19 ديسمبر، 2024 12:41 ص

سفاهــة الخطاب السينمائي !!

سفاهــة الخطاب السينمائي !!

حـالة طارئـة :
حقيقـة وأن كان وباء ” كورونا” حالة طارئة ولم تكن متوقعة في أغلب الأقطار والدول التي حط رحاله فيها ؛ وعبث فيها فسادا وفوضى . مما فرض نظاما احترازيا، يتمثل في الحجر الطبي/ الصحي ؛ فكانت الحالة الطارئة ولازالت لها منافع متعددة ؛ بالنسبة للعديد من العباد فارضة علينا إما طواعية أو كرها منطقها؛ لأن الوضع كارثي عالميا؛ وبالتالي فمسألة التكيف مع الوضع العام تفرض نفسها وبكل تلقائية, لنمارس تعديلا في أسلوب حياتنا ، ومحاولة خلق وابتكار أنماط معايشة بديلة حتى لا نصاب بالاكتئاب أو بالروتين القاتل ؛ فكانت العودة لممارسة لحظات التأمل المنتج؛ المقرون بالمطالعة والقراءة… وبالتالي فشخصيا أتيح لي الحجر الصحي؛ أن أنتبه للأفلام المغربية لمشاهدتها ؛ وخاصة حينما أباح المركز السينمائي المغربي؛ تقديم جملة من الأفلام السينمائية؛ غير متاحة لحد ما للمشاهدة إلا في ( المركبات السينمائية) التي تم تعويضها ؛ بالقاعات التي تهدمت في جل ربوع الوطن وتحولت إلى مشاريع عقارية / تجارية / سياحية (؟؟)
وبناء عليه ؛ فـمشاهـدة جملة من الأفلام ؛ جاءت بشكل تلقائي وغير محسوبة في البدء. كتنويع في البرمجة اليومية بين الجدران الأربع . ولكن يبدو أن التلقائية ، كثيرا ما تعطي أكلها. بحيث تمت محاولة إحياء تواصل مع نوع فني / إبداعي (مغربي) قاطعته منذ زمان . نظرا لتفاهة ورداءة العـديد من الأفلام التي شاهدناها في مهرجانات وتظاهرات أو في قاعات خاصة أو التلفزة أو الأشرطة المقرصنة في (ِcd) والتي لاعلاقة لها بسحرية الفن السينمائي تركيبا وإخراجا وتشخيصا؛ ولا بنكهته الخاصة. وفي نفس اللحظة ، ربما كـتعويض عن العروض المسرحية ؛ وتنويع في صناعة الأحداث اليومية .
إذن لاحظت بين كل شريط وآخر؛ بأن السينما المغربية مازالت تبحث عن ذاتها. وعن جمهور متشوق للجديد .فرغم الكم الهائل من الإنتاجات لم تقفز قفزة نوعية ؛ لكي تستطيع أن تصل إلى ما يريده الفن السابع حقيقة ؛ بحيث لازالت السينما المغربية تحتاج لسنوات وعقود للتمكن من ثقافة سينمائية بمفهومها التقني والفني والفكري ؛ وتوظيف مهارات متعددة الاختصاصات من حيث الفنية والحرفية. بحكم أن الفيلم كإنتاج نهائي . في الأصل هو محصلة بنية مجموعة من العناصر التي تتبلور بشكل متداخل ومكمل بعضه لبعض .طبيعي أنه تقع بعض الهفوات أثناء الإنجاز أو تنسى بعض الأمور. ولكن انفلات عنصر ما أو انوجاد خلل فادح فيه ؛ فالشريط السينمائي لامحالة سيفشل جماليا / إبداعيا. فمثلا شريط ( جوهرة بنت الحبس) إخراج سعد الشرايبي سنة (2003) أو (طيف نزار) إخراج كمال كمال(2002) حوارات تسبق الشخصيات في حركتها أوخطابها أو تحريك شفاهها؛ والعكس كذلك؟ أما مسألة المؤثرات الصوتية والموسيقية فلا مناقشة؛ فأين الهندسة الصوتية وأين هو الميكساج (mixage audio)؟
