23 ديسمبر، 2024 10:21 ص

سقوط الأندلس ..وحملات الإفتراء ..وظلم التاريخ..!!

سقوط الأندلس ..وحملات الإفتراء ..وظلم التاريخ..!!

كثيرة هي الأساطير التي قيلت عن سقوط آخر قلاع الاندلس وهي مدينة غرناطة، التي تعد المعقل الأخير لحضارة العرب في الأندلس ، يوم كان العرب قد أقاموا في أسبانيا، أول امبراطورية عربية إسلامية، ما زالت شواخصها الحضارية قائمة حتى هذه اللحظة!!
أجل كانت الأندلس مفخرة العرب وتاج عزهم ، يوم أقاموا فيها القصور العامرة والمساجد الاسلامية النفسية بكل الجواهر والدرر والتصاميم الرائعة التي تبقى الاجيال تشيد بمآثر من صمموها بكل تلك الروعة التي تضاهي اكثر حضارات الغرب ، وحضارات دول المنطقة ، حتى تألق كبرياؤها الى علياء السماء!!

ويؤكد مؤرخون أسبان أنه ليس بمقدور من حاولوا تشويه صورة العرب من الأوربيين ، في ذاكرة الاجيال، أن يمحو من مخيلتهم تلك الصورة السريالية الجميلة التي كانت عليها حضارة الاندلس وبشهادة مؤرخين أسبان وغربيين، كانوا قد أكدوا أن هناك الكثير من حملات التشويه والافتراء التي صاغها بعض ساسة الغرب بحق ملوك الاندلس وبخاصة بحق آخر ملوكهم (الغالب بالله) وهو الذي يلقب بـ (أبو عبد الله الصغير) ، وكان آخر ملوك العرب الذي ودع غرناطة ، بعد ان سقطت بيد ملكيها ، إيزابيلا ملكة قشتالة وليون وزوجها فرديناند الثاني ملك أراغون، وأثبت مؤرخون أسبان بطلان الروايات التي قيلت بحق ابو عبد الله الصغير بأنه لم يبك مثل النساء كما نقل ظلما عن أمه أنها قالت عنه :«ابك مثل النساء ملكًا مضاعًا، لم تحافظ عليه مثل الرجال».!!

ويشير كتاب ومؤرخون الى أن (المنتصر) هو من كان يكتب التاريخ في كل الأوقات، وليس (المنسحب) أو (المنكسر) ، وان الملك الاندلسي كان يهدف من إنسحابه هذا بعد حرب ضروس إستمرت عشر سنوات، أبلى فيها بلاء حسنا، كان يهدف ، الى حفظ دماء المسلمين بعد أشهر طويلة من حصار خانق دكت فيه مدفعية الأسبان كل قلاع مدن غرناطة وما حولها ، ولم يتبق أمام آخر ملوك العرب في الأندلس الا أن يسلم الراية ، حقنا لدماء العرب فيها!!

ويؤكد مؤرخون أن الأسبان هم من خانوا العهد بعد أن أعطوا ملك غرناطة الأمن والأمان ، وأنهم سيعامون العرب بإحترام وتقدير ، وإن أي نزاع او خلاف يحدث سيتم وفقا للشرائع والقوانين لكلا الديانتين المسيحية والاسلامية ، لكن الإسبان نقظوا كل الوعود والعهود وشنوا حملات قتل ظالمة على العرب المسلمين وتعاملوا معهم بقسوة وبأساليب وحشية وبريرية لم يعرف لها تاريخ الحروب في تلك الفترة مثيلا!!

ويؤكد مؤرخون أنه لا أصل للحكاية التي تم فبركتها عن الرجل : (إبك مثل النساء ملكًا مضاعًا، لم تحافظ عليه مثل الرجال»!! .

وفي المصادر التاريخية العربية، لا وجود للقصة إلا في المصادر القشتالية. كما تختلف هذه الأخيرة فيما بينها عند سرد التفاصيل، حتى إن هناك رواية تؤكد أن مقولة «ابك مثل النساء ملكًا مضاعًا، لم تحافظ عليه مثل الرجال» لم تصدر عن الحرة لإبنها أبي عبد الله في طريق الرحيل بل بقصبة الحمراء!!

