23 ديسمبر، 2024 12:32 ص

سعادة للميعة وهي في قبرها

سعادة للميعة وهي في قبرها

في لقاء مميز جمعني مع الشاعرة المميزة لميعة عباس عمارة حيث تقيم بمدينة ساندييغو بأمريكا عام 2015 نتج عنه تسجيل فديوي لمدة أكثر من ساعتين. ودار الحديث عن جوانب غير ما ذكرته في وسائل إعلام سابقة، وبقي لدي غير منشور. حينها عرضت عليها موضوع طباعة أعمالها الشعرية الكاملة بكتاب، رحبت كثيرا بالفكرة وقالت لندرسها. وبعد عودتي إلى ألمانيا، أرسلت لي جميع دواوينها، كما أرسلت لي كل المسودات المتعلقة بعملها يوم سجلت على الدكتوراه في فرنسا عام 1976 بتشجيع من رئيس قسم الأديان البروفسور أندريه كاكو حيث إختارت موضوعا ضمن الدراسات الأنثروبولوجيه في ثقافة الطعام عنوانه ” الطعام عند الصابئة المندائيين وعلاقته بالصحة والجمال” مستفيدة من معايشتها لبيئة أهلها، وكانت ترغب بإكمال ذلك بشكل أكاديمي. إنشغلنا بإعداد دراستها وعملت معها فيه حتى نالت درجة (دكتروثا) من أكاديمية الدراسات المندائية وصدر عملها بكتاب.

وعدت مرة أخرى في مهاتفاتي معها لأطلب منها إصدار المجموعة الكاملة بعد أن تواصلت مع عدد من دور النشر الذين رحبوا بالفكرة، خاصة وأن دواوينها غير متوافرة في المكتبات ليقتنيها الراغبون ويتعرفوا أكثر على شاعرة متميزة في الشعر وملهمة للشعراء أيضا، وفي كل مرة كانت تؤجل الأمر. وقبل حوالي ستة أشهر، وبعد ما تعرضت له من أزمات صحية، عدت في إتصال معها لإبلاغها برغبة إحدى دور النشر بطباعة الأعمال الكاملة لها. ما أعجبني في لميعة أنها ظلت ولآخر فترة محتفظة بذاكرة وقادة أحسدها عليها، فهي تذكر وتستشهد بوقائع وحوادث بعيدة، وما تذكر لها قولا من شعرها إلا وتكمل عليه.

قالت لي: أنا أرغب تماما في أن يصدر كتاب يضم أعمالي الشعرية ولكن هذا الأمر يتطلب جهودا كبيرة في المتابعة والجمع وبعض التصويبات لأخطاء حصلت في طباعة الدواوين وما يمكن أن يضاف، وإختيار الفونت والتشكيل وغير ذلك مما لا أقوى عليه ولا يساعدني اليوم بصري. وحين أجبت بأن هنالك من يمكن أن يتبنى كل ذلك، قالت: دعني أكون صريحة معك، أنا لا أحبذ أن تصدر أعمالي الشعرية من أي دار نشر فلا يزيدني نشرها من ناشر شيئا، بل إني أرغب أن يتم تبني ذلك من وزارة الثقافة في بلد عربي، وستكون سعادتي كبيرة يوم تطبع من وزارة الثقافة العراقية. إن نشرها من وزارة الثقافة العراقية هو تكريم لنا نحن الإثنان. وحين وجدتني ساكتا قالت: ها، أين أنت؟ قلت: والله، خير ما تقولين وتطلبين وإنه حق لك وواجب عليهم.

وها أنا أدون ذلك لأشكر السيد وزير الثقافة الأستاذ الدكتور حسن ناظم الذي بادر هو، ولم يحملني عناء الإتصال ونقل وصية الشاعرة لميعة عباس عمارة بهذا الخصوص، فيوجه من جانبه بطباعة الأعمال الشعرية الكاملة لشاعرة العراق المحبوبة كجانب من إكرامها لأنها كانت الأصيلة التي أكرمت العراق في كل ما قالت وظلت نخلة برحية عراقية باسقة حيثما حلت.

نسجل إمتنانا للسيد الوزير لرعاية ثقافة الإبداع، ونحن على إستعداد لإبداء التعاون حتى في ما ظلت الشاعرة تحفظه في أدراجها مما هو غير منشور.