الزوبعة الديمقراطية العاصفة في المنطقة العربية , تهدف إلى إسقاط الدول وتفكيكها ومن ثم إعادة ترتيبها , وفقا للمصالح المرسومة على خارطة القرن الحادي والعشرين.
ومن المعروف أن الديمقراطية لا تكون إلا في دولة ذات سيادة ودستور وطني وجيش قوي وإقتصاد متمكن , ويسود فيها القانون , وتعمل بحرية ونزاهة المؤسسات التابعة لها.
فالديمقراطية لم تحقق ما وعدت به وكما تم تسويقها , والترويج لها والتضليل بها.
الذي تحقق هو إسقاط الدولة!
ففي الدول التي تحركت فيها عواصف التغيير الديمقراطي , لم يحصل إنجاز نافع للناس , وإنما تدمر الجيش وأجهزة الدولة , وأستعيض عنها بالمليشيات المسلحة , فشاع الإضطراب والخوف والفساد والتفاعل الغابي الشديد.
فالدول العربية إبتداءً من تونس , أخذ السعي المتنامي فيها لإسقاطها وإلغاء وجودها , وبعض هذه الدول وعت آليات اللعبة , وبعضها إبتلعت طُعم الديمقراطية , ففقدت جيشها ونظام دولتها ومؤسساتها , كما هو في الدول المعروفة , التي ألغت جيشها ودولتها بالكامل.
وما يجري في مصر هو معركة مصيرية للحفاظ على الجيش , وكيان الدولة التي إستهدفتها العاصفة الديمقراطية , وفي اليمن لا يزال الصراع قائما ومتطورا.
تلك ثمرات الديمقراطية في المنطقة العربية , ذلك أن الديمقراطية الحقيقية تتعارض مع مصالح القوى الكبرى , وأن الذي يصلح لمصالحها هي الأنظمة الشمولية الفردية الإستبدادية , التي تلغي إرادة الشعب.
وقد تحققت هذه الأهداف بأساليبها التواصلية الجديدة , وذلك بإلهاء الشعب وأسره بالخوف والرعب والحاجات , وبإنشغاله ببعضه , وهذا معناه , أن الشعب قد تصادرت إرادته وحريته وتحول إلى مُستعبّد , ومُكبّل بأصفاد عديدة لا يعرف الخلاص منها إلا بمغادرة بلده , والتيهان في بلدان الدنيا الشاسعة.
فبدلا من حكم المنطقة بالأفراد , صار حكمها بآليات جديدة أقسى وأمرّ من حكم الأفراد والطغاة والأحزاب المتنفذة , و ” إنشدت لحية إبلحية والحبل عالجرار”!!
فهل لنا أن ندرك ونتعلم معاني الديمقراطية الأساسية , ونبني عليها عمارة الحاضر والمستقبل , فنؤمن بالوطن والشعب والمصالح الوطنية؟!!!