وبالتالي فالإشكالية أساسا تتحدد : في بلد كالمغرب لا يمكننا أن نتحدث عن صناعة سينمائية، ونحن لا نملك سينما وطنية أولا. فخلق صناعة سينمائية لا يمكن أن يتأتى إلا بخلق سينما وطنية، سينما تعكس حقائق وأوجه المغرب، وعبرها ينجذب الجمهور المغربي إلى سينماه، ويحتاج إلى كم إنتاجي أكبر، ومن تم نصير بحاجة إلى إيجاد يد عاملة لذلك، وبعدها فقط، يمكننا أن نهيئ لتكون لدينا صناعة… لدينا نماذج قليلة، وأعتقد أنه في المغرب يتم إنتاج أفلام «باش ما عطا الله»، لدينا سينما كما لدينا أعمال تندرج في خانة «اللا سينما»(1) بحيث هذا التصريح ؛ يفرض تساؤلا جوهريا؛ مفاده: ما أهمية صندوق الدعم ؟
حـــــالة لازمـــة :
في عام 1980 بداهة تم إحداث صندوق دعم الإنتاج السينمائي، وذلك من أجل تطوير السينما المغربية . فمن باب المنطق ومنطق ثقافة السوق كان بالإمكان أن تكون – سينمانا- في مقدمة المنافسين عربيا/ أوروبيا، لكن واقع الحال يؤكد مبدئيا بأن الأفلام المغربية غير قادرة على التمويل الذاتي ؛ لأسباب تعود لغياب شركات استثمارية حقيقية في المجال ؛مقابل هذا فجُل الأفلام مع بعض الاستثناءات- (النادرة) لم تستطع خلق قدرة تنافسية؛ ناهينا عن شبه غياب لسوق داخلية قوية؛ والمتمثلة في القاعات السينمائية التي تهدمت لأسباب( مجهولة) وبالتالي: هنالك حديث في الكواليس عن فساد في تركيبات لجان الدعم المتتالية، الأمر الذي يستمر رغم توالي اللجان وتغيير الأسماء المكونة لها، إذ هنالك من يكُون عضوا في اللجنة ولا يعرف ميكانيزمات اشتغالها فيما البعض الآخر يُمررُون الدعم في ظروف غامضة وتوضع عليها كثير من علامات الاستفهام(2)فقضية لجن الدعم ؛ معضلة المعضلات في المجال الفني ببلادنا؛ حتى أن هنالك كتابات ورسائل حول هذا الموضوع ؛ وأقوى الرسائل التي أرسلها ونشرها الفنان المسرحي/ السينمائي- نبيل لحلو (3) فمن زاوية ضمنية؛ فتلك اللجن بمثابة رقيب مرن لما يريده المنتج (الإدارات العمومية ) من هنا فالأفلام المدعمة ( هي) تحت الطلب لتلبية رغبة . وبين الرغبة والدعم : فالمركز تحول إلى “خيرية” للسماسرة والمبتزين ومستغلي المال العام وكأنه ملك خاص. فبعد إقصاء المخرجين الموهوبين الذين بوسعهم أن يسموا بالذوق العام ويرفعوا من ثقافة المشاهدين، فُتح المجال أمام مخرجين، منهم من تخلى عن ضميره وتنكر لذاته فعلا وممارسة بكل وعي ومنهم من لا ضمير له لأنه لا ثقافة له، وجلس هؤلاء على طاولة “البغاء” لإخراج أفلام كأس وغانية ليتحول الفن السابع من “ينبوع أخلاق” إلى “دعارة سينمائية” لتستهدف الثوابت الدينية بالأساس. واخطر من هذا، فنفس المخرجين من آباء وأفراد العائلة الواحدة، راحوا يؤسسون ويعبدون الطريق لأبنائهم وإخوتهم وأخواتهم ليستغلوا نفوذهم لنهب ما تبقى من الثمار(4) وفي ظل هاته الحقيقة التي تتحرك في كواليس السينما المغربية . فالمنتج/ المخرج لا يرى في السينما إلا صورتها التجارية فقط، مما تعيش بشكل أو آخر فوضى عارمة وبيع وشراء؛ وتكسير أجنحة من يحاول الخروج عن السرب مما تزداد صراعات متعددة بين عدة أطراف؛ نتيجة عوامل المحسوبية والزبونية وتشكيل اللوبيات ؛ مع انوجاد عدة تغراث في بعض القوانين الناظمة للمهنة وللعلاقات التعاقدية بين مختلف مشغلي القطاع ؛ وحتى أكون محايدا في الموضوع ؛وأتعامل معه كما أراه وكما سمعت وقرأت؛ فهناك فيلم (دلاص)(5) يعري واقع الفن السابع ويدين ويطعن في السينما والسينمائيين بشكل علني وإن كان ( فنيا) من خلال هذا الحوار بين دلاص ( مخرج) والسيناريو و( حليمة) مديرة أعمال المخرج.
