23 ديسمبر، 2024 9:26 ص

سقوط المثقف العراقي

سقوط المثقف العراقي

من بين أهم السمات المفترضة في المثقف بشكل عام أن يكون صاحب رؤيا، وموقف، وحياد ايجابي.
انطلقت مقالتي هذه من السعار الذي اصاب الكثير من المثقفين والمحسوبين على عالم الكتابة إبان أزمة سقوط الموصل وحتى الآن. في الازمات يمكن للمرء ان يكشف الاقنعة، وكذلك في الغضب. وهكذا، ظهر مثقفنا العراقي – بالاجمال- فاقدا للاتزان، حماسيا أكثر مما تتطلبه الروية وإمعان العقل. وهنا يفقد المثقف البصيرة حينما لا يدرك تعقيدات الاشياء. فتراه حاسما، رغم معرفته السطحية بخبايا الامور ويبني استنتاجاته على معرفته هذه فيتفوه بما لا يعلم. كمثال: ظهر العديد من المثقفين (الذين سأذكر بعض الاسماء منهم في ذيل المقالة)، ظهروا وكأنهم يعرفون كل ما جرى في الموصل، وذهبوا الى تخوين سياسيين معينين تماشيا مع إعلام ورغبة الحكومة. ذهب البعض الآخر الى تسمية ما حصل في المنطقة الغربية بالارهاب واثقين من أن داعش وحدها هي التي قامت بكل ما قامت به. وتماهى بعضهم الاخر مع الحكومة في اتهام السعودية وقطر ووصفهما بأبشع الصفات. وحاليا، بعد أن بانت رغبة الادارة الامريكية في استبدال المالكي، تراهم يظهرون قبائح الرأسمالية وأمريكا مثلما كان يفعل شيوعيو السبعينات في القرن العشرين.

يحيلنا هذا الى المواقف التي يتخذها المثقف العراقي: هي بطابعها العام مواقف آنية تتبع المصلحة الشخصية للمثقف وليس الرؤيا المفتقدة او المصلحة العامة. فحينا تراه يتغنى بالعلمانية والحرية وحينا أخرى بالمرجعية وحينا ثالثة بالمالكي. وتراه يتنقل بين امتداح التجربة الاوربية، ثم يحتضن ايران وتجربتها. احيانا ينقم من ادارة المالكي للازمات، وتغطيته على الفساد والارهاب، وهدره للمال العام لسنوات، وأحيانا يتغنى بذكاء المالكي ووطنيته ويتهم أعداءه انهم سب الفشل. لقد انتقل الكثيرون من ضفة الى اخرى حسب جهات التمويل. خاصة من يتحول منهم الى مستشار لرئيس الوزراء او يعمل في احدى وزاراته او هيئاته. هو صورة من وعاظ السلاطين يبيع الكلام ويتلون: شيوعي تارة، رأسمالي تارة، اسلامي تارة، وظيفته أن يجمل صورة رب العمل.

هؤلاء المثقفون ليس لديهم حل وسط. هم أما مع او ضد. وسبب كونهم (مع) مقترن بمصلحة شخصية او وهم، وسبب كونهم (ضد) كذلك. من لا يمتلك الميزان الدقيق في تعامله مع الظواهر لن يمتلك الحياد الايجابي، لأنه سيكون الى جانب جهة ويتبنى ما تقوله غاظا الطرف عن الجهة المقابلة مهما كانت اسبابها. يلعب المثقف حينها دور النعامة بامتياز. فجرائم ايران او تدخلاتها في العراق سينظر اليها بعين الرضا وسينظر الى اعداء المالكي بعين السخط لا غير. سيكون حمل (عصائب أهل الحق) للسلاح مبررا جدا، بينما عشائر الموصل والانبار وصلاح الدين لا يحق لها. وستكون فتاوى رافع الرفاعي طائفية بينما لا يطال هذا الوصف السيستاني على سبيل المثال.

مثقفون على هذا الطراز عباد لنزواتهم، فاقدو بصيرة وأسرى غرائزهم، فقدوا البوصلة وسقط عنهم القناع.

* * *
أمثلة: سالم مشكور، عبد الأمير علوان، وجيه عباس، محمد عبد الجبار، مؤيد اللامي.