تقدمتنا الامم لأن الصراحة في مواجهة الذات والاخرين، تقليد بديهي، جبلوا عليه فطريا وبحكم النشأة؛ إذ يولد الفرد متمتعا بحق التحفظ على الخصوصية المعنوية له، أما في القضايا العامة، فتتبع الشفافية حد التفكير بصوت عالٍ..
ما جعلنا نتخلف عنهم، هو أننا ننتهج السبيل المضاد للوصفة أعلاها.. نتدخل بخصوصيات بعضنا، حد الإمتهان المحرج والمهين؛ للأسرار الشخصية، ونتكتم على القضايا العامة، التي قصدها الرب بالاية الكريمة: “وأمرهم شورى بينهم”!
تلك هي مواصفات بيئة وبنية مجتمع، ترسبت في الفرد، فهضمها وتمثلها وإندغمت بِجُبُلَتِهِ، سلوكاً بديهياً؛ صادراً من المرء إندغاما بالمجموع، لتسويق ذاته، وتأكيد فرادتها، عملا بقول الشاعر الفرنسي سان جون بيرس: “أمشي مع الجمع وخطوتي وحدي”.
الفقرات أعلاه، ليست خطبة شقشقية جاشت، إنما هي مدخل للإعتصام بقناعات منفرطة، اود الشروع بالدعوة للملمتها، في حرم نقابي، نسعى للإرتقاء به؛ كي نغرس في النشء الحديث من الاطباء الجدد، بذور اداء مهني.. ربما لم تطاله مناهج التدريس، فالعمل النقابي يشكل حجر الزاوية في تدعيم اركان المهنة، وإعداد جيل من أطباء كفوئين مؤهلين لمواصلة الجهود، يسقونها بطاقاتهم الغضة؛ كي تستوي مستقيمة على ساقها.. “يكبر الصغار ويزيحون الغبار”.
ثمة نسق شديد الخصوصية، يتجلى من تعاشق العمل النقابي المنسجم.. إتساقا بين حيوية الشباب، وخبرة الرواد.. التطلعات الوثابة، بزخم تدفقها، تحت عين “الاسطوات” الحافظة يعطي نسقا فريدا؛ لو أحسنا تنفيذ ما نخطط له!
تقلبات لا قياسية
لنقابة الأطباء في العراق، تاريخ مشرف، ينبغي الا نفرط به، جراء التقلبات اللاقياسية التي يمر بها البلد، إذ يجب ان تظل هي المرفأ الوحيد غير القابل للإنسياق وراء المناجزات السياسية والاحتقانات الطائفية والازمات المالية؛ لأن الطبيب يتعامل مع قدس أقداس الوجود، الا وهو صحة البشر؛ ولأن “فاقد الشيء لايعطيه” فالنقابة يجب ان تنتظم من داخلها؛ كي تمنح للمواطنين خدمات صافية، لا يشوبها تلكوء قد يأتي بضرر ما، ولو لمريض واحد، ضمن حدود خريطة العراق.
ربما بالغت بالدور الرسالي الذي يتحلى به الطبيب؛ لكنه فعلا مسؤول امام الله، وضميره، واخلاق المهنة فعلا، فأنا أريد من ذلك تأشير حجم الاهمية التي تشكلها نقابة الاطباء، لزملاء المهنة، الذين أتمنى عليهم الايفرطوا بها، كحق مكتسب، بات جزءا بديهيا من مقومات وجودهم الإنساني.
رحمة الأخطاء
موعد انتخابات مجالس النقابة وشيك، يقترب منا.. زماناً ومكاناً؛ لذا علينا ان نستعد لتفاصيله، التي تنطوي على قدر كبير من التعقيد المبالغ به، قياسا بالنقابات المهنية النظيرة، فهل يحتاج الطبيب، الى من يذكره بوجوب الالتصاق بنقابته، وتعميق حسناتها، وتشذيب أخطائها؛ وصولا للفائدة المرجوة؛ لأن الكمال لله وحده، ورسوله قال: “رحم الله من اهداني اخطائي”.
كم بليغ هذا الحديث، وهو يتحرك على معنى الهداية، تصحيحا للأخطاء من جانب، والهدية بمعنى فضل الأُعطية، تكاملا مع التفسير الاول، فالانسان غالبا ما يتعلم من اخطائه، وتصحيح الاخطاء اسلوب متبع في علم التربية؛ يحول دون إمحاء المعلومة.
لذا أتمنى على زملائي في الهيئة العامة، حضور المؤتمر، والمشاركة في الانتخابات، وفق توقيتات ستعلن بوضوح للجميع، والحرص على اختيار من يرشح للمهمة، عملا بقول الشاعر: “لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.. ولا سراة إذا جهالهم سادوا”.
فلنمسك قدرنا بإيدينا، متحكمين بمشاعر الانتخاب، على أساس عملي جاد، إستنادا الى ثقافة نقابية متمرسة