دلاص: سيناريو… سيناريو… كل من كتب كلمات يعتبره سيناريو.. ليس هناك فكر؛ ليس هناك خيال
حليمة : مــعــك الحق.
دلاص: الكل أراد أن يصبح سينمائيا… من حمل كاميرا يقول أنا مخرج… من له بعض النقود يريد أن يقوم بالإنتاج… الكل يقفز من النافذة
حليمة : تعرف البشر… إنهم وصوليون.
هنا نستشف صورة قاتمة للمشهد السينمائي ووضعه المستباح ! وإن حاول بعض النقاد الإشادة بالفيلم ؛لأنه في نظرهم يسلط الضوء على الانتهازيين والمتطفلين من المنتجين الذين لا رؤية لهم في تطوير الفن السابع بقدرما تهمهم مصالحهم الشخصية / التجارية.
لنقبل تفسيرهم ؛ وإن كان الفيلم ؛ يضرب نفسه بنفسه .ولا داعي لتشريح تكوين ومهنية المشاركين فيه .والذي يفرض سؤالا : فالذين أشادوا بالشريط ،هل فعلا هم نقاد سينما حقيقيون أم متطاولون أم هواة؟ يبقى السؤال مطروحا رغم وجود[ جمعية نقاد السينما] لماذا ؟ لأن ما كتب ويكتب عن الأفلام المغربية ؛ هي محاولات تحاول أن تحايث الممارسة النقدية السينمائية فقط، ولم تحاول خلخلة أو اختراق الدلالات الرمزية لخطاب الصورة وخطاب اللغة ؛ وأبعد من هذا الخطاب السياسي الكامن بين ثنايا الخطابين البصري/ السمعي ؛ والسبب يعود أساسا: أن النقاد السينمائيين المغاربة لم يحرصوا حرصا شديدا على ربط النقد السينمائي بسياقه الفني الذي يضمن له خصوصيته واستقلاله، فبدت تحديداتهم أقرب ما تكون إلى النقد…. الأدبي مثلما تقترب من النقد المسرحي أو أي لون آخر من ألوان نقد الفنون، مع العلم أن السينما فن مركب ومعقد له قواعده النوعية التي تجعله مختلفا عن بقية الفنون الأخرى، وبالتالي فإن أي حديث عن النقد السينمائي ينبغي أن يضع هذا الشرط في اعتباره (6)
ففي تقديري أصعب الشروط ، يتمثل في سؤال الإبداع بين النضج السينمائي والتطور الجمالي والمعرفي. الذي يطرح نفسه بحدة في مجال السينما المغربية :التي هي موضوعنا (الآن) وتلك أكبر جدلية يمكن أن تناقش في سياق أي فيلم (ما) لأن مفاهيم إنتاجه تطورت بشكل ملفت للنظر؛ ليصبح ورشة إنتاجية للإبداع ؛ لكي يستمتع مشاهد الفيلم بصناعة فنية ذات جودة في المبنى والمعنى؛ وإن كانت الأذواق تختلف؛ ولكن في الحد الأدنى يحدث التوافق والتلاؤم أو يترك المشاهد يتساءل ويفكر في ملامح وجوده المجتمعي ؛ إن كان الفيلم يلامس الواقع الإجتماعي/ السياسي/ الفني/ بشكل محبوك وأسلوب فيه مهارات تقنية وفنية ؛ تكشف عن خوالج وحركيته دواخل الإنسان بجميع تفاصيله في إطار فني/ إحيائي. ففي العديد من الأفلام التي شاهدتها زمنية – الحجر الصحي- ولا زال ساري المفعول. لم أقبض على روحانية الإبداع الكامن بين خطاب الصورة وخطاب اللغة. وذلك لغياب الرؤية الفكرية و الحمولة الثقافية في الفن السينمائي ؛ وهذا نتيجة :أن الأفلام المغربية في غالبيتها ترفيهية وبميزانيات ضعيفة ومخرجوها ليسوا مؤهلين، نظرا لضعف تكوينهم أو انعدامه، للمغامرة في أعمال تفوق حجمهم الثقافي والمهني (7) وبالتالي إذا أخذنا مرة أخرى فيلم ( دلاس) كاستشهاد خارج شهادتي؛ وخاصة ذاك المشهد الحواري والذي تكسره شهوانية الهواري (مخرج) والمستوري (منتج) انتهازي الذي التجأ لغير الكفاءة ؛ ومثاله في الكفاءة ( الأوربيون)؟
