( القراءة و مناصات التشخيص )
قراءة في كتاب ( النص المترابط و مستقبل الثقافة العربية)
أن مسارية مشروع قراءة أفكار دراسة كتاب ( النص المترابط و مستقبل الثقافة العربية ) للناقد سعيد يقطين ،
لا يمكن معاينة أهدافه الأستقرائية و البحثوية و الأنجازية ، ألا من فسحة حدود مرحلة سلطة ( الكلام الفردي ) و هيمنة مفردات السياقية التداولية الحداثوية الموغلة في أقاصي قضية الخطابية الكمبيوترية الرقمية المعاصرة في بنى أساسيات اطار المؤول العالمي الجديد ، المكرس جدلا في مفهومية الثقافة و الفنون المعرفية الحديثة . غير أننا و نحن نطالع مباحث فصول هذه الدراسة التنظيرية ، لاحظنا بأن اجرائية هذا الناقد في هذا الكتاب ، باتت شبه إيهامية و دادائية ، و هي تديم فعل صيانة سلطة الرقم و الرقمية و الثقافة الحاسوبية ، على حساب ميزان حقائق كيفيات جدل قواعد التنصيص و النصية الثقافية السليمة و المبرهنة بمشروعية أفعال المعاينات الكلامية المشروطة . فمثلا و نحن نقرأ فصل تحت عنوان
( ضوء الكتابة الرقمية ) لاحظنا بأن يقطين قد صار يدخل العملية النصية الحاسوبية في مجالات فضاء المتصور النظري الصعب ، و الى حد الأعتقاد بأن ما نقرأه هنا و هناك من فصول الدراسة ، ما هو ألا أنتاج مقدماتي ناتج عن ذهنية
محفوفة بفعل و أفعال التخمين و التصور ، و لا غير ذلك من حدوثية أمرا ما على خارطة الفعل المبحثي الصادر من نشاط الدراسة ذاتها . فعلى سبيل المثال شاهدنا هكذا فقرة من الدراسة ينص فيها الكلام على هذا النحو الآتي : ( مع التطور الذي طرأ على مستوى الوسائط المتعددة و ظهور الحاسوب الشخصي و الفضاء الشبكي الأنترنيت أبتدأت الصورة بمختلف أشكالها تحتل موقعا هاما على مستوى الإبداع و التلقي . لم تبق الصورة حبيسة التلفزيون و السينما و الفيديو بل أنها غزت الشوارع و الساحات العمومية و صار الفضاء مثقلا بالصور بمختلف اوضاعها و أحجامها .. ثابتة .. متحركة .. ملونة . كما أن مختلف المجالات التي كانت مخصصة في فترات سابقة للنص فقط .. الصحافة .. الرسائل .. بطاقات الزيارة . صارت الصورة تحتل فيها أيقونيا موازيا بل و في أحيان عديدة مزاحمة للنص المكتوب و مهيمنة عليه .. ص91 )
أن الأستاذ يقطين يحاول هنا وضع الموسوعية الصورية بموجب وظائف و تقنيات حديثة من التدليل و المقصودية الإجرائية في معاينات رسم الدلالة النصية و أستدلالات رسم الدلالات المدلولية القارة بحكم سيناريو الصورة و مكوناتها المرحلية و في جميع سلوكياتها التعرفية و التصنيفية . و هذا الأمر بدوره من جهة يقطين ليس بمثابة العجائبي أو الغرائبي ، لاسيما و ان موضوعة النقد الثقافي في كل مراحله و أنساقه و مفرداته ، قد أوضحت هذا و ذاك ، و بشكل واسع و عميق، بل ان الواقع الغريب في الأمر هو ما قد وجدناه في حال تصنيفات الأستاذ يقطين و دون حتى اظهار ثمة توجيهية سديدة من لدن شروحاته تلك لمبادىء و تعاليم مقامات و مرجعيات الموضوعية الصورية في ثقافة نصية الحاسوب .
