يقول المثل الصيني ان من لا يتعلم من اخطاءه سيتعين عليه ان يعيشها من جديد، ورغم كل اخطاء النظام البعثي الدولية الا ان ما يسجل له هو حسن اختياره للسفراء الا ما ندر، ولعل اسماء مثل نزار حمدون الذي مازالت الصالونات الدبلوماسية في واشنطن ونيوروك تتذكر مآثره الدبلوماسية وقوة شخصيته وقدراته اللامتناهيه في بناء العلاقات مع الادارة الامريكية واعضاء الكونغرس في ثمانينات القرن الماضي هو نموذج للاختيارات الصائبة للسفراء في تلك المرحلة، والقائمة الحقيقة في التمُيز على تقتصر على نزار حمدون، بل اسماء علت في سماء الدبلوماسية كعبد الرزاق الهاشمي وسعيد الموسوي ومحمد الدوري وعبد الستار الراوي واسماء كثيرة كانت لها بصمات واضحة في الدبلوماسية الدولية، ولعل فترة التي تلت غزو الكويت والحصار الشامل الذي فرض على العراق وسفراءه في الخارج شكل تحدياً كبيراً غير مسبوق تمكن سفراء العراق لاحقاً من كسره وتحشيد دول العالم ضد الغزو الامريكي هذه الجهود وان فشلت لان القرار الامريكي اتخذ بشكل لا رجعة عنه لانهاء نظام صدام وتفكيك العراق طائفياً وقومياً واعادة تشكيل دول الشرق الاوسط، الا انها لا تلغي أهمية النجاحات التي حققها سفراء العراق في تلك المرحلة الصعبة، على ان هذا ليس تمجيدأً للنظام السابق وانما محاولة للمقارنة المهنية بين اداء وكمستوى سفراء تلك المرحلة ثم سفراء العراق الجدد بعد سنة 2003، فالنظام المهلهل الفاسد الذي اسسته امريكا على اشلاء النظام السابق انعكس بوضوح على الالية الطائفية والقومية في اختيار السفراء مما جعل جُل الاختيارات سيئة بشكل غير مسبوق في الدبلوماسية الدولية فتم تعيين سفراء بائسين بكل ما تعنيه هذه الكلمة بل ان قسماً منهم لا يملكون شهادات جامعية فتعالت فضائح بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى من اداء معظم سفراء العراق سواء على المستوى الشخصي او المهني، من فساد اخلاقي ومالي الى سوء ادارة سوء خلق غريب ووصل الامر الى العراك بالأيدي والفضائح النسائية المهينة مع الاسف الشديد، هذه الحقائق ممكن الاطلاع عليها بأية عملية بحث بسيطة على (كوكل).
واليوم والدولة العراقية تعاني معاناة جسيمة داخلياً وخارجياً نرى البرلمان العراق المشكل من المصالح الحزبية والمليشياوية يعود الى نفس سيرة المنظومة السياسية السابقة ويختار السفراء بنفس آلية المصالح والمحاصصة دونما اعتبار حتى لقانون الخدمة الخارجية رقم 45 لسنة 2008 الذي اشترط في في المادة التاسعة لتعيين السفير ما يلي (ج- من ذوي الخبرة والاختصاص ومن المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة.
و- ان يتقن احدى اللغات الحية او ان يكون له المام كاف بها في الاقل.)
وبالعودة الى هذه الشروط فان مجال الخبرة والاختصاص المقصود هو في الدبلوماسية الدولية والاختصاصات ذات الصلة بها، لذا وكنموذج بسيط ما هي خبرة يزن مشعان او أي بقية المرشحين في الدبلوماسية الدولية ؟ ومن منهم لديه اتقان او حتى المام بلغة أجنبية بل هل يعرف بعضهم الفرق بين (yes) و(No)؟
هذه حقيقة كارثة بكل المقاييس مضاف اليها ان اعمار المرشحين صغيرة نسبياً وهذا معناه ان هذه العاهات المستديمة ستبرك على قلب الدبلوماسية العراقية لما يقرب على 15 سنة قادمة او يزيد…. وحسب معلوماتي فان هناك استعجال من الكتل الحزبية والمليشاوية لسرعة تنفيذ هذه الطبخة المسمومة قبل حل البرلمان الحالي وان هناك مباركة من قيادات الكتل بلا استثناء والمسألة مجرد وقت.