المستوري: هل تريد أن أكذب عليك…في الأول فكرت أن أجلب مخرجا من أوروبا؛ على الأقل هم يعرفون عملهم ويتقنونه جيدا.. فمن أين يمكن أن أشتري ساعة؟ هل من درب غلف أو من القريعة ؟ بالعكس سأشتريها من سويسرا طبعا…لكن زوجتي شاهدت أحد افلامك الذي هو…
دلاص: فيلم le soleil de lanuit
المستوري: نعم .. le soleil de lanuit لها ذوق لهذا السبب أثق فيها.. ولهذا لابأس أن نحرك الممثلين والفنانين ليشتغـلوا؛ حتى لا يبق المخرجون بدون عمل؛ يجلسون في المقاهي؛ ويشربون الخمور في الحانات…أنت بنفسك لم تشتغل منذ مـــدة…أليس كذلك ؟
دلاص: أنا لا أريد أن أعمل مع قرد مثلك…وجهك مثل الجزار- دين أمك – أنت منتج – اتفـو- لن تساوي بصلة…لا يشرفني أن أعمل معك – الله يلعن دين أمك – تريد أن اضع اسمي أمام اسمك – اتفو- من الأفضل أن أبيع الذرة …وألا أتعامل معـك – الله يلعن طاسيلت أمك- – اتفو- دين أمِّكم …أصبحتم مثل الباطرونا…هذه أحسن من – دين أمك – (يخطف الواصفة) هيا تعالى وابحث عنها – الله يلعن دين أمك -– فهذا المقطع يحمل تأويلات وقراءات متعددة بين محمول الصورة واللغة التهكمية/الساقطة التي عبر عنها ( المخرج) ولكن كلها تتقاطع في :
النقطة الأولى – أن : هنالك نسبة كبيرة من الحقيقة في الخطاب الذي يرى أن السينما المغربية حاليا قد تراجعت نسبيا من حيث الجودة الفنية وأن أغلب الأفلام المنتجة حديثا أصبحت تحمل طابعا تلفزيونيا بحيث أصبح المهرجان الوطني للفيلم وكأنه مهرجان للأفلام التلفزيونية حيث تنتفي اللمسة الفنية والرؤية الفكرية للمخرج، لنجد أنفسنا أمام “أفلام” مسطحة لا طعم لها ولا لون، ولا هي تنتمي لنوع من السينما التجارية التي تحترم نفسها وجمهورها ولا هي بسينما المؤلف حيث تحضر شخصية المخرج ورؤيته، وكأننا بهم كما حدث للغراب الذي….(8) هذا لم يضعه أغلبية نقاد السينما في الحسبان؛ وكذا غياب نوع من الهجمة الفكرية والثقافية( نقديا) تجاه محمول خطاب الصورة التي تكشف التدني الفكري للمنتج/ المخرج. والذي بمثابة نموذج صارخ لما يسود في كواليس ودهاليز السينما؛ إذ الملاحظ أن أغلبية النقاد في عدة محطات تمارس هجوما شبه منظم تجاه فيلم (ما) وتشيد بآخر؛ متمركزة على الجانب التقني للصورة؛ وتشخيص ( الممثل) رغم أن كلاهما في خندق واحد من [ اللاسينما ] فما الفرق بين ( دلاس / حجاب الحب/حياة/ يا خيل الله / ملاك/ كازانيغرا / ماروك / زيرو/ حجاب الحب/سرير الأسرار /المنسيون /…/ مما لا شك فيه أن المخرجين المغاربة تبنوا سينما العولمة وانجرفوا وراء موجة شرسة من أفلام الشذوذ واللواط والكلام السافل الذي يبعث على القيء وقصفونا بإباحيتها وسطحيتها وتكرارها وأسلوبها المترهل (لحظة ظلام) أو أفلام الدعارة أو السحاق( …)دون أن يفهموا مهمة توظيف الفن الراقي للجنس في السينما الذي يقدم رسالة إنسانية ومع ذلك يحاولون تقديم مبررات عن شللهم الفكري بمزاجية وغرور وزغاريد رنانة من صنف ضرورة كسر الطابوهات (9)
النقطة الثانية : إذ تأملنا هذا الحوار في فيلم ( في انتظاربازوليني/ إخراج : داود أولاد السيد/سنة2007)
علال: الله يهديك يا فقيه ؛ لا يحق لك أن تقول مثل هذا الكلام .
