{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
يعلق صباح الجمعة 8 شباط 1963، لثغة سوداء، على لسان وقح! لأنها ردة شياطين ضد رحمة زعيم رأف بشعب في أمس الحاجة ليد حنون تستخلصه من ركام مصائب تكلست من حوله.. تطمره.
فهو يوم عاشه الرياضي.. الشهيد سعيد متروك، الذي أغتيل، حبا بالزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، على يد جلاوزة الانقلاب، إذ قدمت الكاظمية دروسا نضالية بالصمود والمقاومة والتصدي للبعثية، على مدى سبعة ايام من القتال، دفاعا عن منجزات ثورة 14 تموز، التي مسخها عبد السلام عارف، مستعينا بحزب البعث…
متروك نموذج للشيوعي المبدئي.. الملتزم والرياضي المتفوق خلقا وأخلاقا.. ولد في الكاظمية عام 1933 ومارس السباحة والمصارعة وكمال الاجسام، أنيق ذو بدلة وربطة عنق، يعاون الفقراء ويسهم بحل المشاكل في المنطقة.. نقل الرونيو الذي تطبع عليه مناشير الحزب، من المقهى الى بيته؛ يخبئه عن أعين رجال الامن، مستخدما زنبيل الخوص “العلاقة” لنقل البريد الحزبي.. يغطيها بالحشائش او الجت، وعندما يشعر بخطر رجال الامن يستعين بالنساء، لأنجاز المهمة.
سمع الراديو يذيع المارشات العسكرية، ونشيد “الله اكبر” فقال: “يا جماعة انقلاب”! خارجا للميدان وهنا هتف الشيوعي نجم عبود برناوة بحياة الزعيم ووجهه القائد الشيوعي حمدي ايوب بالتحشيد والدفاع المستميت عن الثورة ومقاومة الانقلابيين.
حمل سعيد رشاش كلاشينكوف وثنى امام مركز الشرطة “ركبة ونص” مع هجوم اكثر من 1000 مواطن، على مركز الشرطة.. أحتلوه، وإستولوا على السلاح، متوجهين.. بقيادة متروك، الى بناية شرطة النجدة التي صمدت ساعات، بالتالي نجح الهجوم، وسطر “الكظماويون” ملحمة بطولية قل نظيرها.
استمرت المقاومة بأشكال متنوعة، لان الانقلابيين غدروا بالشعب وقواه الوطنية وتحايلوا، حيث تقدمت دباباتهم، تحمل صور الزعيم قاسم، متظاهرة بالمساندة، وما ان تقدمت حتى فتحت النيران، تقتل العشرات منهم؛ فإضطر الحزب لتوجيه أعضائه للإنسحاب.
أمر متروك بنشر جذوع النخيل في الشوارع المحيطة بـ “ام النومي” لمنع تقدم الارتال والناقلات العسكرية، لكن بعد خمسة ايام إحتلها العسكر و “الحرس القومي” وفتشوا البيوت بحثا عن المقاومين؛ والقى السلاح في بئر بيته.. الرشاشات والعتاد الذي غنموه من الهجوم على مركز الشرطة، مهدما التنور فوق البئر؛ للتمويه، وهنا كان “الحرس القومي” يراقب ويرصد وشعر الشهيد بالخطر وودع اهله والتقى باطفاله: ثائر ويوسف، قائلا لابنته الصغيرة نضال: انا اتأسف لانك ستعيشين بلا أب، ولكن الوطن هو ابونا جميعاً، مغادرا منزله من السطح، وعبر الى بيت عمه، واثناء العبور شاهده احد افراد القوات العسكرية؛ إليه رشقة اطلاقات، اصيب إثرها في ساقه؛ فتبعوا آثار الدم قابضين عليه.
الساعات الاخيرة له بطولية، مثلما عاش حياته بطلا.. سأله الضابط الذي اعتقله انت سعيد متروك؟ قال: نعم. ثم سأله من كان معك؟ اجابه: كل الشعب معي! سأله الضابط لكنك ستعدم وتموت؟ اجابه متروك: سأظل خالداً.. اما انتم فستموتون.
وفعلا اقتيد الى جدار اعدادية الشعب ورفض ان تعصب عيناه ووقف امامه ارسالات للرمي، سددت زخات رصاص كثيفة، تنفيذاً للبيان رقم 13القاضي بقتل الشيوعيين اينما وجدوا.
مضى اكثر من نصف قرن على استشهاده، الا ان الاجيال تذكر بفخر واعتزاز، الصمود والبطولة التي سطرها ابناء مدينة الكاظمية الشجعان بقيادة سعيد متروك.