23 ديسمبر، 2024 10:07 ص

سفينة زجاج تساهمية

سفينة زجاج تساهمية

كان جزء من سياستي في إدارة الشركة أن أنتقل في السياسة الإستيرادية من التعامل مع التجار الوسطاء والذهاب إلى المنتج والتعامل المباشر معه وأن أدعم القطاع الخاص على قدر تعلق لأمر بالمواد التي تتعامل بها الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية (ومنهم التجار المستوردين للمواد الإنشائية) وأن أسعى لتطويره ومشاركة الشركة في رفد السوق بالمنتج الجيد وبالسعر الجيد وتوسيع دوره حتى يحل مقام الشركة في إداء دورها ومن الخطورة بمكان الإنسحاب من السوق قبل الوثوق بممارسة القطاع الخاص لدوره بشكل علمي صحيح آخذين بنظر الإعتبار الظروف الإستثنائية التي يمر بها البلد بعد الإحتلال الأمريكي 2003م وما تلاها وإن إقتصاد الدولة المركزي لم يتح الفرصة الكاملة للقطاع الخاص لكي ينمو بشكل يمكن ان يحل محل الدولة في تسويق كافة المواد الإنشائية وكان السوق قبل 2003م خليطاً (غير متجانس) من القطاع الحكومي (وزارة التجارة والصناعة على وجه الخصوص) الملتزم بمواصفات متوازنة وجيد بشكلها العام وبأسعار تنافسية تحمل هامش ربحي بسيط وبكميات كبيرة من ما شكل عائقاً أمام القطاع الخاص ليدخل في تنافس متوازن مع القطاع الحكومي (العام) الذي كان يهمه منع الإحتكار والحفاظ على المواصفة وحماية المستهلك وإنطلاقاً من كل ذلك قررت منح فرصة للقطاع الخاص كي ينمو تمهيداً لإنسحاب الشركة من كل قطاع تجاري يتمكن القطاع الخاص من إثبات جدارته ومقدرته على توفير السلعة المناسبة وبمواصفة جيدة وبالسعر المناسب للمواطن بصورة متدرجة كي لا نحدث فراغاً في السوق. وبدأنا من خلال جهاز أبحاث السوق بدراسة أسواق السلع التي تتعامل بها الشركة وبعد بحوث ودراسات قررت الجلوس مع التجار وأصحاب الأختصاص لمناقشة كل سوق من الأسواق وسماع معوقات وهموم تجار ذلك الصنف من المواد وبدأنا بسوق الزجاج لإعتبارات عديدة منها شحة المادة لدى الشركة وحاجتها لدعم من القطاع الخاص لتقليل هذه الشحة لحين وصول الشحنات التي سبق للشركة التعاقد عليها قبل 2003م والأمر الثاني تركزتجار الزجاج في منطقة معينة من بغداد من ما يسهل إستدعائهم والتعامل معهم الأمر الثالث شكاوي المواطنين من رداءة الزجاج الموجود في السوق المحلية قياساً إلى نوع الزجاج الذي تتعامل به الشركة وطبعا عوامل اخرى . لذا قررت الإجتماع بأكبر عدد ممكن من تجار الزجاج في بغداد للتباحث معهم حول مشاكل تجار الزجاج فيما يتعلق بإستيراد مادة الزجاج وماهي معوقات عملهم وأسباب رداءة النوعية المستوردة من قبلهم ؟ وأكدت لهم رغبة الشركة في دعم المستوردين منهم لغرض توفير السلعة المناسبة وبالسعر المناسب ومغادرة التنافس بين التجار والحكومة وصولاً إلى التعاون وتكامل الأدوار خدمة للبلد وللمواطن .
وبعد نقاش طويل وصريح جداً خلصنا إلى ان اهم مشكلة يواجهها تجار الزجاج في حينه أنهم عاكفون عن إستيراد الزجاج من مناشيء بعيدة ورصينة وإكتفائهم بكميات متواضعة من دولة جارة لأسباب تتعلق بالخزن وظروف السوق المحلية وخوف التجار من الدخول بمنافسة الحكومة التي تبيع باسعار تنافسية فعلاً (بعض الأحيان مدعومة) فضلا عن الخوف من تسريب الزجاج الحكومي إلى السوق بطرق غير شرعية ! ؛إضافة إلى عدم إستقرار السوق في حينه . ولكن لما توسع نطاق المناقشة تبين لي أن من اهم أسباب عدم إستيرادهم الزجاج من مناشيء رصينة ومتقدمة في صناعة الزجاج (كنت قد رشحت لهم الصين لأعتدال أسعار ومواصفات الزجاج الصيني وأفضل من الزجاج الإيراني الذي كانوا يستوردوه من إيران) أجمعوا على أن ذلك غير متاح لهم (في حينه على الأقل) لأن ذلك يتطلب التعاقد على كميات كبيرة جداً (كلما كبرت الكمية قل سعر الشراء وقلت كلف الشحن أيضاً) وذلك غير متاح لهم في الوقت الحاضر حيث أنهم يستوردون الزجاج بكميات متواضعة جداً وحسب حاجة السوق وبكلف وأسعار رخيصة جداً وبأقل قدر من المجازفة.