التهامي: نسيتم الخير بسرعة….نسيتم لحظة حضوربازوليني..لقد اشتغلتم جميعا. أنت يا- باسو- كم استفدت منه ؟ وأنت يا علال…فكم من واحد تزوج بأموال بازوليني ؟ كم من واحد أكل وشرب؟…أنا إن لم يكن بازوليني لن أستطيع شراء ذاك المنزل… نسيتم كل شيء ؟
علال: أخي التهامي؛ أنا شخصيا لم أقل شيئا .
وربطناه بالحوار السابق حول الكفاءة ( الأوربيون)؟ فالآمر ليس فيه كفاءة بل تبعية السينما للغرب بشكل مباشر؛ وما هو غير مباشر ولم أفهم مقاصده بشكل جيد؛ أغلب الأفلام التي شاهدتها وجدت ب((دعم الصندوق الفرانكفوني ))؟ ولكن تساءلت هل لترسيخ الأفلام المهجنة باللغة الفرنسية وما أكثرها؛ أم تمجيدا لخدمات المارشال ( الليوطي) أم نزوة مظهرية ؟ فالنقاد لم يثيروا هاته القضية؛ ومدى ارتباطها بالسينما .لأن النقد أساسا لا يقتصر على الجوانب التقنية وحركية الممثلين فقط. بل يشمل كذلك التوجه السينمائي والكواليس المحيطة بالفيلم دعما/ إنتاجا/ مساهمات/ والهدف إيصال الرسائل الصريحة والضمنية التي يحملها فيلم ( ما ) والصور والأفكار التي تعرض على المشاهد . من هنا نلاحظ بأن أغلب النشطاء السينمائيين تنعدم فيهم الجرأة والشجاعة الفكرية والأدبية للجهر بالحقائق بعيدا عن إغراءات و”الأظرفة” والاستدعاء للمهرجانات. وإن كانت هنالك أصوات تدافع عن قيم و تطالب: أن يكون النقد السينمائي ،نقيضا للنقد البرجوازي المثالي الانحطاطي البؤسوي الذي يرى استقلالية الإبداع السينمائي والثقافي عن الواقع الموضوعي بينما نرى هذا الفن من خلال جذوره الفعلية الحيوية الناتج من الوجود الاجتماعي. (10)فمثل هاته الأصوات محاصرة وممنوعة من الاقتراب لمناطق الفن السابع ! وبالتالي فسفاهــة الخطاب السينمائي في تقديري !! لم تأت من فراغ ؛ فهي تركيبة فكر مسطح لأغلب السينمائيين التابعين لأصحاب الرغبة ؛ فكيف يا ترى نفسر عقلية وسلوك من دافع على فيلم- كازانيغرا- والبعض أشاد بشريط- حياة – و- إطار الليل- والأخر رشح- سرير الأسرار- والأخرون نوهوا بفيلم – المنسيون – و- حجاب الحب -…. وكيف حصل فيلم( زيرو) على خمس جوائز من ضمنها الجائزة الكبرى للدورة 14 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة ؟ وجائزة أحسن سيناريو- ملاك وخطابه اللغوي كله سفاهة وقلة مروءة ؛ لا ينكر أحد بأن الألفاظ السوقية والساقطة؛ متداولة ويسمعها هذا وذاك في بعض الفضاءات والأزقة.وإن كان البعض يعلل لإنتاجه الفيلمي أنه مرتبط بمواضيع بالشارع. لا خلاف بأن الواقع هو المصدر الأساس لفنون القول والأداء ؛ فحتى السجون من المنظور العام؛ و التي تعد بؤرا لمجموع من المجرمين والسفلة تمارس توظيف وإنتاج لغة ساقطة ؛ سافلة وتدويل خطاب منحط وسافه بين النزلاء. ففي الأغلب الأعم ؛ هنالك حدود تفرض الاحترام ومحاولة الانضباط أثناء التخاطب بلباقة وأدب بين حراس السجون و السجناء. وبالتالي فما دور الفن إن لم يحاول محاربة السلبيات والشائبات العالقة في مجتمعنا؛ ومحاولة ترشيح وتصفية المفاهيم المغرضة والتي تزيد من تعميق أزمة الوعي وإشباع جذور التفاهة…؟ وبعـيدا عن الاستهتار بعقليات المشاهدين وقريبا لمنظور جمالي راق ومساهم في تربية الذوق رغم اختلافه. لكن المعضلة: الأفلام المغربية في واقعها الحالي، مثل قطع القوت النتنة نتذوق طعمها في الفم عن طريق الخطأ ونتقيؤها بمرارة لتوها وتخلق لنا حالة من الاشمئزاز. إنها إباحية في شكلها، وفارغة في محتواها، ومريضة في لغتها، تريد أن تعلم أجيال اليوم الكلام الساقط وهز البطن وتحاول نشر العاميات التي تشل قوة التفكير وتقتل كل القيم في المجتمع(11) فمثل هذا الطرح يتقارب مع أحد المبدعين الذين علقوا على سؤالنا بالقول التالي[[ شاهدته و تتبعته، لغة مبتذلة، لكنها بعيدة عن اللغة السينمائية، السينما صورة و فكرة ثم كلام، ركزوا على الكلام الساقط و غابت الرؤية الجمالية و الفنية، كأنه كان متعمدا او اتجاها لإقحام الكلام الساقط (12) فكلا الموقفين عند بعـض السينمائيين غير مقبول؛ والبعض الآخر ينعت هؤلاء بأن لديهم مشكل مع الحريات بصفة عامة؛ والأغرب أن هنالك من يجعلهم عدميين: لأن الناس ينتقدون الفيلم وهم لا يدرون حتى لماذا ينتقدونه ، يتألمون لأنهم يتماهون مع الشخوص ويرون أنفسهم في أسوء صورة فيهم – قد يكونون يهربون منها أو يتناسونها- ، إذ أنهم يوهمون أنفسهم أن كل شيء في حياتهم جميل ولا داعي للتذمر أو الشكوى، وحينما تأتي أنت وتزعزع هذا اليقين يكون رد فعلهم عنيفا ورافضا لرؤية حقيقـة ما هـم عليه (13) ففي هذا السياق نتساءل هل هناك مخرج ( ما) أو ناقد سينمائي ( ما) استطاع أن يوزع استمارات على الناس؛ دونما تحديد عينات.أو وظف وسائل التواصل الإجتماعي ليعرف ردود أفعال الجمهور. بعيدا عن المعيارية وتأطير أصحاب الآراء في السلفيين/ المتزمتين/ اللاحداثيين/ عدميين/…/
و من هذا المنطلق تراني سأحاول أن أحيل البعض عن جداريتي ؛ التي طرحت فيها هذا السؤال ((لماذا يوظف السينمائيون المغاربة ،اللغة الساقطة ،وخطاب السفالة ؟))(14) فالتعليقات والردود هي لأغلب المبدعين والفنانين والباحثين؛ ومن أجمل التعليقات ندرجها حرفيا [هؤلاء الذين يستعملون الكلام النابي والساقط ؛ إنما هم متسلطون على السينما لأسباب عدة منها مثلا :أولا : غياب رقابة تحترم نفسها ولها من المعرفة والثقافة ما يجعلها تقوم الاعوجاج حيث كان ؛ لحرصها على النشء ؛ ولهذا فهي لا تتوفر إلا على الضوء الاخضر لتستبيح كل ما من شأنه يذر الدراهم ولو على حساب اخلاق أمة.