و هذا بدوره ما قد عثرنا عليه أيضا في شكل تمفصلات فصل تحت عنوان ( الأدب في العصر الرقمي ) و في فصل
( ترقيم النص العربي ) وفصل ( الترابط النصي و الخطاب الروائي العربي ) و فصل ( النص المترابط و تجديد النقد الأدبي العربي ) و القارىء بشكل خاص لأفكار هذه المباحث الفصولية ، و لمفهومية فحوى ما جاء به مضمون و شكل أطروحة و دراسة كتاب سعيد يقطين ، لربما سوف يدرك بشكل فوري بأن مقولات ناقدنا العزيز ، ما هي ألا آفاق أسئلة أيقونية شفاهية التحرير و التنضيد مغلقة النتائج و الفهم و الأجرائية المفهومية المباشرة ، التي من شأنها أولا تقديم القراءة عبر مجالات استيعابية متينة الموضوعية الأقناعية من وراء كل تلك الشروحات التي أدغمها علينا يقطين بأرتباطات ليس لها من علائقية منهاجية أصلا . أما من جهة أخرى لاحظنا بأن حالات و مضامين النصية المؤسسة في مشروعية دراسة سعيد يقطين ، فلا أعتقد بأن لها ثمة صلة مباشرة مع معنى المؤولات و التأويلات الأدراكية السليمة في معالم كيفيات النص المكتوب ، صحيح من جهة ما أن الوجود الحاسوبي في عالم اليوم الثقافي صار يعد فتحا عظيما لجل النصوص الأدبية و الأحداث و السلوكيات التجسيدية المخصوصة تقنيا و علوميا . و لكن ما أوضحه سعيد يقطين من خلال فقرات دراسته ، أضحت كأنها معلومات نوعية تلوح لفضاءات من الفعلية المحتملة العلاقة و الدليل و البرهان ، أي بمعنى ما أعني أن القارىء لفصول أفكار كتاب
( النص المترابط و مستقبل الثقافة العربية ) لعله سوف يتوهم للوهلة الأولى ، بأن مؤشرات الحالة النصية الثقافية لدى سعيد يقطين ، باتت و كأنها من على شاشة الرقم الحاسوبي ، مجرد قوانين و معالجات آفاق حاسوبية حصرا ، و ليس أحكام
مدركات ذائقية و ذوقية و أفعال مخيلة و صور أعتبارية مناطة من أسس استراتيجية ذهنية بموجب طاقة وجدانية بشرية دقيقة . يتضح لي أنا كقارىء لدراسة كتاب
( النص المترابط و مستقبل الثقافة العربية ) بأن عالم الكتابة النصية قد أصبحت في فخ عفريت الأرقام و الأشباح الثقافية المرعبة ، و النضال المجهض من أجل مرحلة أنتاجية غير اظهارية الدلالة تماما ، و غير مألوفة قطعا .. و هكذا سوف تكون أنتاجاتنا الثقافية بعد مرحلة النص المترابط ، عبارة عن مجموعة صور و أضواء و فوانيس و أشكال حروفية ، لربما تنتمي لعوالم أداب و ثقافات الجن و العفاريت و الأطباق الفضائية و الديناصورات : هل أن مستقبل الثقافة العربية سوف يكون سريانا من الأعلانات الضوئية و سلطات النص الحاسوبي المأهول ؟ أم أنها مجرد حكاية عوالم و وظائف مقاطع تقنية زائلة ؟ . أن عوالم حقيقة دراسة ( النص المترابط و مستقبل الثقافة العربية ) ، تبدو أخيرا كأنها محطة خاصة من الأوصاف و المخيالات و التعاليق الأنتاجية التي يظل شرط فهمها مستحيلا ، كما أن توجيه مخططاتها الموضوعية لا يؤدي مطلقا الى أي حالة من حالات الأجرائية الأولية من تجربة بناء موضوعة دلالات ثقافة النصوص . غير أنها من جهة ما ترتقي نحو سلم الترحال الأفتراضي في معاينات درس النص الحاسوبي الممتنع عن حدود فضاء مناصات التشخيص النصي القويم .
