بعد التغيير الذي حصل، في العام 2003 تغيرت مواقف الدول، تجاه العراق وحكوماته المتتالية، فكل دولة لها مصالحها، التي تجعلها تدعم الحكم الجديد، أو تقف بالضد منه، وبدت مواقف أغلب الدول مرحبة وداعمة للعراق، مثل الكويت التي ذاقت مرارة الغزو الصدامي، بينما السعودية رفضته بكل ما ملكت من قوة، وبجميع السبل! وبذلك كان موقفها الأشد قسوةً على العراق وشعبه.
رفضت السعودية كل محاولات التقارب بين البلدين، التي أبداها العراق وبحسن نية ومنذ بداية التغيير، بل وعلى العكس، احتضنت كل من يناصب العداء للحكومة، فصارت المؤتمرات تعقد الواحد تلو الآخر، برعاية سعودية، يدعمها ماكنات إعلامية ضخمة، ملأت العالم ضجيجا، كل سعيها إثبات فشل العملية السياسية الجديدة في العراق.
كان التعامل الدبلوماسي السعودي مع العراق، بمنتهى الدونية والاستهانة بالمقابل، فنرى ملك المملكة أو وليه، يستقبل رؤساء وملوك وقادة الدول في المطارات السعودية، بينما المسؤول العراقي يُستَقبل من قبل محافظ أو نائب محافظ، أما القمة العربية التي انعقدت في بغداد، كان التمثيل السعودي فيها في أدنى مستوياته، وهي رسالة سلبية للعراق وعمليته السياسية.
خلال حكومتي المالكي، تأزمت العلاقات مع اغلب دول الجوار والسعودية خاصةً، لكن بعد تغيير المالكي ومجيء حكومة العبادي، بدأت صفحة جديدة، فطالبت الحكومة العراقية نظيرتها في المملكة، بتعين سفير لها في بغداد، وبعد قطيعة لسنين طوال عينت السعودية، ثامر السبهان سفيرا لها في العراق، وهو ضابط سعودي شغل مناصب متعددة، ذات أبعاد عسكرية وأمنية صرفة.
السفير الجديد كان مريباً في عمله، فدائماً ماكانت تصريحاته بالضد من الحشد الشعبي، وغالبا ما ينعته بـ”مليشيات الحشد الشعبي” في تحدٌ واضح، للحكومة التي ظمت الحشد لمؤسساتها الأمنية الرسمية، وصار جزء من منظومة الدولة العراقية، لكن السبهان لم يعطِ أيّ أهمية لذلك، وراح يغرد خلال من مواقع التواصل الاجتماعي، بالضد من المتطوعين، وسخر كل تصريحاته لانتقاد الحشد وتضحياته.
الحكومة العراقية طالبت باستبدال السبهان، بسبب تدخله في الشأن الداخلي للدولة، وخروجه عن دوره الدبلوماسي، ويبدو أن المملكة استجابت لطلب العراق، فقد نقلت وكالات أنباء: أن الديوان الملكي أمر بتعيين خالد الشمروخي الشمري، سفيراً جديداً في العراق، وهو عميد ركن شَغل منصب الملحق العسكري، للسفارة السعودية في المانيا.
اصرار سعودي على تعيين ضابط آخر خلفاً للسبهان؛ يثبت الشكوك بسوء نواياها، في إن مهام السفير بعيدة عن الدبلوماسية، وإنما مسؤوليته إثارة الفتنة، ودعم بعض الجهات الطائفية السنية، وتبني الإقليم السني، الذي يُعَد غاية السعودية، وهدفها بتقسيم العراق وجعله دول متعددة.
التدخل الخارجي في الشأن العراقي، ماكان ليكون؛ لولا وجود حواضن من سياسيين ومجموعات عراقية، باعت ولائها للخارج، فتخطيط المشروع سعودياً وفي داخل السعودية، أما تنفيذه فبأدوات عراقية، من داخل العملية السياسية وخارجها، فنرى هؤلاء يسيرون حسب أوامر السفير، سواء بذم الحشد الشعبي، ورفض دخوله لبعض المدن، أو برفض كل خطوة حكومية لتطهير حواضن الإرهاب، وأعمدته السياسية كالهاشمي وغيره.
أخيرا، السعودية ليس من مصلحتها تعافي العراق، فهو يملك التأريخ والثروات والموارد البشرية، وإذا ما تمكن من إقامة دولة ديمقراطية، أساسها المواطنة وحفظ حقوق جميع أطياف الشعب العراقي ومكوناته، فإن هذا يمثل تهديداً لكيانها المستبد، الذي يقطع اعناق مخالفيه بالرأي والفكر والعقيدة، ويرفض الآخر والتعددية، بل لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة!