التساهل المفرط مع التغيب الطويل المتكرر لبعض الاعضاء؛ والبرود الواضح في معالجة القضايا الساخنة؛ والتهاون المستمر في مسألة تنفيذ المقررات المتخذة؛ والتباطؤ المستغرب في التصدي للأزمات وردع التجاوزات وحسم النزاعات. صار سببا دائما لتبرم المواطن البسيط- فضلا عن السياسي المتتبع- واستاء مستهجنا ويائسا، على ان ما سجله المواطن العراقي من مؤاخذات على برلمانه الوطني لا يندرج في خانة الانتقاص من هذا البرلمان المنتخب من قبل شرائح العراق المختلفة، ولا يأتي من حالة تتبع عثرات واقتناص هفوات وتعداد مثالب بل يأتي من حرص كل الجماهير العراقية وقلقها على مستقبل برلمانها الذي ولد من مخاض عسير ونشأ على أسس ديمقراطية وانتخب بممارسة شعبية حرة لم تشهدها برلمانات أكثر الدول حرية وديمقراطية فضلا عن برلمانات المنطقة. اذ حصل على دعم شعبي منقطع النظير وحاز أعضاؤه على امتيازات لم تتوفر لنظرائهم في العالم على الإطلاق.
ان الذي يدفعنا- ومعنا كل المخلصين والتواقين لعراق آمن مستقر- للقلق والعتب في آن واحد هو ما نراه في جلسات البرلمان المتعاقبة- والتي صارت تشبه بعضها- من سعة الجفوة بين ممثلي الكتل المكونة للبرلمان، وعمق الفجوة بين الأخوة والتي أقرب ماتكون من العداوة والتربص والجدل العقيم الذي ما ان تخبو ناره الا لتتقد مستعرة بلهيب أشد. ناهيك عن الغياب المتكرر غير المبرر، واتخاذ منابر الفضائيات بدل قبة البرلمان مقرا للعمل ومكتبا للتداول في أمور غاية في الحساسية.
ان النواب العراقيين مدعوون- بعدما أفرزته الدورات والفصول السابقة من تداعيات- الى اتخاذ القرارات التي تجعلهم بمستوى المسؤولية التي وضعهم شعبهم فيها والقيادة والثقة التي حملهم امانتها، باذلين قصارى جهودهم في احباط ما تبقى من مخططات خائبة تحاول النيل من التجربة العراقية الجديدة. واضعين تجربة الدورات السابقة نصب أعينهم متجاوزين هفوات وأخطاء ما حصل جاعلين مصلحة العراق وشعبه الجريح فوق كل اعتبار. وهذا لا يتحقق الا باخلاص النوايا وتوحيد الصفوف وقوة القرارات والحرص والالتزام بما عاهدوا شعبهم عليه واقسموا الايمان المغلضة، وقطعوا المواثيق المبرمة.
ومع اطلالتهم الجديدة والتي نتمنى ان تكون محملة بالعبر وطافحة بالنشاط نربأ بممثلي الشعب وكتلهم وقادتها ان يدركوا بحرص ومسؤولية بأن هذه المرحلة أخطر بكثير من المراحل السابقة وأشد حساسية؛ ما يوجب على البرلمان الوطني الارتقاء الى مستوى المرحلة وما تتطلبه من استحقاقات وفي كافة المجالات اداء فاعلا بناءا يثمر قرارات وقوانين وتشريعات تتناسب مع اولويات الشعب العراقي الصابر. وكذلك تفعيل المجمد والمعطل والمركون من القوانين التي صدرت في الدورات السابقة . واذا كان لتلك الدورات – وما رافقها من عثرات وسلبيات واخطاء كبيرة- معاذير وغض نظر، فإن الفصل الجديد من الخطورة ما لا يحتمل اخطاءً ولا يتقبل تراخيا أو تهاونا او تأجيلا، بعدما عرف الجميع ادوارهم وصارت مطالب الجماهير واستحقاقاتهم على المحك. وعليه فلا بد من اتخاذ الإجراءات الحازمة من قبل الهيئة الرئاسية الموقرة للبرلمان العراقي الوطني بحق المقصرين والمصرين على الاستمرار في التغيب ومقاطعة الجلسات طالما تنصلوا من مسؤولياتهم وتنكروا للجماهير التي أوصلتهم الى قبة البرلمان. كذلك لا بد من التشديد على تنفيذ القرارات والقوانين التي صدرت بالتعاون مع الهيئات التنفيذية والقضائية. وفي حالة حصول أي تلكؤ أو تباطؤ مقصود يناقش الأمر علنا لإطلاع الجماهير وكشف كل الاوراق للراي العام.
ان الجماهير العراقية التي احتضنت قادتها الوطنيين وساندتهم واستمرت بوفائها المعهود برغم ما دفعته من تضحيات جسام ما زالت عند وفائها النابع من اصالتها؛ وصبرها الممض خوفا وحرصا وحفاظا على استمرار العملية الديمقراطية؛على ان لهذا الصبر حدودا ومديات تجاوزها يعني انفجارا لا يبقي ولايذر . فليكن المسؤولون عند حسن ظن جماهيرهم وبحجم مسؤولياتهم . فمرور خمسة عشر عاما على التجربة الديمقراطية زمن طويل وفرص مضاعة في حسابات الشعوب المتحضرة كان المفروض ان يتحقق فيها أروع الانجازات واعظم المشاريع في بلد تغطي ميزانيته نفقات أكثر من سبع دول متوسطة الدخل القومي. وفي وقت تعاني فيه الجماهير الصابرة من أبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة من قبيل تدني مستويات الخدمات؛والبطالة ؛ والفقر والعوز والفاقة والحرمان نتيجة تراكمات استبداد السلطات المتعاقبة وتنكرها لشعبها واهدار حقوقه الطبيعية.