18 نوفمبر، 2024 2:44 ص
Search
Close this search box.

سقط العدل على المداخل .. أم دفن العدل في المزابل؟ – 1

سقط العدل على المداخل .. أم دفن العدل في المزابل؟ – 1

توطئة
المتابع لما يجري في بلداننا العربية عامة يشك بأن بقية للعدل قد بقيت كما امر الأسلام ونحن مسلمون, أو كما أقرت الأعراف الأجتماعية أو الشرائع الأنسانية المتعارف عليها. وللحديث في هذا الموضوع الخطير والهام لا بد من توطئة له ثم الحديث بحلقات عنه ونبدأ بالتوطئة راجياً سعة صدركم وتفهم واقعية الأمر علّنا نتجاوز محنة فقدان العدل والأستهتار به.
قال الله عزَّ وجل في محكم كتابه:
وأمرت بالعدل بينكم.
ومن أمة موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.
لا شك إن كل الديانات أشارت الى القيم المعنوية من رحمة ومحبة وعدل . ماكانت الأديان إلا لتهدي الأنسان الى سواء السبيل . فقد أرسى الأسلام قواعد العدل فحث على المثل العليا والقيم الخالدة . بإعتبار العدل أساس الملك . فألزم المسلمين بإتباع الحق والصدق والترفع عن الظلم. لأن الظلم ظلمات  يوم القيامة. والله لا يحب الظالمين .
لقد حث الأسلام  الضمير الأنساني على تحري العدل في القول والعمل . ولا سيما في الشهادة لأن الشهادة لله تعالى ولا يجوز كتمانها أو تحريفها.وعلى المرء ألا يخاف من قول الحق لومة لائم. فلا محاباة لغني لغناه, ولا لقريب على غريب ولا لقوي لقوته, بل قول الحق .لأنه أحق من أن يُتَّبَع. ومن غير الجائز أخلاقاً ولا شرعاً أن يتبع المرء هواه, فينحرف عن جادة الحق والعدل والصواب .ومن حقنا أن ندلي بشهادتنا على أمتنا فحن براءٌ مما يحدث اليوم .
 ونُذَكِر الأمة ونقول: أن في فتح مكة أغلق عثمان بن طلحة باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ليدخل فيها. وقال : لوعلمت أنه رسول الله لم أمنعه. فلوى الأمام علي عليه السلام يده. وأخذ المفتاح منه عنوةً فدخل رسول الله فيها وصلى ركعتين شكراً لله .ولما خرج سأله عمه العباس أن يدفع له المفتاح. ويجمع له السقاية والسدانة. فنزل قول الله تعالى:إن الله يأمركم أن تردوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ,إن الله نعما يعضكم به,إن اله  كان سميعاً بصيرا.وأمر الرسول الكريم الأمام علياً أن يرد المفتاح الى عثمان بن طلحة ففعل الأمام عليه السلام. فصار هذا سبباً لأسلام عثمان بن طلحة, فنزل الوحي بأن السدانة له ولأولاده أبدا.فإن كان هذا هو العدل مع المشركين كما يراه الله ورسوله فما ظننا بالعدل مع المؤمنين؟
هذا هو العدل في الأسلام فهل من العدل أن يسرق الحكام قوت شعوبهم ؟وهل من العدل إشاعة روح الأنتقام والقتل والتهجير من ساسة فقدوا الضمير, وإبتعدوا عن الأسلام ؟ وهل من العدل قتل الناس على الهوية؟ وهل من العدل ترميل النساء و تيتيم الأطفال لا لشيء إلا لكونهم من طائفة أو دين آخر؟ وهل من العدل مصادرة قرار الشعوب وتغييب كلمتهم؟أم من العدل أن تمسك كتل سياسية فاشلة بخناق الشعب وتدفع به لأتون الحرب الأهلية والدمار؟ وهل من العدل خلق وإفتعال  الأزمات والدفع للأقتتال الطائفي وشحن الشعب عاطفياً من أجل مصلحة إنتخابية وأغراض لا تجيزها الشرائع الدينية والأخلاقية؟ فهل هذا من الأسلام بشيء؟