هنا اقترحت عليهم أن نعمل عقد مشاركة بيننا وبينهم على إستيراد سفينة كاملة من الزجاج الصيني بمواصفات جيدة جداً وبكلف قليلة جداً! حيث تقوم الشركة أبتداء بتحديد المواصفة المطلوبة بشكل دقيق ونتعاقد على شراء الكمية المطلوبة بموجب ضوابط العقود المعمول بها في الدولة العراقية والتي يشرف عليها خبراءالشركة وكوادرها على بالشركة بين الشركة والتجار المحليين الراغبين بذلك وبأي كمية يختاروها ولكل تاجر وبالكمية المناسبة له حسب أمكانيته وما تبقى تكون حصة الشركة من الصفقة وسنتيح للتجار مشاركة قسم الإستيراد في كل تفاصيل العقد من لحظة دراسة المناشيء والمصانع والأسعار والمواصفات وشروط التعاقد ولغاية بدء الشحن أول بأول للأستفادة من خبرات الشركة والتدريب العملي على التعاقدات وتشجيعهم مستقبلاً على قيامهم بالتعاقد المباشر من قبلهم على أن نتقاسم جميع كلف الشحن كل حسب حصته من العقد ؛ وسنقوم بتحديد سعر بيع (موحد) مناسب لكل الاطراف الزبائن والتجار والشركة وأعربت للتجارعن أستعدادنا لتأجيرهم مساحات مخزنية لسلعهم (الزجاج المستورد ضمن هذا العقد) داخل مخازن لزجاج الخاصة بشركتنا إضافة إلى الإستشارات اللازمة لهم لتمكينهم من التعاقد المباشر مستقبلاً مع المجهزين وقيامهم بخدمة المستهلك العراقي وأن هذه التجربة جديدة لنا مثل ما هي لهم (لم يسبق أن قامت شركة حكومية بمثل هذا التعاقد من قبل) وكنت أفكر أنها لو نجحت سأعممها على أسواق ومواد أخرى….
فرح التجار بذلك وأبدى الكثير منهم رغبتهم في المشاركة بهذه التجربة بأكبر كمية ممكنة لهم وأنا بدوري لم ألزمهم بكمية محددة . وطبعا كان لي إضافة لكل ما ذكرته مآرب أخرى منها تقليل الكلفة على الشركة (مشاركة التجار في الشحن والتأمين) والتعاقد بكميات ضخمة تساهم في تقليل سعر الشراء تقليل الضغط على مخازن الزجاج القضاء على الشحة في السوق توقعات الشركة بحاجة السوق الكبيرة جداً لمادة الزجاج والتحوط لعدم تمكن الشركة من تغطية كل هذه الحاجة وأخير تشغيل الأسطول البري لشاحنات الشركة بما يعود على الشركة بارباح اضافية في ذات الوقت تقليل كلف الشحن من الميناء على التجار المحليين.
وبكل حماس رفعت مقررات هذا الإجتماع إلى معالي الوزير للأطلاع وإلى مجلس إدارة الشركة وإلى الدائرة القانونية في الشركة لدراسة هذا المقترح وبيان الرأي القانوني فيه والحصول على أكبر دعم معنوي وقانوني وإستشاري لكونها التجربة الأولى . ومع كل هذا أواجه مرة أخرى من قبل السيد (معرقل) الذي تولى حماية التخلف وأشرف على تسهيل الفساد فكان خيمة له ليقود حملة تسقيط أخرى لمحاولتي الجديدة في التغيير لكني أصريت على أن تنجح هذه التجربة وكانت التجربة الإستيرادية الثانية بعد سياسة (التوريد برسم البيع) ولكنهم أيضاً أصروا على عدم السماح للمستقبل أن يأتي وللحلم أن يستمر فكانت مؤامرة إقتحام بيتي وتهديدي لينتهي الحلم هنا وأترك الشركة ختام عام 2005م وأقدم طلب إحالتي إلى التقاعد بناء على طلبي مكرهاً …