ومن المؤرخين من يطعن في صحة الرواية من الأساس مثل الكاتب الغرناطي «ليوناردو بيينا» مؤلف كتاب «الزفرة الأخيرة للملك أبو عبديل El último suspiro del Rey Boabdil». ويعتقد مارمول أن الحدث ليس له أي خلفية تاريخية، بل مجرد قصة من خيال أسقف قادش «أنطونيو دي غيفارا»، رواها في صيف سنة 1526م للإمبراطور كارلوس الخامس لإثارة الانتباه. بل يؤكد أن أبا عبد الله لم يمر من هناك بالأساس.

يذكر ان «حرب غرناطة» دامت 10 سنوات بين عامي 1482 و1492، وشهدت استعمالًا فعّالًا للمدفعيةِ مِن قِبل القوات المسيحية أمام تخلف غرناطي في هذا الجانب. وكتب المؤرخ «ويستون كوك. جى آر»: واصفًا المعركة: «إن قوة النار الناتجة عن البارود وعمليات الحصار التي استخدمت فيها المدفعية هى التي أدت إلى الانتصار في حرب غرناطة، أما العوامل الأخرى في النصر الإسبانى فقد كانت عوامل ثانوية». وقد سقطت غرناطة آخر قلاع العرب في الاندلس في الثاني من يناير (كانون الثاني) 1492م.

نعم ..قليلة هي المعطيات التي وصلتنا بقلم مؤرخ أو كاتب عربي عن نهاية أبي عبد الله وسقوط غرناطة، فقد سطّرت كُتِبَ تاريخ نهاية مملكة بني نصر عادة بأقلام مسيحية انطلقت عادةً من فرضية أيديولوجية واضحة ألا وهي: الكتابة نُصرةً لوحدة الأراضي الكاثوليكية وتمجيدًا لنهاية الحملة الصليبية ضد الإسلام. هذا بالإضافة إلى جهل الكثير من كتاب تلك الفترة أصلًا بلغة العربي المهزوم وثقافتها، وهذان سببان رئيسيان يفسران كيف شُوهت بعض التفاصيل، وكيف حيكت الكثير من الأساطير حول أحداث وهمية لم تحدث قط.

وقد انعكس الحدث المروع بعد حدث سقوط غرناطة على السكان المسيحيين انعكاسًا إيجابيًا، بعكس العالم الإسلامي الذي استقبل أمرًا مريعًا ومحزنًا خاصة بسبب الوثاق الديني والثقافي واللغوي الذي يربطه بمسلمي الأندلس. فقد العرب والمسلمون حضارة ازدهرت لقرون، سواء على المستوى الاقتصادي، أم السياسي، أم العلمي وغيره.

وبهذا العرض الموسع يمكن ان نفهم كيف أن أحداثًا صادمة مثل: فقدان مملكة الأندلس التي ازدهرت لقرون، ونفي ملكها وحلفائه،وعدم وفاء المنتصرين بالمعاهدة المتفق عليها بين ملك غرناطة والملكين الكاثوليكيين، وأيضًا عمليات طرد الموريسكيين والتضييق على المدجنين والشتات الموريسكي بشمال إفريقيا؛ كل ذلك أدى إلى عدم الاكتراث بالتدوين. إذ اهتم فقط قلة من المؤرخين العرب البارزين بالتطرق للأمر إذ واجهوا مهمة شاقة وثقيلة بسرد أحداث كارثية مأساوية عنيفة مُريعة مؤلمة صادمة.

إن حقائق التاريخ لابد وان تظهر ، وما أقيم من حضارة عربية اسلامية متقدمة في الأندلس، تبقى مفخرة للاجيال العربية ، وهي ما زالت مآثرها ورموزها شاخصة حتى الان..وليس بمقدور من يريد تشويه سمعة العرب في حينها ان يغطي شمسهم بغربال!!