23 ديسمبر، 2024 3:41 م

سفارة العراق في صربيا… عطاء كبير بإمكانيات محدودة

سفارة العراق في صربيا… عطاء كبير بإمكانيات محدودة

الأسبوع الثقافي العراقي الخامس في بلغراد
إن اهتمامنا الشخصي بالشأن البلقاني بحكم التخصص الأكاديمي يجعلنا نتابع بشكل مستمر الاحداث والانشطة التي تتم على ساحة جمهوريات يوغسلافيا السابقة وعلى الأخص جمهورية صربيا التي لا يمر عام دون أن نشد الرحال إليها للاشتراك في مؤتمر علمي او إلقاء محاضرة على طلبة الدراسات العليا في كلية الحقوق بجامعة بلغراد باعتبارنا أستاذاً زائراً فيها منذ أن منحتنا الكلية هذا اللقب عام 2000. وقد تزامنت زيارتنا الأخيرة لبلغراد مع إقامة الأسبوع الثقافي العراقي الخامس.

إن هموم العراق الداخلية لا تشل عطاء الخيرين في أداء واجبهم الوطني أينما كانوا… فعلى العكس من ذلك فأن الإصرار العراقي، أينما كان، في أداء الواجب الوطني، يعكس للعالم صورة حية لمعدن العراقيين الذين أسسوا لبناء أمهات الحضارات على وجه الأرض.

كانت إحدى فقرات جدول زيارتي لصربيا إلقاء محاضرة حول التطرف الديني في قاعة بهو الطلبة في بلغراد الجديدة يوم 9/10/2014 ولكن درجة تعلقي بالأسبوع الثقافي العراقي جعلتني أن أطلب من أصدقائنا الصرب تأجيل موعد محاضرتي الى موعد آخر هو يوم الثلاثاء 14/10 الساعة السابعة مساءاً فقبلت ولا مجال للاعتراض رغم خسارتي شخصياً ثمن تذكرة العودة الى أوسلو والذي كان مقرراً في نفس اليوم الثلاثاء الساعة الثامنة مساءاً،مما اضطرني الى قطع تذكرة جديدة للعودة الى بلد اقامتي في أوسلو.

اليوم الأول من الأسبوع الثقافي 6/10:

كان اليوم الأول عرساً عراقياً بامتياز حيث غصت قاعة مسرح الدراما اليوغسلافية بالحضور في طابقيها وامتد الاكتضاض الى ممرات المسرح الجانبية، وبحضور وزير الداخلية الصربي نيبوشا ستيفانوفيتش وعدد من أعضاء الحكومة والبرلمان الصربي ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدة لدى جمهورية صربيا.

وبعد السلامين الجمهوريين العراقي والصربي ( نشيد موطني أدته حناجر فتيات صربيات) وبعد كلمات الافتتاح والترحيب جاء الدور للفن العراقي العريق، فقد أجاد الفنان عمر منير بشير في التحليق بسماوات النغم العراقي الأصيل إذ قدم هذا الفنان مقطوعات موسيقية أذهلت الحضور، إضافة الى مقطوعة واحدة بعنوان (بغداد) من تأليف والده

المرحوم منير بشير. تلك الأنغام شدت حشد الحضور وأوجعت أكفهم من حرارة التصفيق وبحت حناجرهم من صيحات الإعجاب، فالشعب الصربي ذواق للموسيقى والفن الأصيل.

وتخللت، مقطوعات عمر بشير، ممارستان جميلتان،حيث قدم الفنان عازف الإيقاع العراقي سعد علاء الدين القادم من صوفيا، في هذه الأمسية مقطوعة فنية رائعة بالضرب على الطبلة، بعد ذلك قدمت فرقة (باريلي) البلغرادية فعاليات جميلة من ضمنها أغنيتين تراثيتين عراقيتين(جيه مالي والي) و (وفوك النخل فوك) أدتها الفرقة الصربية باللهجة العراقية.

اليوم الثاني 7/10:

كانت قاعة مبنى مؤسسة السينما اليوغسلافية قد استضافت الحضور لمشاهدة الفلم العراقي (تحت رمال بابل) وهو من إخراج الفنان محمد الدراجي، حيث حضر الرجل من لندن الى بلغراد وأجاد في الإجابة على أسئلة الحضور بعد مشاهدة الفلم.

اليوم الثالث 8/10

أقيم معرض للرسم على قاعة بهو الجيش في قلب العاصمة بلغراد حيث ضم المعرض لوحات الفنان التشكيلي العراقي المقيم في موسكو حسين الجمعاني، ولوحات للفنانة الصربية فيرا ماركوفيتش.

اليوم الرابع 9/10

كان على قاعات مبنى راديو وتلفزيزن صربيا، وتضمن ثلاث ممارسات هي معرض للصور الفوتغرافية وعرض فلم وثائقي عراقي ( كنز النمرود) .ثم مسك الختام كان توجه الحضور الى القاعة التي قدم بها للجمهور المطبخ العراقي الذي تضمن الأكلات الشعبية العراقية والحلويات الشعبية والتمور.

