18 ديسمبر، 2024 3:40 م

سعيا لردم هوة التفاوت بيني وعالم لا أفهمه ولا يستوعبني

سعيا لردم هوة التفاوت بيني وعالم لا أفهمه ولا يستوعبني

يتخبط العراقيون، تلذذا بمازوشية تعذيب الذات، منذ أول سلطة طاغية أصابتهم بسهام قسـوتها فـ (تبريدوا) ولهين بسوط الجلاد.. لا يطيقون السلام؛ توقاً للذعر وشوقا للقوة الحازمة؛ لذلك لا جدوى من مناقشة شعب مقطوع الحوار معه.. “لقد أسمعت لو…”
شعب لايعي مصلحته ولا يدري بمكامن قوته أين؛ كي يستثمرها، في لعبة المشاطرة، بينه والقدر، الذي إن لم تنتصر عليه سحقك، وإذا عرف شيئا عن ثرواته، بددها في فساد سلطوي متهافت على المغريات، لا ترتوي لديه شهوات المال والجاه والـ… شعب يتضور جوعا، ويصفق لحاكم يحجب ثرواته عنه، متناغماً مع التاوهات، مع أن المرشحين زاهدون بالمواطن؛ يتقربون إليه إستمالة، قبل الإنتخابات، أما بعدها فلن يبالوا به.
فالبطاقة التموينة، التي لا تصل في موعدها، وعندما تصل متأخرة؛ فهي تأتي منقوصة بل (منصوفة) لا تنفع في تطمين 1% من حاجة العائلة، ومع ذلك يتمسكون بها، من دون أن يعلموا بماذا يتمسكون ولماذا!؟
شعب ذو مبدأ قائم على “وياهم؛ وياهم.. عليهم؛ عليهم” ولا يعنى بمن هؤلاء الذين “معهم” ومن أولئك الذين “عليهم” فلو سألت من سحلوا نوري السعيد: ما ذنبه؟ لن يجدوا إجابة، عن لحظات غضبهم العاصف، وهم يقتلونه مزبدي الأشداق.. لماذا ولمن ولمصلحة من؟ لا يعرفون!
فلا جدوى.. هذا شعب، “لا يرضى والٍ عنه ولا يرضى عن والٍ” حتى تقوم القيامة! “أولئك أجدادي فجئني بمثلهم.. إذا جمعتنا يا جرير المجامع” يقف بالضد من قرار الحكومة؛ مشاكسة هوجاء لفسادها، ناسٍ أن فساد الحكومة، لا يمنع المثل القائل: “يفوتك من الكذاب صدق كثير” وهذه المرة.. في هذا القرار، خير للشعب من بطاقة متلكئة.
لكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها؛ لأن الحكومة أرادت استبدال مفرداتها بمبالغ مالية، وها هي الأيام تفر والأشهر تكر والزمن يتصرم والسنوات تمضي، من دون أن نتسلم اية مفردة تذكر من هذه البطاقة التي يستقتل عليها شعب لا يعرف أين مكمن مصلحته، وإذا عرف يشاكس نفسه، عملا بالحكمة القائلة: “يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه” شعب يقطن بقعة ملعونة منذ فجر التاريخ!
فالبطاقة التي رفضوا المال بديلا واضحا عنها، ألغيت في الخفاء تدريجيا، وسينتهي أثرها من دون أي مبلغ بديل؛ تعويضا عنها.. و”لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي”.
لا أحد في 30 مليون يستحق أن نسأله: – ليش انقلبت الدنيا إبان اتخاذ القرار؟ والآن الكل في صمت مطبق؟ ولن أسأل؛ لأن مفاصل تاريخية كثيرة يجب أن يسأل عنها العراقيون؛ بسبب إقدامهم على خطوات فردية وجماعية، لا يمتلكون مبررا لها، إنما بعد أن تقع الكارثة يتحولون الى حكماء لوامين كالعجائز في سن اليأس من الحياة وليس اليأس من الحمل فقط.
شعب مجدب، دائم السعي الى السبخ؛ كلما صادف أرضاً خصباً قطع حرثها وكلما وجد إمرأة ولود، قطع نسلها.. شعب القطع مثنى وثلاث ورباع حتى إنقطاع النفس، ولن يجد السائل إجابة منطقية للهفته.
يبدو أننا شعب يتباهى “كاشخا” بالبطاقة التموينية.. نحتفظ بها ذخراً لزمن لن يجيء وإذا جاء يتنكرون له متنصلين يتلاومون: “هسه لو قابلين براتب شهري مو احسن من بطاقتكم البائسة كلها مواد عفنة وتالفة”.
ليس “هسة” إنما من زمان، نحن شعب أُكِل يوم أكل الثور الأبيض؛ فالملك العريس فيصل الثاني، الذي قتل مستسلما وأمه تضع القرآن على رأسه، له حوب يظل ينحس العراق بلعنته حتى تنكشف السماء عن الأرض وتنبعث أرواح الموتى من تحت الثرى.. من الحرب الى حرب ومن حصار الى إرهاب.. لا تعرفون ما تريدون ولا تريدون ما تعرفون، تحترمون من يحتقركم وتحتقرون من يحترمكم، إذا مدحتم شتمتم “إشكد صوته حلو هذا المطرب إبن الكلب” حتى إنتابكم العواء طرا، ونمت مخالب بدل ضمائركم وخطم خنزير بدل الشفاه؛ فلا تنظروا في مرآة بعد الآن كي لا تفزعون، إذ مسختم.. أفرادا وزرافات.