ورغم ان بعض الاصوات علت ضد هذه الطبخة كوزير الخارجية السابق محمد علي الحكيم، الا انها عملياً غير ذات قيمة، فالوزير السابق الحكيم حاول ان يبين بطولاته بقائمة السفراء التي اعدها في فترته والتي حسناً فعل البرلمان برفضها، فهي كانت سيئة بكل المقاييس ولم تكن مهنية كما ادعى الحكيم، فالحكيم شكل لجنة من موظف محلي في سفارتنا في واشنطن وأستاذة مغمورة في كلية العلوم السياسية واجرى مقابلات مهينة لبعض الدبلوماسيين في الخارجية واختار اسوء الاختيارات ومعظمهم من دبلوماسيي المحاصصة والدمج وفقاً لواسطات الاحزاب ومدير مكتبه الاثير الى قلبه منهل الصافي واستبعد خيرة الدبلوماسيين المهنيين، ومجرد وجود موظف محلي ( مسؤوليته تقديم الشاي والقهوة او يجيب على بدالة السفارة، او يفتح باب سيارة السفير ويحمل شنطته) يختبر الدبلوماسيين هو دليل اسفاف الوزير الحكيم وسوء تقييمه لكوادر الوزارة من الدبلوماسيين.
ورغم هذه الصورة السوداوية الا ان ما لا ينكر ان هناك عدة محدود من السفراء الذين عينوا بعد 2003 تميزوا بالخلق الرفيع والمهنية العالية الا ان الكثرة السيئة من سفراء المحاصصة لم تعطهم الفرصة الكافية للظهور الاعلامي على المستوى الوطني او للتأثير الواضح على مسار الدبلوماسية الدولية، ومنهم على الخصوص وكلاء وزارة الخارجية الحاليين نزار الخيرالله، واحمد بروراي، وقحطان الجنابي، وصالح التميمي، ورغم آفة المحاصصة ونفوذ الاحزاب والمليشيات لا يقارن بقدراتهم على اتخاذ القرار والتي تبقى محدودة الا ان في واقع الامر لا يوجد ما يعول عليه العراقيون غير جهود ومسعى وكلاء وزارة الخارجية في ترصين خيارات مرشحي المحاصصة الى مستوى ولو مقبول على اقصى تقدير، ففي نهاية الامر يجب ان يمر أي ترشيح ابتداءا بموافقة وزارة الخارجية، لذا فان هذه المرحلة برغم قوة تأثيرات المليشيات والاحزاب حيث لن يكون بمقدور وكلاء الخارجية عرقلة ترشيح اخو هادي العامري على سبيل المثال، ولكن سيكون بمقدورهم رفض ترشيحات اخرى لمرشحين غير مؤهلين، كما يعول عليهم في ان يتأنوا ويعطوا الفرصة كاملة لأفضل خيارات الوارد الدبلوماسية… وفي النهاية تبقى هذه مجرد أمال لا تصل الى مرحلة اليقين في ظل الوضع البائس والفاسد الذي تعيشه العملية السياسية في العراق، وان خيارات الفشل تبدو اقرب من خيارات النجاح في اختيار سفراء العراق الجدد لذا فان الظمة ستبدو حالكه على الدبلوماسية العراقية والتي توشك على ان تلفظ انفاسها الاخيرة في ظل تفشي سيطرة دبلوماسي الدمج التي قادها الوزير الاسبق سيء الصيت الجعفري وتلاه فيها من يدعي المهنية وهو ابهعد ما يكون عنها الوزير السابق محمد علي الحكيم… هو صورة لمستقبل الدبلوماسية العراقية الذي اجده مظلماً وعسى ان يكون تحليلي خاطئاً، وان كنت لا اظن..