اعلنت السلطة القضائية صدور امر القاء القبض على وزير التجارة في الحكومة الحالية ملاس عبد الكريم بتهم فساد، ورد الوزير فوراً انه على استعداد للمثول لدفع التهم الموجهة اليه وعدها غير مثبتة الاعلان ووضع الوزير نفسه تحت تصرف القضاء تطور نوعي مهم، وكلا الموقفين ربما يؤذنان بمرحلة جديدة تختلف كثيراً عن زمن الحكومة السابقة التي كان رئيس مجلس الوزراء فيها لا يسمح للوزراء وغيرهم ممن يصطفيهم بالمثول امام لجان التحقيق او الاستجابة لاستدعاءات القضاء، بل حتى بعضهم رفض الحضور الى مجلس النواب مستنداً الى امر من السلطة التنفيذية التي اختزلت كل السلطات بيدها.
على اية حال لا نريد ان نستبق التحقيق ولكن نقول ان الفساد استشرى بشكل لا مثيل له في كل المفاصل والمناحي المؤسساتية والحياتية والادارية، وبالتالي مثل هذا الانتشار السرطاني بحاجة الى حملة لمكافحته والى اجراءات غير مسبوقة وخضوع كل المسؤولين من اعلى المستويات الى ادناها لاحكام القانون، ولا يجوز التستر او الاستثناء للمحازبين والمناصرين والمحاصصين لاي سبب كان من ذلك، والا تصبح الحملة في خبر كان، ولا معنى لها وتجرد من قوتها وتخالف احكام القانون. وبالرغم من ان الامر ما يزال مجرد اعلان اعلامي نأمل عندما يتحول الى الواقع ان يكون شفافاً وصريحاً للمواطن ومتاحاً في مجرياته لهم، وبذلك نحقق شيئين اولهما نعطي زخماً لحملة مكافحة الفساد واستجابة لاحد مطالب المتظاهرين بجديتها وثانيهما يبدد الشكوك في لفلفة القضايا وتمنح الحكومة نفسها جرعة من الثقة التي تكاد تكون معدومة بها في انها قادرة على تنفيذ برنامجها. لم يكن بالامكان الاقدام على مثل هذا الاتهام صراحة لولا المظاهرات والاحتجاجات التي تملأ البلاد، ها هي تحقق احدى النتائج المهمة في كسر حاجز المحاصصة، وضرب لمبدأ اسكت عني واسكت عنك، وان كان في اضعف حلقاته، وهو امر طبيعي، اذ ان الوزير الذي صدر عليه القاء القبض هو من قائمة غير نافذة ولا تملك مقاعد كبيرة في مجلس النواب، واذا كان القضاء وهيئة النزاهة جديين في عملهما يجب الاستجابة الى طموحات الجمهور بعدم استثناء احد او امهاله وقتاً لترتيب اوراقه.. فسقوط مدينة الموصل تقريرها جاهز والاتهام للمسؤولين من الوجبة الاولى باتت اسماؤهم معروفة. وكذلك اهدار وسرقة مئات الملايين من الدولارات والضحك على المواطنين بمشاريع وهمية، وكذلك سوء الادارة ورهن البلاد وافلاسها. ما يهم المواطنون جميعاً ان يرتفع مستوى النزاهة والمبادئ والاخلاق لاسيما بين المسؤولين، وان يطارد السارقون ايا كانوا ومن أي جهة، ان تكون المساواة حاضرة بين الحاكم والمحكوم وفي المحاسبة والمراقبة. اليوم، المتظاهرون ووسائل الاعلام يجردون كل مسؤول فاسد مما يتستر به من حزبية فاشلة ومذاهب وكتل لم تعد قادرة على حمايته من غضبة الشعب واحتجاجه .. ها هو البعض حتى حمايته المقربة اليه تنفض عنه وتكشف فساده، ولنا في حماية احدهم بمحافظة البصرة الذي يسرق من رواتبهم، وكذلك ترك من تعرض للاصابة جراء الارهاب في حماية احدى النائبات خير مثال على ذلك. الماكنة انطلقت والجماهير بدأت تقتطف بعض ثمار تحركها المدني السلمي الذي بحاجة الى نديم زخمه واستمراره الى ان ترى كامل الاهداف موضع التطبيق وسوق المزيد من الفاسدين الى قفص الاتهام