قال نزار قباني وغنت فيروز
الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان
يبكيان لأجل من تشردوا
لأجل أطفالٍ بلا منازل
لأجل من دافع وإستشهد في المداخل
وإستشهد السلام في وطن السلام
وسقط العدل على المداخل
فلماذا تُشرَّدُ الشعوب ولماذا تُذَل؟ وهل العدل يبيح قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؟حالٌ لم نألفه من قبل حيث كنا متآلفين في العراق, متسامحين متوادين. فماذا جرى؟ ومَنً الذي يدفعنا لهذا ولمصلحة مَنْ يا ترى؟أليس هذا حرقٌ للأخضر واليابس؟ أليس هذا إزهاقٌ لأرواحٍ بريئة؟أليس في هذا إهدارٌ للمال العام وتفويت فرصة النماء والتطور؟ ؟إن هذا الذي يحدث اليوم إلهاءٌ للشعب ليتناسى محنته الحقيقة في غياب إرادته .وإن ما يحدث يصب في مصلحة الفاسدين والمفسدين والناهبين والسراق الذين تسلقوا الهرم, ليفتوا الفرصة على الشعب لأنتخاب من يريد بعد أن ضُلِلَ وخدع وشحن طائفياً .وإنَّ ما يحدث اليوم ما هو إلا  تمريراً لمخطط تقسيم العراق وتفتيته وتدميره وإضعافه خدمة لدول مجاورة طامعة, وقوى عالمية تهدف لأضعاف المسلمين والعرب.
نحن في بلداننا العربية عامة وفي العراق وسوريا والبحرين ولبنان خاصة نعيش اليوم أزمة حقيقية ونشهد إحترابٌ و إحتقان طائفي رهيب. والخطر داهم واللهيب يتصاعد.بأيادٍ خبيثة يدفعها ويمولها خبثاء إقليميون ودوليون.ونحن أمام هذا المشهد في ذهولٍ وإستكانةٍ مريبة.فما السبب؟
أمرٌ محزن أن نرى أوغاد يعتلون المنصات  وينعتون سواد الشعب بالخنازير والقرود . ويرمونهم بتهم باطلة ما أنزل الله بها سلطان. يحرضون البسطاء والأبرياء من شعبنا الطيب على بعضهم البعض ويقطعون طرق المواصلات ويهاجمون مخافر الشرطة ودوائر الدولة يحرقون وينهبون ويقتلون.فهل من العدل إلحاق الأذى والدمار وتشظية الأمة الى شيعة يسمونهم بالخنازير ؟وهل من العدل قتل الشرطة وهم من كُلِفَ بحماية الأمن وإستهداف الجيش سور الوطن وحامي حماه؟ . وأمرٌ محزن أيضاً أن نرى أرتالاً عسكرية ذاهبة للقتال . فهل يصح أن يقتل الأخ أخاه؟ وهل من العدل تسمية شطر كبير من الأمة بالنواصب وجند يزيد فأين عقلاء الأمة أم أنها فرغت من العقلاء؟لقد دُفِنَ العدل في مزابل هذه الأمة.
كأنَّ ألف وأربعمائة سنة لم تغيير شيئاً في حال وتفكير ونهج هذه الأمة. فلا تزال مكبلة بتداعيات السقيفة وحرب الجمل.فلا يزال البعض يقسم الأمة الى جند الحسين وجند يزيد. ونسوا إن كل الأمة هي جندٌ للحسين ولا وجود لجند يزيد إلا في قلوب بعض مرضى الفكر والنفوس.فالحسين لكل المسلمين لا للبعض فقط . مع عجيب أمتنا إنها أمةٌ مشدودة للخلف بقيود جهلٍ وغباء ثقيلة محكمة. أمةٌ تأبى التقدم خطوة للأمام.أمة يحلو لها  أن تغفو في الظلام والماضي المقرف وترفض النور .
ويبدو أن ضمير الأمة قد مات فأستشهد السلام في وطن السلام. و سقط العدل على المداخل. وفي بلادي دفن العدل في المزابل.

أحدث المقالات