قد يستغرب القارىَ – لاول وهلة – من عنوان المقال ، ويتساءل مع نفسه لماذا لم يصاغ العنوان بشكل اكثر اختصارا واسهل تعبيرا ، لا سيما وان اللغة العربية تمتلك امكانات لغوية كبيرة ، وانها تقوم على اساس خير الكلام ما قل ودل ، ويطرح مع نفسه عناوين قريبة مثل ( سفير ضد دولته ) ، او ( سفير ضد حكومته ) أو حتى ( سفير ضد الحكومة التي يمثلها ). واجابة على كل هذة التساؤلات نقول ، ان الوقائع والتجارب التي عاشها وشهدها العراق منذ الاحتلال الامريكي عام 2003 ، قد افرز – على مدى اكثر من عقد – عن شخصيات اقل ما يقال عنها انها تصرفت ضد مصالح دولة العراق وضد مصالح وتطلعات شعب العراق . المغلوب على امره، والذي تمنعه ظروفه من تشخيص الاخطاء الخطيرة لا بل الكوارث التي تلحق الاذى بالعراق وشعبه لعشرات السنين او اكثر ولاجيال قادمة كثيرة .
وامثال هولاء الاشخاص قد دخلوا العراق بعد الاحتلال الامريكي ، مدعين انهم مظلومون من النظام السابق ، وان غاياتهم سليمة ونياتهم طيبة في تحرير العراق وتخليص شعبه . وانهم على ثقافة عالية ويحملون شهادات عليا ، وتناسى العراقيون ان هولاء كانوا يبثون الاحقاد ضد العراق وشعبه ، وسرعان ما انكشفت حقيقة هولاء فاذا بقصص ظلم معظمهم غير صحيحة ، وان نياتهم سيئة في التدمير والايذاء وان الغاية هي سرقة اموال العراق وهدم اسسه . وانهم غير مثقفون في العمق، وانما في الظاهر، وان شهادات اكثرهم مزورة أو من معاهد غير مهنية أو في اختصاصات ضعيفة لا قيمة لها في العراق .وكل مايميزهم عن العراقيين هو ان جميعهم يتحدث بلغات مختلفة يتقدمهم الذين يتحدثون الانكليزية باللهجة الامريكية فتراهم يتحركون في كل الاتجاهات ويعوجون شفاههم قائلين ( أو ياه ) . وتليهم في المرتبة الثانية الذين يتحدثون الفارسية وهكذا وصولا الى الاسبانية والروسية والسويدية وغير ذلك . وكما هي عادة البشر ، فان الذليل ما ان تاتيه الفرصة حتى يريد ان يثبت لمن اذلوه بانه قد انتصر عليهم ، وهذا ما دفعهم الى السعي للعمل في وزارة الخارجية ليكونوا على تواصل بين الداخل والخارج . وهكذا نجد ان للعراق 84 بعثة دبلوماسية خارج العارق اي 84 سفيرا بالحساب المجرد البسيط ، ومن بين هولاء 60 سفيرا منهم اجنبيا ويحمل جنسية دولة اجنبية . لا بل ان بعضهم قد تخلى عن جنسيته العراقية أو أسقطت عنه للاسباب التي يوجبها القانون .
ومن بين هولاء عينة الدراسة هذه ، وهو ممثل العراق الدائم لدى مكتب الامم المتحدة في جنيف سابقا محمد علي الحكيم والذي ادخل العراق في مأزق قانوني لن يستطيع الخروج منه لعشرات السنين ، عندما صادق على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الامريكية الى مجلس حقوق الانسان في جنيف اثناء انعقاد الدورة الاعتيادية العشرون والخاص بالحق في الجنسية : النساء والاطفال ، والذي صدر في 16 / تموز /2012 ، حيث نصت الفقرة 4 من القرار المذكور على ان المجلس ( يشجع الدول على ان تيسر، وفقا لقانونها الوطني ، حصول الاطفال على جنسيتها عندما يولدون على اقاليمها أو لمواطنيها المقيمين في الخارج ويكونون من غير ذلك عديمي الجنسية ). وكان القصد من القرار هو صهر مواطني الدول العربية من خلال منح الجنسية لكل من يولد على اقليم الدولة حتى لو كان والديه من الاجانب ، وهكذا فان اي اجنبية تدخل العراق وهي حامل وتلد على الاقليم العراقي حتى لو كانت الولادة قد تمت في طائرة محلقة في الاجواء العراقية ، فان على الحكومة العراقية ان تمنحها الجنسية العراقية اسوة ببقية العراقيين . وبرغم من التحذيرات الكثيرة له من المختصين من اعضاء البعثة ومن مسؤول الملف الآ انه اصرّ على ذلك . وهكذا صدر القرار باسم العراق كدولة راعية لمشروع القرار ، وهذا سيشكل بحد ذاته قنبلة قانونية موقوتة كما هو الحال في دستور 2005 ، لتثير مشاكل عديدة للعراق في الامد البعيد ، وقد استغربت الدول العربية جميعها من موقف العراق على الرغم من ان القانون العراقي يعتمد مبدأ حق الدم في منح الجنسية العراقية وليس حق الاقليم كالقانون البريطاني ، لان كل قوانين الجنسية في العراق تنص على اعتبار كل من يولد من اب او ام عراقية عراقيا بالولادة ، أو ان يقيم فترة طويلة في العراق لاغراض التجنس . وقد حدثني المستشار القانوني لمنظمة العمل الدولية في جنيف صيف عام 2013، قائلا 🙁 لقد زرت العراق ضمن لجنة لتغيير قوانين العمل العراقية ، والحقيقة ان معظم اعضاء اللجنة قد وجدوا القوانين العراقية متقدمة حتى على العديد من الدول الغربية في تشريعها الرصين ولا تقل عنها ابدا ، ولكني شعرت ان الجانب الامريكي كان وراء اصرار العراقيين على تغيير قوانينهم بحجة انها قوانين تمثل النظام السابق ، وهذا سيضرّ العراق كثيرا). وهكذا فقد خالف هذا السفير ارادة التشريع العراقي ، وانتهك الدستور العراقي وقانون الجنسية النافذ ، وعمل ضد ارادة دولة العراق حكومة وشعبا ، لارضاء وفد الولايات المتحدة الذي هدده ضمنيا بالغاء جنسيته الامريكية اذا ما رفض ذلك ، وفي محاولة منه لحفظ ماء الوجه ، فقد سعى من خلال سكرتارية المجلس المذكور الى عدم تضمين النص العربي اسم العراق والاكتفاء بذكره في النص الانكليزي ويمكن لاي شخص ان يطلع على النصين من خلال الوثيقة (A/HRC/RES/20/4 ) ويقارنها بالنص الانكليزي في الوثيقة الذي يبدو فيه اسم العراق واضحا بين عدد من الدول التي دعمت تبني هذا القرار(A/HRC/RES/20/L.8 ) . وقد كرمه وزير الخارجية بنقله الى نيويورك ليكون ممثل العراق الدائم لدى الامم المتحدة هناك ، لاكمال مخطط هدم التشريعات العراقية التي صاغتها عقول عراقية مبدعة شهد لها العالم طويلا . وقد جرى اخبار عدد من الوزراء بذلك بضمنهم وزيرة شؤون المراة ولكن لم يحرك احد ساكن . وهذه واحدة من اخطر عمليات الهدم القانوني في العراق .