23 ديسمبر، 2024 12:10 ص

سقوط “الوهم المقدّس”..!

سقوط “الوهم المقدّس”..!

عندما يُقدس العقل شيئاً، جديراً كان أن أم لا، فأن زوال تلك القدسية لا تقود إلى الإعتدال؛ إنما يكون الكفر بما هو مقدس لذلك العقل، نتيجة حتمية.. القداسة لا تعرف الإعتدال، الكفر المطلق أو الإيمان المطلق!..
العقل الذي يُقدس ما ليس جديراً، ثم ينزع ثوب القداسة عن ذلك الشيء؛ لم يصل إلى حقيقة علمية وفق بحث؛ إنما وجد (مقدس) آخر!.. هي أوهام تخلقها ظروف إجتماعية وثقافية وإقتصادية، تقود بالنهاية إلى صناعة أرباب بشرية أو فكرية. وهذه الظاهرة غير مرتبطة بتدين أو تمدن, بمعنى آخر؛ ظاهرة التقديس لا يمكن حصرها في الأديان, بل بالأفكار الناتجة عن قراءة خاطئة وفهم مشوّه.
يتميّز الفكر الناتج عن تلك الظاهرة بالهشاشة والفقر المعرفي, وغالباً ما ترتبط أعمدة ذلك الفكر بعواطف خالصة لا ترتكز على أي حقيقة علمية. المحصلة؛ إنّ وهماً يُغرس ويتضخّم لدرجة يصعب معها إستئصاله, وبالتالي يتحوّل إلى جزء من حياة شخص أو شريحة إجتماعية كاملة تستخدم نفس الأدوات وتفكر بنفس الطريقة, وطالما الأساسات واحدة فالنتائج تتطابق وهنا, عند تطابق النتائج, يتخيّل أفراد تلك الشريحة إنهم يقتربون من الكمال, بدليل إنّ “مخرجات تفكيرهم متطابقة” وهذه بنظرهم تخضع للمنطق التجريبي!..
ينسب لرجل دين إنه قال: “أنا حررتكم فلا يستعبدكم أحد من بعدي”, وهذا الرأي يتناقض مع طبيعة الإسلام التي تفترض إنّ الإنسان حراً بفطرته والبشر متساويين “كأسنان المشط”، ويرفض فلسفة علي بن أبي طالب للإنسانية “الناس صنفان؛ إما أخ لك بالدِّين أو نظير لك في الخلق”. ورجل الدين هذا؛ إستبدل عقيدة السماء وفلسفة الإنسان وفق تصور الأوائل, بتأسيس جديد هو محوره. هذه الرأي؛ له مئات الآلاف من الأتباع, الذين إكتسبوا فكرهم عن طريق التلقي والإستقبال فقط دون إن تتاح لهم فرصة السؤال والتدبّر, وبالتالي تأسست في أذهانهم صور مقدّسة لا يمكن مناقشتها مطلقاً, رغم عدم إستنادها على بعد معرفي رصين. في أقرب فرصة تتاح لأي من هؤلاء, بالإقتراب من معارف وثقافات أخرى تستطيع إستنهاض العقل؛ يكتشف إنّ ما آمن به قابل للنقد وخاضع للخطأ أو الصواب لا فرق, وعندها تبدأ محنة العقل بالبحث، فليس من السهل التفريط بالمقدسات!
إنّ طريقة البحث التي يتأسس عليها الوعي الجديد, أيضاً تكون خاضعة لذات المرتكز السابق, فهم يعتقدون إنّ الثابت الإسلامي الوحيد هو المحرر ،رجل الدين، الذي وضع نفسه بديلاً عن الإسلام برمته. النتيجة ستكون الإلحاد السطحي, إذ إنه لم يرتكز على نقد النظرية الدينية الرئيسية من جوهرها؛ إنما ناقش أوهام يعتقد بقداستها!..
مثال آخر من الواقع الإسلامي:  يحتفي مئات الملايين بذكرى رجلٌ “قطع رأساً وأحرقها” معتبرين هذه الممارسة (المقدسة) وتقديس فاعلها, تؤدي حتماً إلى “جنة الخلد” و”الحور العين”. إنفتاح العقل المأسور بهذه المنظومة (القداسوية) على ثقافة رفض العنف, تقود بالنتيجة التي تنبثق من فطرة الإنسان, إلى تحطيم قداسة “قطع وحرق الرأس” وبالتالي سقوط الفاعل في وحل الإجرام والخرافة, وهذا الفاعل هو إختزال -بنظر عبيده- الإطار الذي ينتمي له “الإسلام” وبالتالي يتحطم الإسلام ككيان مُختزل بشخص مجرم أو مخرّف جاهل!..
هذان المثالان يعبران عن الواقع والإرتدادت التي تعيشها الدول الإسلامية, فكلٌ يحمل “وهمه المقدّس” بين خلجات روحه, ويعتبر سقوط ذلك الوهم نهاية الإسلام. القلة التي تخرج من دائرة ذلك الخيال, تذهب إلى أقصى التضادد, إذ تُلحد وتدخل في موجة صراع جديدة بين أتباع الوهم والخارجين من الوهم!..
إنّ الحقيقة بعيدة عن الطرفين, ومشكلة الصراع باقية تتطور وتنضج دماً مسفوحاً على سطح الأفكار دون الوصول إلى عمقها, ولا نتيجة إيجابية أو أمل برؤية واضحة لمستقبل أفضل.
لا شك إنّ إمبراطوريات قائمة على إعمدة ذلك الدجل والخرافة القاسية التي لا تحتوي على أي عمق ووعي, مجرد ثقافة سرد غيبي تحاول إدامة زخم الإجرام والفوضى, وتستقل من أجل ديمومة وجودها؛ إلا إنّ هناك خطاباً دينياً منسجماً مع العصرنة وقيم المساواة وحقوق الإنسان والعدالة, ولعل هذا الخطاب مرتبطاً بجذر يمتد إلى تاريخ طويل من النضال قادته رموز إسلامية كبيرة ضد رموز السلطة في العالم الإسلامي ذاته. نقطة إيجابية تلك التي تتمظهر بممارسة إسلامية تتوائم مع الإنسانية وفكرها المعاصر، غير إنّ معرقلات ذلك الفكر هو الكم البشري الهائل، في العالم الإسلامي، الذي يتخذ من الخرافة والجهل والإنحراف الإخلاقي منهجاً مقدساً، ثم تحولت إلى عقائد دموية ترفض حتى إختلاف الألوان والأذواق!
تلك العقائد التي تمارس رفض الإختلافات وتجريد الإنسان من إرتباطاته البشرية الفطرية، لا يمكن عدها من الأديان أو الآيدلوجات؛ إذ رفض أتباع هذا المنهج أي إلتقاء بينهم وبين الخصم (المفترض)، إلى أن وصل الرفض درجة مقززة من الإجرام والدموية الممارسة في عالم أمة (السلام)!..
إنّ الغريزة الإنسانية المحبة للبقاء والحياة، بدأت تنشط عند الإنسان المسلم، بعد ضمور وخمول لفترات طويلة، ونشاطها سيؤدي حتماً إلى تجريم ممارسات إلغاء الحياة ورفضها رفضاً قاطعاً، وهذا الرفض لا بد من إرتكازه على أسس فكرية وآيدلوجية، وهذه الأسس غير متوفرة في الإسلام الذي آمن به هؤلاء، وبذات الوقت فهم يرفضون أي قراءة معتدلة وواقعية للنص الإسلامي إذا لم تأتِ عبر مصادر أسست الخراب والدمار؛ وبالتالي فالنزوح سيكون بأتجاه المرتكزات العلمانية والأفكار الرافضة للدين والتدين بأعتبارها ملبية لرغبات الإنسان في البقاء والسلام والسعادة.
الإسلام أمام مفترق طريق مصيري وفي زاوية ضيقة وخيارات محدودة جداً؛ فإما إعادة قراءة النص الإسلامي وإنتاج ثقافة تنسجم مع العقل والعاطفة وتوازن بينهما، ويتم ذلك بعد تجريد النص من المؤثرات (المقدسة) كقطع الرؤس وطبخها أو (الآلهة المحررة). أو أن ينتج مجتمع جديد يجّرم الحديث في الدين لأنه سبّب شقاء أجيال ودمار شعوب وخراب أوطان!..