التزام السفارة السنوي بقيام الأسبوع:

توجه منحى السفارة العراقية في بلغراد نحو العطاء وخدمة الوطن منذ قدوم السفير الشاب الدكتور فلاح عبد السادة منذ أربع سنوات خلت، (كانت الساحة قبل قدومه مسرحا للتناحر بين القائمة بالأعمال والجالية العراقية هناك وصلت الى حد استخدام المواقع الألكترونية وسيلة للتراشق بأبذأ العبارات التي وصلت الى الطعن بالشرف وإلصاق التهم المسيئة).

فقد اتجهت السفارة نحو إقامة الأنشطة المختلفة بالإضافة لأداء دورها الدبلوماسي الروتيني، ومن بين تلك الأنشطة إقامة الأسبوع الثقافي العراقي وبشكل دوري ومنتظم رغم ضعف الأمكانيات المادية الواردة من المركز لهذا الغرض.

فالسفارة العراقية في بلغراد تقوم بممارسات كبيرة كهذه مع عدم وجود ملحق ثقافي فيها ولا مركز ثقافي. ولغاية العام الماضي كانت السفارة العراقية شحيحة الكادر ( رغم أن الوزارة قد نسبت في فيما بعد شخصا بدرجة وزير مفوض للتخفيف من كاهل عمل السفير إلا الوزير المفوض ” ويا ليتها لم تفعل” وهذا لم يستمر بموقعه نتيجة لتصرفاته “الشوارعية” البعيدة عن روح العمل الدبلوماسي والبعيدة عن أخلاقيات العراقي المتزن، فتم سحبه الى ديوان الوزارة، ولنا مقال لاحق سنتناول فيه تفاصيل الموضوع).

فنقول رغم نقص الكادر طيلة السنوات الأربع المنصرمة إلا أن إصرار سعادة السفير عبد السادة على إستمرار إقامة الأسبوع الثقافي وبشكل دوري إذ أن هذا النشاط وبالتأكيد يعزز وبشكل ملموس أواصر الصداقة والتعاون بين العراق وساحة عمل السفارة بالإضافة الى الدور الإعلامي الذي يليق بالعراق أرضاً وشعباً.

وعلمنا أن الإمكانيات المادية كذلك محدودة إلا أن ضعف الإمكانيات لم يفت عضد السفارة وسفيرها للاستمرار في خدمة الوطن، فقد اعتمد السيد السفيرعلى علاقاته الشخصية بالاتصال بالفنانين ويصعد الهمم في نفوسهم من أجل المساهمة في الأسبوع الثقافي بدون مقابل، إذ تتعهد السفارة فقط بنفقات سفرهم واقامتهم. وقد سمعت من سعادة السفير بأنه أخذ يقتر من صرفيات النثرية السنوية من أجل دعم إقامة الأسبوع الثقافي.

ولاحظنا في الفقرة الأخيرة من اليوم الأخير في الأسبوع الثقافي، وهي فقرة المطبخ العراقي، لاحظنا كيف توجه كافة المدعوين، في قاعة مبنى اذاعة وتلفزيون صربيا، نحو تناول عدد من أنواع المأكولات العراقية الفولكلورية بالإضافة الى التمور والحلويات التقليدية، وعندما سألنا عن المطعم البلغرادي الذي أعد تلك المأكولات والحلويات علمنا بأن سعادة السفير قد أوعز الى كافة الأفراد العاملين في السفارة بقيام كل واحد منهم باعداد إحدى الأكلات العراقية، وقد التزم هو نفسه بذلك حيث ساهم بيته في إعداد إحدى أطباق الوجبات العراقية.

إن سلوكاً محموداً من رئيس البعثة، كهذا السلوك، يعطي دليلاً قاطعاً على أن من يصمم على خدمة بلاده وأداء دوره المعهود يستطيع أن يبتكر كافة الوسائل لأداء تلك الخدمة دون التحجج بضعف الامكانيات أو اتخاذ مثل هذه الأنشطة وسيلة “لشفط” المال الحرام.

نتمنى من السفارة العراقية في بلغراد أن تستمر في إقامة الأسبوع الثقافي العراقي، بعد أن علمنا بأنتهاء مدة خدمة السفير القانونية مما يعني أن ينسب شخصاً آخر كسفير معتمد لبلادنا في بلغراد. وعليه سنحتفظ بنسخة من هذا المقال لنضعه بيد السفير القادم.

بارك الله بالرجال المخلصين الذين يقدمون لبلادهم عطاءً خالياً من الولاءات الحزبية الضيقة وخاليا من الطائفية المقيته، ويكفي أن يكون شعار هذا النشاط ” بالثقافة نحارب الإرهاب). فتحية للدكتور فلاح عبد السادة وكافة العاملين في سفارة الجمهورية العراقية في صربيا.