ثانيا : تعتبر لغة الحال بحجة أن الواقع المعاش وكأننا لا نعرف ما يكفي ؛ ليخرج علينا السيناريست والمخرج بالجديد الذي يسميانه : ” الجرأة ” ؛ بينما هي وقاحة وسفالة ناتجتين عن تربيتهما بالمواخير والحانات.
ثالثا : تلك التي رقصت بالبيكيني على الركح وتسميها الحداثة ؛ وآخر مغامراتها اللقطة المشينة والخارجة عن السيطرة لتشبع رغبتها رفقة البسطاوي الابن الصغير.إنها الحداثة والنجومية عبر الكلام الساقط والعري الفاضح الذي لا يمت للفن ولا الأخلاق في شيء.
هل مثل هؤلاء المتسلطون على الفن يعرفون شيئا عن أخلاقيات الفن ونظرية التلقي لما يؤسس لبناء مجتمع حضاري متزن تسمو روحه بكل ما هو جميل…؟ ثم ما معنى الجمال عند هؤلاء…؟(15) سؤال نتركه للسينمائيين وللنقاد ونكتفي بأنه: تتعدد في الفيلم لغات الخطاب، الصورة نفسها خطاب مليء بالرموز والدلالات، وإذا سلمنا بدور الحوار كلغة تتوسل التعبير بالجمل والكلمات، والكلمة فجرت حروب وغيرت مجرى أحداث تاريخية، فلا يجب إغفال الحركات التي يتم تضمينها بين قوسين أمام الشخصية المتحدثة في نص الحوار، وسواء كانت حركات ايحائية أو توكيدية فلا يجب أن تشرح مبنى الكلام بل تخلق المعنى وتضيف الجديد (16) وبناء على ذلك ، فإن توظيف الصورة فنيا وجماليا. سترسخ في الذاكرة ؛ وتوظيف الخطاب اللغوي المائز والمقبول سيترسخ في الوجدان؛ لكي تحصل السينما على جمهور عاشق للفن السينمائي؛ بدل النفور منه .
الإحــــالات :

1) حوار مع بلعباس: أفلامنا تنتج « باش ما عطا الله» حاورته فاطمة أبو ناجي (04-11-2014)
2) مسألة الدعم والطريق المسدود للسينما المغربية افتتاحية مجلة سينفيليا – ع 13 / 2017
3) انظر لرسالة نبيل لحلو: الصايل يكذب على الأمير و يوزع المنح على أصدقائه منشورة في اجيال
بريس- بتاريخ 6/ 12/2011
4) حسن بنشليخة: الحديث عن مستقبل زاهر للسينما محض خرافة حاوره محمد لغروس في جريدة
الإصلاح والتوحيد 05/12/ 2011
5) فيلم – دلاص ﺇﺧﺮاﺝ: محمد علي المجبود (2016) ترجمت الحوارات للغة العربية من اللهجة المغربية ؛ لكي يصل معنى الحوارات
6) سؤال النقد في كتابات نقاد السينما المغاربة – دراسات لبوشعيب الخياطي في عين على السينما 18 /08/2016
7) نفس الحوار مع :حسن بنشليخة:
8) افتتاحية مجلة – سينفيليا بتاريخ (16-12-2017)
9) نفس الحوار مع :حسن بنشليخة:
10) رسالة من تحت الماء إلى إلهات / فينوسات السينما الأفريقية لمحمد فكاك في الحوار المتمدن-ع: 3438 – 2011 / 7 / 26 –
11) نفس الحوار مع :حسن بنشليخة:
12) 16مجلة سينفيليا – العدد الأول / ربيع13 20
13) تعليق المسرحي: محمد حيدة مويس – انظر لجداريتنا في الفايس بوك بتاريخ- 11/06/2020-
14) نفســــهـــــا
15) نفســـها تعليق الفنان الموسيقي: ع اللطيف أبطاني
16) الحوار في الفيلم السينمائي بين المبنى والمعنى حكيم يحيى سينيفيليا (10-09-2014)