشرة مؤخرا بين المتدينين الادعاء بان داعش لاتمثل الاسلام او انها صنيعة امريكا واسرائيل وما الى ذلك من الخرافات والتبريرات الواهية التي لايتقبلها عقل سليم ولكنها تعكس مدى الاحباط وتهافت المبادئ والخوف من مجهول سقوط الدين الحتمي الذي يتوقعه الان كل متدين في داخله بعد ان راى ما راى من افعال داعش المجرمة المقيتة والتي يشترك او يؤمن كل مسلم متدين وحتى المعتدل منهم ب 90% من اسسها على الاقل, بل ويعتبرها جزءا من حياته وشرعه الذي يجب عليه الهيا الالتزام بها بل ونشرها والدفاع عنها. وليس من الغريب ان نسمع ان زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري ينوي حل تشكيلاته الارهابية, التي تعتبر معتدلة نوعا ما ولاتهاجم بالعادة ابناء جلدتها كما يفعل الوحوش المتدينون الاخرون, مع اقتراب سقوط وانتهاء داعش.

يتبجح الكثير من المتدينين بانهم معتدلين سلميين لا يؤيدون القتل ولايؤمنون بما تفعله داعش, وهم ربما حقا كذلك, ولكنهم يتناسون مشتركاتهم الكثيرة عقائديا وعمليا مع انذل فئة بشرية شهدها الانسان منذ عقود وبما لاينكره الجميع. فاين هو المسلم المعتدل الذي يختلف نظريا عن داعش في احترام حرية الانسان ومساواته مثلا؟ ايقبل اكثر معتدليهم ان يزوج اخته او ابنته لمسيحي او بوذي؟ ايقبل شهادة المراة او اليهودي او المرتد في محاكمه الشرعية؟ ايقبل ان يتنازل نهائيا عن حدود الله كما يسميها ويستنكرها علنا مثل قطع يد السارق وجلد الزاني ورجم المحصن, مع انها ملغية بالواقع؟ ايقبل ان يبشر الهندوسي والصابئي والايزيدي في شوارع بلده الاسلامي المدني؟ بل ايقبل ان يدفن جثمانه بعد موته بمقابر غير المسلمين؟ فاين هو هذا الاعتدال المزعوم واين هي المساواة والاخوة بين البشر التي يتغنون بها؟ ومالفرق حينئذ بينهم وبين داعش سوى في 3 او 4 احادبث يعتمدون اضعفها وادجلها بينما داعش تاتيهم باكثرها قربا للسنة والكتاب.

علينا فعليا الاستعداد عراقيا واقليميا ودوليا لهذا السقوط الداعشي المرتقب والذي سيخلف فراغا دينيا قد يفسره الكثير من المتدينين كفراغ اخلاقي وانحلالي. ويجب ملء هذا الفراغ بقيم انسانية صارت معروفة ومنتشرة وفاعلة وعالمية تعتمد المساواة الحقيقية والعدالة واحترام الاخرين والتعايش المشترك والتسامح. وهي جميعا مما لم ولن يقوله الدين يوما مع ان العقل يتقبله بسهولة.