( لسانيات الرقمية و منهجية الحاسوب النصي )
و نحن نشارف على نهاية دراسة ( النص المترابط و مستقبل الثقافة العربية ) وجدنا هناك في الأخير و ضمن حدود مباحث أفكار الدراسة ، ثمة اظهاريات غريبة من الهواجس و اللاحلم المعقول في صنيع محمولات الفعل المعرفي من عوالم امكانيات تلك الفصول و المباحث الفرعية من زمن حقيقة أطروحة الدراسة ذاتها ، أي بمعنى ما أن القارىء لها ، لا يجد فيها ثمة مقامية حقيقية من وراء دلالات معرفية رؤى سعيد يقطين المستوردة في اعتبارات كينونة مقامه البحثوي الأفتراضي هذا . بل أنه ليس هناك سوى تفاصيل نسبية من الواردات المنهجية المخصوصة ما بين قيمة التقاطع البحثوي و بين دلالات لسانية الرقم و الرقمية و وظائف منهجية خطاب شاشة الحاسوب . غير أننا في الأخير لعلنا لا نقول سوى ما كان يخمن له سعيد يقطين في ديباجة دراسته تلك ، حيث شروع رؤية أتفاقية عسيرة الامتداد و الاستعمالية و الاصطلاح إزاء خصوصيات الابداع النصي الأصيل .. بل لعلنا من جهة بعيدة سوف نختلف مع ما جاء به يقطين من شاعرية خطابية غريبة التركيب و الاقناع و المدلول لدى قارئنا الأدبي و النقدي . و عند فعل الأمعان الشديد في تمفصلات مخطط دراسة النص المترابط ، تتضح لنا صورة اللاأتفاق ما بين ميزان الأصل في صناعة النص في جميع مكوناته و بين حالة الشواذ التحليلي و البرهاني و العرضي في دلائلية اتصال أفكار فضاء النص المترابط . و تبعا لهذا فأننا كقراء لأفكار و شروط دراسة ( النص المترابط ) لم نعثر على ما هو سديد و صائب ، سوى أن سعيد يقطين يحاول كعادته من أن يمرر تجاربه الأسلوبية المستوردة ، بوسائط صياغات من الملحوظية التجريبية الناقصة . و بشكل ما نقول بأن الأداة التواصلية المفهومية في مشروع دراسة
( النص المترابط ) ما هي ألا مجرد وظيفة تجريبية من خلال رؤية شاشة الحاسوب ليس ألا ، في حين نجد أن يقطين راح يفبركها وفق شرعية تناسبية من علائقية ( المخاطب / الشاشة / المتلقي ) و هذا الأمر العلائقي بدوره يبدو داخل محتوى دراسة سعيد يقطين ، شبه ملحوظ مع الأسف . و زيادة على كلام مقالنا هذا أقول قولا صريحا بخصوص عوالم الأستاذ المبدع سعيد يقطين و كلي ثقة بما أقوله هنا : لا أدري لماذا تتكاثر و تتوالد و تتشعب التعالقات و الترابطات في بناء أفعال و أنساق مفردات هذا الناقد القولية و الخطابية و لدرجة وصولها أحيانا الى مرحلة توقفات التقويم و رسم جدية الموضوعة و الرؤية الجادة ، كمثال حلقاته النقدية في مجال السرد الروائي حصرا ، و اليوم نجد الأمر يتكرر في دراسة
( النص المترابط ) أي بمعنى مباشر ، أعني بأننا و نحن نطالع وظائف و أدوات رؤية أعمال هذا الناقد الحديثة و القديمة ، قد لا تتضح لنا بشكل ما ثمة صورة مفيدة من مطالعة أعماله النقدية ، سوى عثورنا على المزيد من بلاغات معمارية مصطلحات و القوالب الأجرائية التي يمحى من خلالها مع الأسف ترابطية الأستنتاج المعرفي في النص و القياس و مخطط المقصود التفسيري و غموض خاصية سبل الأشعار و التحضير المدلولي . . هكذا هي قواعد نقدية عوالم سعيد يقطين اللسانية الأسلوبية و التداولية و السيماطيقية في كتابة النص النقدي ، مجرد شروحات عائمة في فضاء المصطلح و المفردة المفهومية تحيط بها طموحات و رغبات من النوايا و المقاصد المرسلة نحو قناعات جبرية لغرض تحقيق اللفظية الانفعالية وحدها ، و من جهة أخرى تحقيق المرجعية الذاتية في محضر التشفير الأنتاجي في موضع و مواقع خارطة الخطاب التخاطري المؤشر قسرا .