28 ديسمبر، 2024 6:50 م

سفراء من خريجي قسم اللغة الروسية / د. غالب عبد حسين التميمي

سفراء من خريجي قسم اللغة الروسية / د. غالب عبد حسين التميمي

كان يمكن لعنوان مقالتنا هذه ان يكون ايضا – ( عراقيون مرّوا بموسكو ) , اي ضمن سلسلة مقالاتنا عن العراقيين الذين درسوا في الجامعات الروسية , ولكننا ارتأينا ان يكون العنوان مرتبطا بقسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ( بيتنا الحبيب , والذي عملت فيه 35 سنة باكملها !), وذلك للتأكيد , على ان هذا القسم هو البوابة التي قد ( واؤكد على قد ) تؤدي للدراسة اللاحقة في تلك الجامعات , وقد ( واقصد ربما) تؤدي ايضا الى تلك النتائج الباهرة, رغم انه يجب الاشارة هنا رأسا , ان منصب السفير في العراق هو منصب سياسي بحت قبل كل شئ وبعد كل شئ وبغض النظر عن اي اختصاص , ولكن.. مع ذلك .. مع ذلك ..مع ذلك.. , كما يقول الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي في احدى قصائده المشهورة عن الحرب بترجمة الراحل الكبير د. ابو بكر يوسف …
السفراء حسب التسلسل الزمني لتعينهم هم – د. غالب عبد حسين التميمي , ثم , المرحوم د. عباس خلف كنفذ , ثم , د. فلاح عبد الحسن عبد السادة . غالب و عباس كانا طالبين في فرع اللغة الروسية بقسم اللغات الاوربية في كلية الاداب بجامعة بغداد, و فلاح كان طالبا في قسم اللغة الروسية في كلية اللغات , بعد اعادتها (الى الحياة!) من جديد عام 1987 .
د . غالب كان سفيرا للعراق في أذربيجان , وهو أول تعيين له كسفير, وكان آخر سفير هناك قبل الاحتلال الامريكي عام 2003 وسقوط نظام صدام , والمرحوم د. عباس كان سفيرا للعراق في روسيا , وهو ايضا اول تعيين له كسفير , وكان آخر سفيرهناك قبل احداث عام 2003 تلك , أما د . فلاح , فقد اصبح سفيرا للعراق بعد عام 2003 , في صربيا اولا , وهو الان سفير العراق في الهند . لقد أشرنا في بداية مقالتنا هذه , ان منصب السفير هو منصب سياسي بحت, وبالتالي , فان هؤلاء الخريجيين أصبحوا سفراء نتيجة لمواقفهم ومواقعهم السياسية طبعا , ولكننا نكتب مقالتنا هذه للتاريخ اولا , و ثانيا , استمرارا لمحاولة تسجيل تاريخ قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ومسيرته منذ تأسيسه عام 1958 , وتسجيل مصائر خريجيه طبعا تعد مسألة حيوية في تاريخ هذا القسم , وكم اتمنى ان أرى يوما ما قائمة شاملة تضم اسماء كل خريجيه ( او معظمهم في الاقل) ومصائرهم ومناصبهم وطبيعة اعمالهم بعد تخرجهم , وهو عمل ارشيفي كبير يقتضي جهودا جماعية منسقة بلا شك , وهو كذلك جزء حيوي لا يتجزأ من تاريخ العراق المعاصر طبعا . مقالتنا هذه تتوقف عند اول سفير في هذه السلسلة وهو- د. غالب عبد حسين التميمي , ونأمل العودة الى الاسماء الاخرى لاحقا.
د. غالب . كان أحد مسؤولي الاتحاد الوطني لطلبة العراق في كلية الاداب في السبعينات , والاتحاد هذا كان خاضعا كليّا لحزب البعث الحاكم آنذاك , ولهذا , فان غالب كان طبعا ضمن اعضاء ذلك الحزب , و كما يقول المثل العالمي , يمكن معرفة جوهر الانسان عندما يكون لديه المال او السلطة . كان غالب نموذ جا للانسان المؤدب والخلوق , خصوصا تجاهنا نحن اساتذته , وقد كنا نشعر بذلك , ولهذا اصبحت العلاقات معه واسعة جدا, وبعد انهاء دراسته في فرع اللغة الروسية , سافر الى الاتحاد السوفيتي لاكمال دراسته , وحصل على الدكتوراه في اللغة الروسية من جامعة مينسك في جمهورية بيلوروسيا السوفيتية , وقد التقينا بمشرفته العلمية مرة في احدى المؤتمرات العلمية في موسكو, وكانت راضية عنه علميا واخلاقيا لدرجة انها شكرتنا , وقالت انه عكس لنا طبيعة اخلاق العراقيين الراقية , وكذلك مستوى تدريس اللغة الروسية في جامعة بغداد , وقد شعرنا آنذاك بالفخر عندما كنّا نستمع اليها . عمل د. غالب في قسمنا بعد حصوله على الدكتوراة لفترة قصيرة ثم انتقل الى الخارجية ( لانه اصطدم برئيس القسم المتزمت والمتهور, والذي كان رأس البعثيين آنذاك) , وعندما كنا نسافر الى موسكو صيفا , كان هو موظفا في سفارتنا هناك , وكان يستقبلنا بحفاوة متناهية وكرم حاتمي ويقدمنا للحميع على اننا اساتذته . لقد كان د. غالب انسانا بسيطا ونقيّا و صادقا وعراقيّا اصيلا و محبوبا من قبل الجميع ومحترما من قبل الجميع منذ ان كان طالبا في القسم , وهكذا بقي دائما , اذ ان تربيته العائلية واخلاقه الراقية تغلبت على حزبيته في كل تصرفاته الحياتية و علاقاته مع الآخرين , وهي ظاهرة نادرة جدا بين صفوف البعثيين . د. غالب الان متقاعد و يسكن في بغداد مع زوجته واولاده في بيته المتواضع, ويعيش بانعزال عن المجتمع ومشاغله ومشاكله , ولكنه يسير برأس مرفوع , لأنه يحصد ما زرعه في مسيرة حياته النظيفة.